07-يونيو-2024
يوسف أوشيش

يوسف أوشيش (صورة: فيسبوك)

لم يكن مفاجئا تقديم جبهة القوى الاشتراكية، ليوسف أوشيش مرشحا عنها لرئاسيات 2024، إلا أن هذا الخبر يبقى مثيرا للاهتمام، فهذا الحزب ذو التاريخ العريق لم يدخل هذه الانتخابات إلا نادرا، بل مرة واحدة سنة 1999 عبر زعيمه حسين آيت أحمد الذي لم يكمل السباق إلى نهايته، وهو اليوم يراهن على شاب بالكاد تجاوز سن الترشح القانوني.

خطابات أوشيش تمتاز بالكثير من المفاهيم السياسية النظرية التي تعكس تكوينه كخريج لكلية العلوم السياسية في جامعة الجزائر

قد يكون أبلغ ما يعبر عن هذا الموقف، ما صرّح به أوشيش نفسه في خطاب الترشح، عندما قال "قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة لم يكن سهلًا على الإطلاق، ولقد تم اتخاذه بعد نقاش طويل وتحليل موضوعي وواقعي للوضع". وتحدّث عن مخاوف كانت لديه، سرعان ما تلاشت أمام "الأهداف النبيلة المسطرة لمشاركتنا خلال هذا الموعد".

هذه المخاوف، قد يكون مبعثها صغر سن أوشيش المولود في كانون الأول/يناير 1983، أمام هيبة المنصب الذي يطمح إليه وتاريخ حزبه العريق في السياسة والذي ليست قواعده دائما على وفاق لما يتعلق الأمر بالانتخابات. فالشاب ينحدر من مدينة بوغني في ولاية تيزي وزو، وهي إحدى قلاع المعارضة ومقاطعة الانتخابات في السنوات الأخيرة، وهو يعلم أن مهمته في الإقناع ليست سهلة على الإطلاق، في ظل الظروف التي عاشتها الجزائر منذ الحراك الشعبي.

 بالمقابل، هناك ما يبث الطمأنينة في المترشح الشاب (متزوج وأب لطفل)، منها أنه حظي بتزكية الأغلبية الساحقة من المؤتمرين، إذ من بين 1100 مؤتمر، لم يصوت سوى اثنان ضد ترشحه، وفق ما ذكرت مصادر من الحزب لـ"الترا جزائر".

في خطابه الأخير، عبّر أوشيش بلغة عربية فصيحة وهو يتقن الفرنسية بينما الأمازيغية لغته الأم التي يناضل حزبه من أجل التمكين لها، وتمتاز خطاباته بالكثير من المفاهيم السياسية النظرية التي تعكس تكوينه كخريج لكلية العلوم السياسية في جامعة الجزائر، وهي المرحلة التي صنعت وعيه السياسي كطالب انخرط مبكرا في جبهة القوى الاشتراكية وأصبح متكلما باسمها في الحقل الطلابي الذي كان في بداية سنوات الألفينات مشتلا سياسيا حقيقيا عكس التراجع الذي يعيشه اليوم.

مرحلة الصعود

عرف عن أوشيش في مرحلة التكوين السياسي، اندفاعه وحماسه ما كلفه العديد من الملاحقات القضائية بما في ذلك الحكم بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ. وبعد التخرج، عمل كصحفي في الصحافة المكتوبة خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وملحقا نيابيا خلال الفترة 2012/2017. كما تولى في الفترة ذاتها، منصب مسؤول الإعلام بين سنتي 2013 و2016، كما عيّن بعد ذلك أمينا وطنيا مكلفا بالتنظيم بين سنتي 2016 و2017. وشهدت هذه المرحلة إطلاق الأفافاس مبادرة الإجماع الوطني التي استرعت الاهتمام في ذلك الوقت، وكان أوشيش من أبرز من روجوا لها بحكم إشرافه على الإعلام في الحزب.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، خاض الشاب أول تجربة انتخابية، حيث قاد بنجاح قائمة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المحلية لتيزي وزو، ليتم انتخابه لمنصب رئيس مجلس الشعبي الولائي. وأهله ذلك ليتنافس سنة 2021، على عضوية انتخابات مجلس الأمة، ليصبح سيناتورا عن ولاية تيزي وزو، وهو المنصب الذي يحتله إلى اليوم.

قيادة الأفافاس

أما تنظيميا، ففي فترة عامرة بالخلافات والانقسامات التي وصلت حد التعارك الجسدي، صعد أوشيش إلى قمة الأفافاس بتعيينه السكرتير الوطني الأول للحزب في منتصف 2020، وكان على عاتقه قيادة الأفافاس إلى المؤتمر السادس الذي  طال انتظار، ليتحقق ذلك في 2022 مع إصلاحات تضمنها المؤتمر بإلغاء الهيئة الرئاسية التي تم اعتمادها كبديل مؤقت بعد انسحاب زعيم الحزب حسين آيت أحمد من القيادة سنة 2013، وهو ما فتح الباب لأوشيش ليكون أول متزعم للحزب بشكل كامل بعد مرحلة القيادة الجماعية.

ومنذ تولي الشاب جهاز الحزب، اختفت المشاكل التنظيمية بعد حسم الكثير من الخيارات وإبعاد الخصوم عن هيئات الحزب القيادية. وتفرغ أوشيش، لصياغة خطاب جديد للأفافاس، لم تعد فيه السلطة الخصم الوحيد ، بل وجد خصوم آخرون يهاجمهم الحزب بحدة أكبر هم "الانفصاليون" و"أصحاب الخطاب العدمي".

ويركز خطاب الرجل الحالي على الوضع الدولي ووقعه على الجزائر، خاصة على سيادتها وعلى سلامتها الترابية، وهو ما يفرض وفق ما جاء في خطابه بمناسبة تأسيس الحزب العام المضي، أكثر من أي وقت مضى "التحلي بواجب المسؤولية". وينتقد أوشيش من يصفهم بالعدميين الذين يقزمون هذه التهديدات وينظرون إليها بطريقة سطحية وغير مسؤولة على أنها مناورات لامتناهية من طرف السلطة، حتى وإن كانت هذه الأخيرة، حسبه، توظفها لخنق الحريات.

ويبدي الرجل الذي التقى الرئيس عبد المجيد تبون مرتين، أكثر من مرة استعداد حزبه لمرافقة السلطة في عملية إعادة البناء الوطني وفق أسس صحيحة، كما يقول. كما يتشارك معها المعركة ضد الانفصاليين في منطقة القبائل من حركة الماك المصنفة على قوائم الإرهاب، فهؤلاء حسبه "يملكون تصورا آخر غير ذلك الذي ورثناه عن قادة الحركة الوطنية".