الجدل الدائر حول رواية "هوّارية" الحائزة على جائزة آسيا جبار للرواية بالجزائر بسبب مضمونها المختلف فيه بين مؤيد ومنتقد، خلقت نقاشًا آخرًا حول دُور النشر المنتشرة في البلاد ومدى احترافيتها وهل تتعرض أعمالها للرقابة؟ ولماذا تغلق بعضها أبوابها؟ وما مصير المبدعين؟، وبالتالي النقاش لم يتوقف عند المضمون الذي سال بخصوصه حبرٌ كثير، بل تخطّاه إلى انتقاد دار النشر التي أصدرت هذا المؤلف الأدبي لصاحبته إنعام بيوض.
"الترا جزائر" ناقش أسئلة كثيرة طُرحت حول رواية "هوارية" للروائية إنعام بيوض وقرار دار نشرها "ميم" الانسحاب من الساحة الثقافية
وكان الانتقادُ قاسيًا بلغ حدّ السب والشتم في حق مديرة "ميم" المبدعة، آسيا علي موسى، التي وجدت نفسها بحسب دلالة إعلان توقف نشاطها نهائيًا مضطرة إلى حماية منشوراتها لأنّ سياق النقاش حَادَ عن مسار احترام الرأي والرأي الآخر، لكن يتساءل متابعون لماذا اتخذت "ميم" قرار الانسحاب من الساحة الثقافية بسبب رواية هناك عشرات الروايات شبيهاتها؟ هل الضغوط على دور النشر والكتّاب وليدة اليوم؟ هل كل جدل ثقافي حول مؤلف إبداعي تكون نتيجته دار نشر توقف نشاطها؟ هل كل جدل ثقافي يتحول إلى "دعشنة" تحمل من التهديد أشكالًا وألوانًا؟.. أسئلة كثيرة تطرح يناقشها "الترا جزائر" في هذه الورقية مع فاعلين من كتاب وناشرين في الحقل الثقافي وحقل الكتاب بالجزائر.
لا تضييق على النشر والإبداع
الشاعر والإعلامي عبدالعالي مزغيش، يرى، حول النشر في الجزائر بعد الجدل الذي أحدثته "هوارية" وغلق "ميم" أبوابها أنّه في الغالب لم يواجه نشر الرواية في بلادنا مسألة التضييق على حرية الكتابة، وقلّما كانت الأعمال الروائية محل جدل نظرًا لنسبة المقروئية المتدنية في الجزائر كغيرها من دول العالم العربي، رغم وجود محاولات متعثرة لإنعاش المقروئية منذ سنوات."
ويُشير مزغيش إلى أنّ "ما يحدث اليوم بخصوص رواية "هوارية" هو سحابة صيف عابرة، ومن الوهم اعتبار الجدل أو اللغط الحاصل حولها علامة صحية في مشهدنا لأنه كان جدلًا مفاجئًا مصطنعًا في أغلب الظن يقف وراءه اسم أو اسمان ممن لم تعجبهم نتائج لجنة التحكيم التي توجت "هوارية " بجائزة آسيا جبار".
ويلفت مزغيش إلى أنّه "قبل صدور "هوارية" لإنعام بيوض، نشرت عشرات الروايات وأكثر، تتضمن تعابير جريئة وكلمات نابية خادشة للحياء ولكنها ظلت ترقد في طيّات الكتب ولم يتم إخراجها عن سياقها أو دفعها لموقع فيسبوك لمحاكمتها على يد من هب ودب من سواد أعظم لم يقرأها ولم يسمع بها"، وإنّما -وفقه- أقام لها محاكمة افتراضية وحكم عليها بالجرم بناء على عبارات تضمنتها 14 صفحة من عمل روائي تجاوزت صفحاته المائة."
ويذهب المتحدث بعيدًا في الطرح عندما يقول إنّ "الخطير في المسألة بالنسبة له هو أن تصبح هذه عادة السواد الأعظم الذي لا يمكن – على حدّ تعبيره- من التحكم في ردود فعله كلّما تم تحريكه من جهة تأنس للارتباك العام وتقتات على الفوضى ومحاكمة الفكر وتمييع قضايا النقاش الحقيقية بإثارة أخرى غير مهمة.
وحول إغلاق "ميم" يعتبر مزغيش أنّ مديرتها آسيا علي موسى قد اتخذت الطريق السهل لإنقاذ دارها حين اختارت توقيف الدار، تفاديًا لموجة الغضب التي قد تتحول من نقمة على رواية غير متداولة، وروائية جريئة فازت بجائزة وطنية، إلى نقمة على دار النشر وصاحبة دار النشر.
مزغيش يقول إنّه "يؤيّد غلق "ميم" لكن مؤقتا، لعلمه أن مديرتها تعرضت لمضايقات وتحرشات لفظية بسبب طبعها للرواية، ويطالب بعودة "ميم" إلى الساحة بعد مرور الأزمة المفتعلة، بسلام."
لا خطر على النشر.. ولا أحد يمارسه خارج رؤية تجارية
من جهته، الناشر والروائي، رفيق طيبي، يستبعد أن يكون النشر في خطر بسبب حادثة وصفها بـ"الجميلة" رغم انزلاقها إلى شجار فوضوي.
وفي السياق يعتقد طيبي أنّ "القول بوجود دور نشر غايتها تجارية فلا بد من التوقف للتساؤل، هل هناك دُور نشر لا تملك غاية تجارية؟ قد يقصد أن هناك دورًا غايتها تجارية محضة، بعيدًا عن الجماليات وهذا صحيح لكن لا أحد يمارس النشر خارج الرؤية التجارية."
وموضحًا، يقول: "في النهاية للناشر عمال ومواد أولية ومتاعب أحيانا لا تطاق نفسية وجسدية وهذه لها مقابل." ويضيف: "النشر لن يكون في خطر بسبب ما يمكن وصفه بحادثة، حادثة جميلة! رغم انزلاقها إلى "شجار" وفوضى، لكن ما أجمل أن نتشاجر من أجل الأدب مع أنني تمنيت كثيرا لو بقي النقاش نقاشا أو سجالا على الأقل، بدل التناطح الذي استخدمت فيه ترسانة لغوية مقلقة وخطيرة مست باعتبار أشخاص كثر وأثرت على نفسية الناشرة والكاتبة وحتى لجنة التحكيم. "
ويشأن قرار غلق "ميم" وهل "هوارية" سبب كاف لغلقها، يرى طيبي أنّ القرار هو محض رد فعل قلق في سياق مرهق."، ووفقه " بهذا المعيار لو تحصل هجمة بسبب أي عمل فيغلق الناشر، كنا سنشهد غلق العديد من دور النشر خاصة في المشهد الغربي المتآلف مع هذا النوع من الإثارة والجدل."
ووصف صاحب منشورات "خيال" الجدل الحاصل بسبب "هوارية" بالصحي، لولا انزلاقات صغيرة يمكن تفاديها مستقبلا من خلال تراكمات النقاش والسجال الذي لم نعشه قبلا."
ويعتبر أن "ما حصل تدشينا لمستقبل مليء بالنقاشات ومرحبًا بأي فوضى أدبية تنتج انتقالًا نحو أفق جديد يخرج الجزائري من "الهوشات" التقليدية التي ألفها وغالبا تعلّقت بالمواد الغذائية والأزمات السياسية وما يثيره رواد التيك توك وغيرهم."
تُجارٌ في ثوب ناشرين.. النتيجة انحطاط الكتابة
بدوره، الناشر والكاتب الطيب صياد تحدث عن النشر من بوابة "ميم" ومنشوراته "سماء للآداب والفنون"، ويقول إنّ الناشر الجزائر يعاني من بؤس بسبب غلاء أسعار الطباعة وعدم وجود عملية لتوزيع الكتب وبيعها."
ويضيف صياد أنّه "كصاحب دار نشر جديدة دخل مغامرة صعبة جدا ووضع خطة لتكون الدار مؤسسة فكرية أدبية حقيقية بعيدة عن الجانب التجاري بمعنى لا يقبل نشر النصوص مقابل المبلغ المادي الذي يدفعه الكاتب."
ولم يخف المتحدث أنّ الدولة وعدت بالمساعدة والتدخل لتخفيض أسعار الورق، والناشر الذي يرى أنّ الكاتب هو معياره أي هو الذي يدفع سوف يحقق ثورة هائلة."
ويشير إلى أن "كثير من دور النشر اعتمدت هذه السياسية، ما ساهم في انحطاط المشهد الأدبي والكتابة لأنّه لا يعتمد على قراءة النص ولا وجود للجنة قراءة مستقلة، بل إنّ الكاتب يدفع لينشر مؤلفه مهما كان مستوى النص وقيمته الفكرية واللغوية."
ووفق صاحب رواية "آسيا قرمزلي": "هناك عدد قليل من الناشرين ضد هذه الفكرة ولكن يريدون تدخل الدولة لتخفيض سعر الورق ومساعدتهم في نقل الكتب والمشاركة في المعارض."
وبخصوص "ميم"وقرار مديرتها توقيف نشاطها، يرد المتحدث قائلا إنّ "ميم" دار نشر محترمة ومفخرة للجزائر والحركة الأدبية في العالم العربي وعلامة مسجلة، وما نُشر في صفحتها الرسمية حول انسحابها من الساحة، حدث سابقًا وتكرر 3 مرات، لكن كانت "ميم" تعود تحت مبررات معينة.
وفي سياق اللغط حول "هوارية" ودعوة البعض لسحب الجائزة من إنعام بيوض بسبب "هوارية" وأيضًا النقاش الذي طفا إلى السطح مجددًا بشأن "الناشرين" يبدو أنّ العشرين سنة التي خلت، شهدت أحداث مشابهة مثل "مهاجمة" عناوين أدبية وانتقاد أصحابها، أو منع عناوين وسحبها من السوق مثل كتاب الإعلامي محمد بن شيكو حول الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، كتاب "اليهودي الأخير لتمنطيط" لأمين الزاوي والذي اتهم من خلال الزاوي بتعاطفه مع اليهود على حسابه أهل منطقة تمنطيط.. وأخرى.