10-مايو-2023
تمثال

(الصورة: العربي الجديد)

قُبيل استقلال الجزائر، ببضعة أسابيع فقط، ارتكبت فرنسا الاستعمارية جريمة شنعاء راح ضحيتها عشرات الجزائريين العاملين بميناء عاصمة البلاد، وقدّ خلدت السلطات الجزائرية ذكراهم بتشييد منحوتة مصنوعة من البرونز تعرف بـتمثال "العتّال" (الحمّال).

التمثال يوثّق همجية المستعمر الفرنسي ضدّ عمال بسطاء بميناء الجزائر انتفضوا للمطالبة بالحرية والاستقلال

ويوجد نصب "العتّال" بساحة تافورة (ساحة 2 أيار/ماي تسميتها الجديدة)، التي تشهد حركية مكثفة مقابل ميناء الجزائر العاصمة أكبر موانئ البلاد، جُسِّد في حمّال، يحمل على ظهره كيسًا، توحي ملامحه وتعابير جسده بالشقاء والتعب والمحنة، يعكس أيضا التضحيات الجسام التي قدّمها الجزائريون من أجل تحرر بلادهم ونيل الاستقلال ويوثق لجريمة بشعة تعد قطرة في بحر الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية بالجزائر.

التمثال صمّمه ونحته الفنان الجزائري المعروف محمد بوكرش (مواليد 11 كانون الثاني/جانفي 1954) بسيدي بلعاليا بمدينة الجلفة سنة 1985، يحكي قصة مؤلمة إبّان الاستعمار الفرنسي عن عُمالٍ بُسطاء من أبناء الشعب الجزائري، همّهم كان البحث عن لقمة عيش يسدون بها جوعهم وجوع عائلاتهم، كادحون يلتقون كل صباح بالميناء من أجل تفريغ البضائع والسلع من السفن أو الشاحنات أو شحنها، لكن نهايتهم كانت مأساوية، حيث قوبل 200 عامل بالقتل أثناء مطالبتهم بحقهم في العمل. وفق مصادر تاريخية.

تمثال

الفاجعة الأليمة حدثت فجر الثاني من شهر ماي/أيار 1962، قبيل شهرين على الاستقلال (5 تموز/جويلية 1962)، عندما انتفض عمال الميناء تنديدًا بسوء المعاملة التي كانوا يتلقونها خلال العمل، وطلبًا لتحسين أوضاعهم على صعيد الأجور، لكن المستعمر الفرنسي لم يرأف بهم، ولم يتفاوض معهم، بل قتلهم دون شفقة.

أورد متحف المجاهد (حكومي) بولاية معسكر غربي البلاد على صفحته بفايسبوك تزامنًا وإحياء ذكرى مجزرة ميناء الجزائر في الـ2 أيار/ماي 1962، أنّ "تفجيرات ميناء الجزائر من طرف منظمة الجيش السري (OAS) الفرنسي تعود وقائعها صباح يوم الأربعاء 02 أيار/ماي 1962 على الساعة السادسة و10 دقائق ."

وقام عناصر منظمة الجيش السري بتفجير سيارة مفخخة أمام مركز توظيف عمال الموانئ، حيث تزامن تنفيذ هذا التفجير مع أعمال إجرامية أخرى، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار رسميًا بين الجزائر وفرنسا (19 آذار/مارس 1962)، بحسب ما نشره متحف المجاهد لمعسكر.

وأشار المتحف إلى أن " أكثر من ثلثي الدواكرة ـ الحمّالين ـ كانت أجسامهم حمراء مضرجة بالدماء، واستمر رعب منظمة الجيش السري بتنفيذ أعمال إجرامية رغم نداءات وقف العنف والقتل."

 وخلفت هذه التفجيرات استشهاد ما يفوق 100 عامل جزائريا، وإصابة أكثر من 250 جزائري بجروح متفاوتة الخطورة وأغلبهم من الشباب الذين جاؤوا للمطالبة بمنصب شغل في الميناء." وفق المصدر ذاته.

المؤرخ محمد الأمين بلغيث قال في حديث لـ"الترا جزائر"  حول هذه الجريمة إنه "في صباح 2 أيار/ماي 1962، وتزامن ذلك مع الأشهر الأولى للمرحلة الانتقالية التي بدأت في 19 آذار/مارس 1962 إلى غاية 1 تموز/جويلية 1962، في هذه الفترة التي كانت حكومة المرحلة الانتقالية الجزائرية تتحكم في الوضع الأمني، كانت هناك منظمة الجيش السري الفرنسي تقوم بأعمال بربرية من أجل إعادة النظر في "إتفاقيات إيفيان" ولكسر المعاهدة التي كانت بين الجزائريين والحكومة الفرنسية بوقف إطلاق النار؟

وأضاف: " في فجر 2 أيار/ماي 1962 خرجت كالعادة مجموعة كبيرة من العمال الجزائريين، واصطفوا للبحث عن عمل بميناء الجزائر، فجاء عنصر من إرهابي المنظمة السرية الفرنسية وفجرّ أمامهم سيارة مفخخة،  فكان عدد الضحايا كبير جدا."

وأوضح أنّ "هذه العملية إجرامية نفذت للقضاء على الأمن التي كانت تساهم في استبابه حكومة المرحلة الانتقالية آنذاك، وكذلك لإفشال العلاقات والاتفاقيات التي تمت بين الحكومة الجزائرية المؤقتة (ممثلة في يوسف بن خدة وكريم بلقاسم) والدولة الفرنسية برئاسة الجنرال شارل ديغول."

واعتبر بلغيث أنّ "هذا العمل الإجرامي الذي وقع بالميناء، يشبه كثيرًا بما وقع في 7 حزيران/جوان 1962 عندما أحرقت الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة وأتلف ما يزيد عن مليون من الوثائق الكتب النادرة التي كانت بالمكتبة."

الزائر لهذه التحفة الفنية سيطلع على أسماء العمال الذين قتلهم المنظمة السرية الفرنسية بتفجير سيارة مفخخة، وقد كتب على نصب تدشين هذا المعلم: "ذكرى خالدة لإخواننا الذين اغتيلوا غدرًا من طرف الاستعمار الغاشم يوم الثاني أيار/ماي 1962، رحمهم الله، هنا استشهد 200 عامل.. أبرياء ضحايا الغدر والعدوان، استشهدوا في سبيل الحرية والاستقلال." 

تمثال