11-أغسطس-2020

الصحافي خالد درارني (الصورة: أرك أنفو)

"لكلِّ شخصٍ حقّ التمتع بحُرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

ما يتضح في هذا النوع من المحاكمات هو السعي إلى تجريد درارني من حقه في ممارسة مهنته حتى تتم إدانته

هذا ما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالنظر إلى ما وصلت إليه المحاكمات المتعلقة بحرية التعبير في "الجزائر الجديدة" التي يبدو أنها تندثر سريعًا مع مرور الوقت، حيث تتخبط السلطة والحراك الشعبي منذ فترة في تجاذبات لا تنتهي ولا ترى نورًا قريبًا، ومع انقلابات رهيبة في ميزان القوى والعدالة.

اقرأ/ي أيضًا: العفو الدولية تعتبر حكم درارني إهانة صارخة لحقوق الإنسان

كان يوم البارحة ضربة قاسمة لحرّية الصحافة والصحافيين ولاستقلالية القضاء، مع توظيف سيء للمحاكمات وخللٍ كبير أصاب العدالة، إضافة إلى عجز فادح عن استيعاب مفاهيم الحقوق، خللٌ في التعاطي مع حرّية التعبير في الجزائر زَجَّ بالصحافة في بؤر معتمة من القمع والتضييق، ولم يعد بالإمكان السكوت عنه، لأنه يعرقل المعلومة من الوصول إلى المواطن بالدرجة الأولى ويمنع الصحافي من ممارسة مهامه بكل حرّية حسب الأعراف والقوانين الدولية التي تحميه.

إن الصحافة مريضة والعدالة تحتضر. هذا ما يردّده النشطاء والحقوقيون وعدد من الإعلاميين والمواطنين الذين يتابعون عن كثب شتى قضايا معتقلي الرأي في عدة مناطق على التراب الوطني، وكان أبرزها قضية الصحافي خالد درارني، رفقة الناشطين سمير بلعربي وسليمان حميطوش الذين أدينا بسنتين منها أربعة أشهر نافذة.

علامَ يُدان هذا الشاب تحديدا؟

1095 يومًا من الحبس.. ثلاث سنوات نافذة بتهم تتعلّق بالتحريض على التجمهر غير المسلح وتهديد الوحدة الوطنية، أحكام متفاوتة مسّت ناشطين وصحافيين بالتهمة نفسها.

 في الوقت الذي خرج فيه وزير الإعلام عمار بلحيمر قبل هذا الحكم بيوم واحد ليعدد الكثير من الإجراءات التي قد تتخذ في حقّ الصحافيين وما أسماه ب"المقالات المجهولة"، و"إنهاء الممارسات غير المهنية"، أصر درارني خلال محاكمته على أن ما كان يقوم به هو مهامه الصحافية العادية في تغطية أحداث الحراك ونشر المستجدات المتعلقة به، إضافة إلى التعبير عن مواقفه الخاصّة كونه مناضلًا في هذا الحراك، يمارس حقه في المواطنة والدفاع عن الحرّيات في الجزائر.

في الحقيقة، لا يجرّم القانون الجزائري أفعال الصحافيين، إذ تتم محاسبتهم بإجراءات وأحكام مغايرة، لكن ما يتضح في هذا النوع من المحاكمات، هو السعي إلى تجريد درارني من حقه في ممارسة مهنته حتى تتم إدانته كمواطن أجرم وعليه أن يُحاسب بأية طريقة.

 كان من المرجح أن نتابع هذا الصحافي الشاب على قنوات أجنبية عديدة، أتاحت له فرصة العمل في عدة مناسبات، كانت لتحقق له أحلامًا بُتِرت في بلده، لكن خالد فضل البقاء في وسط إعلامي مُنهَك، متعبٍ ومُكبل، فضل أن يكون صوتًا لا يُخرسه التضييق من بين آلاف الصحافيين الصامتين تحت رحمة لقمة العيش والخوف من الاعتقال والمحاكمات.

لطالما كان درارني من بين أكفأ الإعلاميين الذين واكبوا حراك 22 شبّاط/فيفري بكل أحداثه، وكل ما رافقه من تجاذبات بين موالاة ومعارضة، ولم يبخس حق أحد في المعرفة والاطلاع،  كانت منشوراته على فيسبوك وتويتر، إضافة إلى الصور والفيديوهات التي صورها موثّقًا أحداثا هامة من خلالها، مصدرًا موثوقًا للمعلومة في الوقت الذي غابت فيه التغطية الإعلامية العمومية منها والخاّصة، حيث اعتمدتها العديد من المواقع المحلية والدولية نظرًا لاحترافيته ومصداقيته العالية في نقل الحدث.

لم يكن خالد وحده من يُحاسب على تغطيته وآرائه بسبب ملفات فارغة وتهم مضخمة، أسماء عديدة كانت تحاسب على حق ممارسة الصحافة بكل حرية، وتحقيق حق المواطن في المعلومة، وهناك من يقبع في السجن إلى غاية اللحظة بتهم متفاوتة الخطورة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل يعلم المواطن البسيط شيئا عن هؤلاء الصحافيين الذين يعانون في السجن من أجل خدمته؟

هل يملك الشارع والرأي العام فكرة عن هؤلاء الأشخاص الذين كرسوا حياتهم لذلك؟ في الوقت الذي يتم التعتيم على هذا النوع من المحاكمات وتفاصيلها على وسائل الإعلام الوطني، وبالتزامن مع هبة إعلامية عالمية تضامنا مع هذا الصحافي، طالبت بلغة واضحة وواثقة بإطلاق سراح درارني وكل صحافي يقبع ظلمًا خلف القضبان، لأنّ الصحافة قطعًا لم تكن يومًا جريمة، فأين الإعلام الوطني من كل هذا؟

هل سنرى فعلًا هبّة تضامن ومطالبة بإطلاق سراح زميلهم؟ هل يدرك هؤلاء أن إدانة أي صحافي هو إدانة لهم جميعًا، هل سنرى ردات فعل جليّة ضد هذه القوانين التي توضع بين الحين والآخر لتحكم الخناق على الممارسة الإعلامية وعلى المواطن بصفة عامّة في الجزائر؟

من المسجون والمُدان حقًا الآن، هل هو خالد درارني الذي دافع عن حرية الشعب من خلال عمله؟

والسؤال الأهم جدًا في هكذا مواقف، من المسجون والمُدان حقًا الآن، هل هو خالد درارني الذي دافع عن حرية الشعب من خلال عمله؟ هل هم الصحافيون الذين فضلوا الخروج عن صمتهم والعمل تحت ظروف قاهرة وضغط كبير، أم أن السجناء الحقيقيين هم من فضّلوا الصمت؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

صدمة بعد الحكم على درارني بـ 3 سنوات حبسًا نافذًا

خالد درارني أمام المحكمة يوم 3 أوت المقبل