09-يونيو-2024

(تصوير: باتريك باز/أ.ف.ب)

بشكل مبكّر بدأت الأحزاب السياسية التي أعلنت تقديم مرشّحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرّرة في السابع سبتمبر/ أيلول المقبل، في طرح مطالبات سياسية إلى السلطة بشأن توفير شفافية الاستحقاق الانتخابي وضمانات المصداقة والنزاهة، بينما لمّحت أحزاب أخرى مثل "جيل جديد" إلى أن العهدة الثانية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لا مفرّ منها، موجهة تركيزها على إجراء تشريعيات مبكرة.

الناشط السياسي، عبد القادر فردي لـ "الترا جزائر": المطالبات المتجددة للقوى السياسية بشأن نزاهة الانتخابات يرتبط بقلق من عدم تخلصٍ كلّي من قبل الإدارة والأجهزة من ممارسات سابقة منحازة

مسألة، الضمانات الانتخابية صارت الأرضية التي تبني عليها الأحزاب خطابها السياسي بشكلٍ حادّ، منذ الخطوة التي أقبلت عليها الرئاسة في لقاء جمع الرئيس عبد المجيد تبون بـ قيادات وممثلين عن 27 حزبًا سياسيًا يشكّلون مختلف الأطياف السياسية في البلاد.

مبادرة.. تعزيز الحريات

بالإضافة إلى النزاهة والشفافية، كان المطلب الأساسي للأحزاب خلال الأشهر الماضية، إتاحة مناخ انفتاح إعلامي وسياسي يتيح تكافؤ فرص الوصول إلى الناخبين عبر وسائل الاعلام والمنابر السياسية، والقطع مع كل الممارسات السابقة التي كانت تشوش على الانتخابات.

وعلى حساب المنافسة السياسية، دعت حركة مجتمع السلم، السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات إلى تحمّل مسؤوليتها في توفير البيئة الانتخابية الضامنة لنزاهة الانتخابات، بما يساهم في استرجاع ثقة المواطن في مؤسّسات الدولة.

وطالبت الحركة في بيانها عقب تزكية مجلس الشورى لرئيس الحركة عبد العالي حساني مرشحًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، "السلطة السياسية إلى اغتنام فرصة الانتخابات الرئاسية القادمة لفتح الآفاق السياسية والاعلامية وتعزيز الحريات بما يقوّي الجبهة الداخلية والمسار الديمقراطي للجزائر"، كما دعت الشعب الجزائري إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة على اعتبار أنها رهان دولة ووطن.

وعلى بعد ثلاثة أشهر من تنظيم الموعد الانتخابي، حمّل رئيس الحركة ومرشّحها لانتخابات الرئاسة، حساني، المسؤولية السياسية على السلطة، في علاقة بتوفير مناخ شفاف وظروف انفتاح إعلامي وسياسي يتيح إجراء الانتخابات الرئاسية، مشددًا في تصريح للصحافيين، على تحمل الهيئة المستقّلة للانتخابات بوضع الآليات اللازمة التي تقطع مع كل المظاهر المشوشة، وتعالج أسباب العزوف الانتخابي الذي كانت تشهده الاستحقاقات السابقة، في إشارة منه إلى استغلال إمكانات الدولة لصالح مرشح السلطة، وانحياز الإدارة وغيرها.

وفي السياق نفسه، طالبت جبهة القوى الاشتراكية، السلطة "بتوفير ظروف مناسبة وضمانات شفافة تسمح بجعل "الانتخابات الرئاسية فرصة لإعادة التعبئة السياسية لاستعادة الفضاءات السياسية الديمقراطية".

وقال الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، في خطاب ترشّحه، إن خيار مشاركته في الرئاسيات جاء لتشجيع الجزائريين على الإنخراط في العمل السياسي وإنجاح المسار الإنتخابي"، وبعث الأمل في الأوساط الشعبية وتمتين الثقة بين الشعب ومؤسسات الجمهورية.

وقبل ذلك كانت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، قد طالبت خلال اللقاء الموسّع بين رئيس الجمهورية والأحزاب السياسية، "بضرورة تهيئة الشروط الموضوعية لإجراء الانتخابات الرئاسية " في مناخ تسود فيه السكينة من خلال رفع القيود عن الممارسة السياسية وتحرير الإعلام، وضرورة تلطيف البيئة اجتماعيًا وسياسيًا ليجري المسار الانتخابي في ظروف سكينة، من الضرورة الملحّة اتخاذ إجراءات جريئة فورا، لإزاله الإحباط الذي يعد من بين أسباب النفور من الانتخابات والتشكيك في جدوى ممارسة الحق في التصويت".

على خلاف بقية الأحزاب الداعمة لعهدة ثانية في إطار "ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر"، والتي انضمت إليها أربعة أحزاب تشكل الأغلبية البرلمانية، وهي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل وحركة البناء التي جمدت عضويتها لاحقًا، فإن "جيل جديد" كان صريحًا جدًا في بيانه بخصوص مشاركته في الرئاسيات.

ففي بيان له، أقرّ الحزب الذي يرأسه جيلالي سفيان، بأن العهدة الثانية أصبحت حتمية، غير أنه يشترط أن تكون عهدة إصلاحٍ سياسي، تُنظم فيها السلطة نقاشًا حقيقيًا حول حصيلة الجزائر المستقلة، مؤكدًا أنه في انتظار نشر الالتزامات السياسية للعهدة الثانية "يحقّ لنا أن نأمل في تنفيذ رؤية إصلاحية عميقة".

ومع ذلك، دعا حزب "جيل جديد" المواطنين الجزائريين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنّها "ستكون المرحلة الأولى لإحياء روح المواطنة بتصويت كل واحد حسب ما يمليه عليه ضميره واختياره"، معتبرًا أن هذه الرئاسيات في دولة قانون ذات نظام رئاسوي هو أحد المواعيد الأكثر دلالة على سير المؤسسات الديمقراطية.

ويقرأ متابعون، بيان "حزب جيل" جديد، في سياقٍ يحمل دلالات مشككة في نزاهة الانتخابات والضمانات التي يطالب بها الأحزاب لدخول المعترك الرئاسي، ويعترف بأنها ستكون انتخابات محسومة مسبقًا لصالح العهدة الثانية، وإن كان الحزب دعا المواطنين للمشاركة في الانتخابات، فإن ذلك سيكون في إطار صوري لإنجاح الموعد الانتخابي دون مشاكل تذكر تماشيًا مع خطاب الحفاظ على الدولة الوطنية من التهديدات الخارجية، في مقابل ذلك، كان يبدو أن حزب جيلالي سفيان، قد طالب بمقابل هو الآخر ضمنيًا في بيانه، من خلال دعوته لإجراء تشريعيات مبكرة، وهو ما يفهم منه أنه يبحث عن التموقع البرلماني بعد الرئاسيات.

المصداقية

في الواقع، سلّم متابعون للشأن السياسي في البلاد، بأن لقاء الرئيس مع الأحزاب، حقّق قاعدة سياسية واجتماعية في صالح السلطة السياسية، لأنها أسهمت في لملمة المكونات السياسية الحزبية في مائدة واحدة، لكنها في المقابل من ذلك، اعتبرتها البعض دافعًا للبحث عن المزيد من الضمانات التي تمنح المصداقية للمنافسة الانتخابية في الـ 7أيلول/سبتمبر المقبل، ويفرض على السلطة أن تعطي ضمانات النزاهة.

وفي هذا الشأن، فسّر الناشط السياسي، عبد القادر فردي (مرشّح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في قائمة حرة)، بأن المطالبات المتجددة للقوى السياسية بشأن ذلك، "يرتبط بقلق من عدم تخلصٍ كلّي من قبل الإدارة والأجهزة من ممارسات سابقة منحازة، وأن هناك ما يبرر مطالبات الأحزاب والمرشّحين لانتخابات الرئاسة للضمانات وتنقية الأجواء الانتخابية.

وحتى وإن كان هناك اجماع على أن الهيئة المستقلة قامت بجهد جيد في مجال تنقية الانتخابات من كثير من الشوائب، أضاف في تصريح لـ "لترا جزائر" بأن ذلك في نظر الأحزاب ليس كافيًا، وذلك راجع إلى بعض الممارسات التي شهدتها في الاستحقاقات الأخيرة النيابية والمحلية عام 2021، كعرقلة جمع التوقيعات واستخدام وسائل الدولة لصالح مرشح معين من باب المزايدة والتملق، تُبقي على هذه المخاوف قائمة، على الرغم من أن الرئيس عبد المجيد تبون ليس بحاجة إليها مطلقًا، إن قرر الترشح.

الامتحان الثاني

للمرة الثانية تُشرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على الانتخابات الرئاسية بعد استحقاقات 2019، وذلك بعدما كانت وزارة الداخلية المشرفة على تنظيم الانتخابات، وتتولّى الهيئة العليا كامل مراحل العملية الانتخابية من إمساك القائمة الهيئة الناخبة وتسجيل الناخبين إلى استلام نوايا الترشّح من المترشحين إلى تسليم وتسلم استمارات التوقيعات، ومعالجة ملفات المترشحين وقبول أو رفض أي منها، وتثبيت مراكز التصويت وإدارتها بالكامل تحت رقابة ممثلي المترشحين، إلى عمليات الفرز العلني وعد الأصوات وتجميعها وإعلان النتائج الرسمية.

على الرغم من تعهدات جدية أعلنها مؤخرًا، رئيس الهيئة العليا للانتخابات محمد شرفي، بشأن توفير كامل الضمانات لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة، إلا أنّ العضو في حزب "صوت الشعب" فريد لعلامي يقول إنّ الحديث عن صحة وسلامة العملية الانتخابية من أشكال التزوير والتلاعب بالأصوات، يؤثر أولًا في العملية الانتخابية برمتها، ويبعث على المخاوف سواءً من قبل الطبقة السياسية أو الفاعلين السياسيين والمكونات الاجتماعية، مشددًا على أهمية تحييد الإدارة.

عضو في حزب "صوت الشعب" لـ "الترا جزائر": الحديث عن صحة وسلامة العملية الانتخابية من أشكال التزوير والتلاعب بالأصوات، يؤثر أولًا في العملية الانتخابية برمتها، ويبعث على المخاوف

وأضاف لعلامي في تصريح لـ "الترا جزائر" بأن تبديد هذه المخاوف بتعهدات وتدابير تؤسّس لثقافة الانتخاب بحرية وتكون المشاركة فيها جاذبة لمختلف الفئات في المجتمع، خصوصًا وأن الانتخابات الرئاسية ستكون معيارًا لنجاح الفعل السياسي، وتحضيرًا ميدانيًا لانتخابات أخرى تنظمها الجزائر في علاقة بالاستحقاقات النيابية والمحلية.