لا يختلف إثنان على أن أهم ما ميز قانون المالية لسنة 2023 والذي تمت المصادقة عليه قبل أيام بالمجلس الشعبي الوطني، هو الميزانية الضخمة التي وصفت من طرف النواب بـ "الأكبر في تاريخ الجزائر"، لاسيما ميزانية التسيير التي ارتفعت بـ 27 بالمائة مقارنة مع آخر قانون مالية صادق عليه البرلمان بغرفتيه.
قال النواب إن هذه الميزانية ستكفي لتحقيق "بحبوحة مالية" مرتقبة خلال سنة 2023
وبلغة الأرقام بلغت موازنة 2023 13 ألف و786.8 مليار دينار موزّعة على نفقات التسيير التي سترتفع إلى 9767.6 مليار دينار، بزيادة تقارب 27 بالمائة، مع ارتفاع نفقات التجهيز إلى 4019.3 مليار دينار أي بزيادة تصل 2.7 بالمائة، وهي مبالغ يرتقب أن تصب في حسابات الوزارات بمجرد توقيع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة قبل 31 ديسمبر /كانون الأول، أي عقب المصادقة عليه في البرلمان بغرفتيه، لتصدر بعد التوقيع نصوصه في الجريدة الرسمية.
وقال النواب إن هذه الميزانية ستكفي إلى حد بعيد لتحقيق "بحبوحة مالية" مرتقبة خلال سنة 2023، تتيح الأريحية المالية للجزائريين، من خلال زيادات في الأجور ومنح البطالة ومعاشات التقاعد، تنفيذا لما سبق وأن وعد به الرئيس الشعب.
وبالموازاة مع ذلك، اتخذت السلطات قرارا للضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه تجويع المواطنين، عبر التطبيق الصارم لفحوى قانون المضاربة الجديد، ما سيحسن معيشة الجزائري نسبيا.
ولكن السؤال الذي بقي مطروحا من طرف الجميع، هو "كيف ستتمكن السلطات من مراقبة صرف المال العام ومنع توجيه الميزانية الضخمة لأغراض أخرى"؟، وبتعبير آخر: ما هي ضمانات شفافية التسيير وآليات منع تبذير هذه الزيادات في أغلفة الوزارات، والتي مردها أساسا إلى ارتفاع عائدات النفط والغاز؟
5 قطاعات تحظى بأعلى ميزانية
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، عبد القادر بريش في إفادة لـ"الترا جزائر" أن خمس وزارات حظيت بأعلى أغلفة مالية في موازنة سنة 2023 في الجزائر، وهذا بناء على حجم مشاريعها وعدد عمالها، مضيفا: "70 بالمائة من أموال الميزانية توزع على أساس عدد العمال وحجم المشاريع والتجهيزات التي تقتنيها تلك القطاعات كل سنة".
وبخصوص ميزانية السنة المقبلة، يقول بريش أنها جاءت مختلفة عن سابقتها خاصة وأن طريقة إعدادها كانت وفق القانون العضوي لقوانين المالية رقم 15/18، والقائم على الدقة والصرامة في إنفاق المال العام.
وبالعودة الى القطاعات التي استفادت من أكبر ميزانية، لا تزال وزارة الدفاع الوطني تحتل الصدارة نظرًا للتعداد البشري الذي يشتغل تحت وصايتها، ناهيك عن متطلبات الأمن والدفاع الوطني التي تستوجب أموالًا كبرى ترصد سنويا لهذا القطاع، لاسيما من حيث التجهيزات والعتاد العسكري الذي يتم اقتناءه.
كما يعرف وفق بريش، قطاع التربية هذه السنة زيادة في حجم الميزانية المخصصة له مقارنة بالسنة الماضية لعدة اعتبارات، منها المبالغ التي تم تخصيصها لتوظيف أساتذة اللغة الإنجليزية إضافة الى تغطية حجم الترقيات والرتب الجديدة والتوظيف.
الصحة والتعليم في الجزائر
تعرف وزارة الصحة هذه السنة قفزة نوعية من حيث حجم الميزانية المخصصة لها، فعلى غير العادة ستشهد سنة 2023 إعادة إطلاق كافة المشاريع المعطلة بهذا القطاع منذ سنوات، منها مستشفيات وعيادات ومصحات متخصصة في الولايات الداخلية والجنوب، فضلا عن عدد الموظفين في القطاع الذي يعرف تزايدا كبيرا بشكل سنوي، وكذلك تخصيص بعض المبالغ لاقتناء التجهيزات الضرورية لاسيما وأن هذا القطاع يعاني منذ فترة طويلة، من تعطل الآلات الطبية.
ومن بين الوزارات التي حظيت بأعلى ميزانية، قطاع الداخلية، الذي سيستفيد ككل سنة من أغلفة كبيرة نظرًا لحجم الالتزامات المالية التي تقدم للبلديات في شكل إعانات، إضافة الى استكمال البرامج المعطلة المتعلقة بمناطق الظل والتكفل بميزانيات الولايات المستحدثة مؤخرا فضلا عن تمويل مخططات البلديات الخاصة بالتنمية.
وتحظى وزارة التعليم العالي هي الأخرى بميزانية كبيرة خلال سنة 2023، نظرا للتكاليف المخصصة لهذا القطاع سواء ما تعلق بالتجهيز أو التسيير، يضيف بريش.
لماذا تم رفع للميزانية؟
ويعلق الخبير الاقتصادي كمال خفاش على قرار الحكومة برفع الميزانية خلال سنة 2023، لاسيما ما يتعلق بالتسيير، التي ستزداد بأكثر من الربع، بالخطوة الإلزامية التي يفرضها الوضع الجديد، لتطبيق قرارات الرئيس المتعلقة بزيادات الأجور والمنح، مضيفا في تصريح لـ "الترا جزائر": "لا يمكن زيادة الأجور والمنح دون رفع الميزانية".
ويشدد الخبير خفاش على أن هذه الزياردات مردها ارتفاع سعر النفط والغاز في السوق العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث سبق وأن وعد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الجزائريين في تصريحات للإعلام بأنه سيواصل تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ورفع الأجور حسب ما تتيحه الظروف، أي وفق ما تؤول إليه سوق النفط والغاز خلال الأشهر المقبلة.
واعتمدت السلطات الجزائرية أيضًا ميزانية مرتفعة خلال سنة 2023، يصرح الخبير، للتمكن من رفع التجميد عن المشاريع العالقة وإعادة الدفع بالاستثمار المحلي والأجنبي، بعد الإفراج شهر جوان/ حزيران المنصرم عن قانون استثمار جديد، وهو ما يفرض وجود إمكانيات مالية معتبرة، لتوقيع مشاريع جديدة خلال سنة 2023.
شفافية أكبر
وفي وقت يتخوف البعض من استغلال المسؤولين التنفيذين توقيع الحكومة على ميزانية ضخمة لسنة 2023، لإيجاد ثغرات لنهب المال العام أو على الأقل تبذيره، يجزم النواب أن معالجة قانون المالية وفق القانون العضوي لأول مرة، سيسمح بضمان شفافية أكبر في تسيير صرف المال العام.
ومن جهته يرى النائب البرلماني كمال بن خلوف في تصريح لـ "الترا جزائر" أن قانون المالية الجديد، والذي يقوم هذه المرة على أساس ميزانية الأهداف والبرامج، وفق ما ينص عليه القانون العضوي رقم 15- 18 يتضمن الكثير من النقاط المتعلقة بضمان الشفافية والرقابة.
فموازنة 2023 تركز على الحفاظ على المال العام وتؤطر كيفية صرفه وتراقب إنفاق الأغلفة المالية دينارا بدينار، وتمنع أي تسرب غير مبرّر لمخصصات الإنفاق، يقول بن خلوف، خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على مؤشرات الأداء والبرامج، والتي تتطلب نوعًا خاصًا من التدريب للنواب، خلال المرحلة المقبلة، لضمان نجاح هؤلاء في عملياتهم الرقابية لاحقًا.
وخلافًا لقوانين المالية السابقة فإن تمرير مشروع قانون تسوية الميزانية لسنة 2023 سيكون سنة 2024، أي بعد سنة على أكثر تقدير، ما سيتيح رقابة دقيقة وآنية لصرف المال، ومساءلة البرلمان لنفس الوزراء والمسؤولين، قبل مغادرتهم، في حال أي تعديل حكومي.
قانون المالية الجديد يضع حدًا لذاتية أي مسؤول أو وزير في عملية صرف المال العام
كما أنه من مزايا تسطير قانون المالية، وفق القانون العضوي الجديد، أن يكون تقدير الميزانية القطاعية وفق مشاريع وأهداف معينة، بمبالغ ثابتة مسقفة مسبقًا، وهو ما يضع حدًا لذاتية أي مسؤول أو وزير في عملية صرف المال العام، ويتيح الكثير من الشفافية.