09-مايو-2024
تمثال للشهيد بوزيد سعال

تمثال للشهيد بوزيد سعال

الشهيد الجزائري العربي بن مهيدي قال في آخر رسالة كتبها لأمّه بعد أن أسره الجيش الاستعماري الفرنسي "إن أنا عشت بعد الاستقلال، سأنجب لك الكثير من الأبناء، وإن أنا مت يا أمي فالجزائريون كلهم أبناؤك".

جريمة 8 ماي 1945 التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد في ساعات قليلة جدا، بمختلف أرجاء الجزائر لاسيما في شرقها بمناطق سطيف وخراطة وقالمة تاريخ لا يمحى وسيظل محفورا في ذاكرة الجزائر وشعبها إلى الأبد

هناك عبارة تشبهها إلى حدّ كبير "لا تقلقي، إن سقطت شهيدا فزغردي عليّ يا أمّاه"، جملة كلماتها كالرصاص تعود لأول شهيد في مجزرة 8 ماي 1945 التي اقترفتها فرنسا في حق الجزائريين الذين طالبوا بالاستقلال.

جريمة 8 ماي 1945 التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد في ساعات قليلة جدا، بمختلف أرجاء الجزائر لاسيما في شرقها بمناطق سطيف وخراطة وقالمة تاريخ لا يمحى وسيظل محفورا في ذاكرة الجزائر وشعبها إلى الأبد، تاريخ يعكس كم ضحّى الجزائريون من أجل الاستقلال وأحد هؤلاء الأبطال سعّال بوزيد الذي يعتبر أول شهيد في تلك الإبادة التي ارتكبها الجيش الفرنسي قبل نحو 8 عقود.

من هو بوزيد سعال؟

وتزامنا مع إحياء الجزائر الذكرى الـ79 لمجازر 8 ماي 1945 ، ارتأت "التراجزائر" تسليط الضوء على البطل سعّال بوزيد الذي كان أول جزائري يسقط شهيدا برصاص الاحتلال الفرنسي وعمره 22 ربيعا فقط من أجل تحيا الجزائر حرة مستقلة.

ورد في صفحة المتحف الوطني للمجاهد على فيسبوك أنّ " الشهيد بوزيد سعال ولد في 9 جانفي 1919 بقرية الزايري ببلدية الأوريسيا ولاية سطيف من عائلة متواضعة تمتهن الفلاحة تعلم القرآن صغيرا، واشتغل صغيرا لمساعدة والدته بعد وفاة والده."

لماذا كان سعال يعود إلى منزل العائلة متأخرا؟

وفي صغره انخرط بوزيد سعال في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية بسطيف "فوج الحياة"، فكان – كما نقل متحف المجاهد- نعم الفتى تربية وأخلاقا وتواضعا وشجاعة وقلة كلام، حيث روى في هذا التوثيق أنّ الراحل كان يدخل إلى منزل العائلة في الساعات المتأخرة من الليل وبعد تناوله وجبة العشاء يصلي ويختلي بنفسه في إحدى زوايا البيت، وفي الصباح يستيقظ مبكرا يصلي الصبح في المسجد، ولا يعود إلى البيت إلاّ في ساعة متأخرة من الليل، وعندما تستفسر أمه عن سبب تأخره يقبّل رأسها ويقول:"لا تقلقي وإن سقطت شهيدا فزغردي عليّ".

وحول مجازر 8 ماي 1945، ومشاركة سعال بوزيد فيها، جاء بحسب المصدر ذاته " أنّه في "الـ7 مايو/آيار1945 أي قبل المجازر بيوم واحد، علّق سعال بوزيد العلم الجزائري في أعالي "صفالو"، ثم في اليوم الموالي الذي شهد واحد من أكبر المجازر في تاريخ البشرية نهض سعال مبكرا كما جرت العادة، أدّى فريضة الصلاة وصلى الفجر، ثم ارتدى لباسا نظيفا وحلق شعره ثم توجه مباشرة نحو مسجد المحطة "أبى ذر الغفاري" كما يسمى حاليا للمشاركة في مسيرة الفرحة بانتصار الحلفاء على النازية إبّان الحرب العالمية الثانية.

كيف استشهد سعال بوزيد؟

وبحسب المصدر ذاته "مع حلول موعد تنفيذ فرنسا وعدها بمنح الجزائر استقلالها حيث رفعت فيها الشعارات التي تنشد الاستقلال أبرزها الشعار التاريخي :"الجزائر حرة" و"أطلقوا سراح المساجين".. وغيرها ، كان البطل "سعال بوزيد" حاملا العلم الوطني وسط فوج من الكشافة يردد الأناشيد الوطنية، لكن أثناء تدخل الشرطة الفرنسية، قام رئيسها بإعطاء أمر بأن يرمي بوزيد العلم الوطني، لكن بوزيد رفض الأمر، فما قام به الضابط الفرنسي هو أن أخرج مسدسه وأطلق الرصاص على سعال بوزيد وأسقطه شهيدا أمام مرأى الجميع والحشود التي خرجت للمشاركة في المسيرة.

تعالت زغاريد النساء الجزائريات، فقام من كان معه من أصدقائه بالهرولة إليه ونقله إلى المستشفى من أجل إنقاذ حياته، لكن الشهادة طلبته، فاستشهد أمام مقهى فرنسي آنذاك، ثم بدأت عمليات القتل الوحشي في حق الجزائريين، وتوسعت رقعة المسيرات والمظاهرات لتشمل مختلف أرجاء ولاية سطيف.

فرنسا الكاذبة

وبحسب باحثين في التاريخ كانت مجازر 8 ماي 1945 بمثابة الشرارة الأولى التي مهدت لاندلاع ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954، انطلاقا من قناعة الجزائريين أنّ المستعمر الذي خلف وعده لا يؤتمن ووعوده مجرد شعارات على ورق وأنّ الحرية المسلوبة لا تسترجع إلاّ بالنضال والثورة لأنّ مظاهرات 8 ماي 1945 السلمية جاءت بعد فرحة نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث وعدت فرنسا الجزائريين الذين اتخذتهم كدروع بشرية وأخذتهم بالقوة للمشاركة في صفها ضد ألمانيا بمنحهم الاستقلال في حال "النصر"، وهذا لم يحدث، بل ما حدث فظيع وإبادة بـأتم معنى الكلمة، حيث قوبلوا بالرصاص وسقط منهم 45 ألف شهيدا، فضلا عن تدمير قرى ومداشر بكاملها في عديد المناطق.