في إطار نشاطاته الدورية حول الرهانات الاقتصادية والمؤسّساتية، نظم مركز أبحاث "حلقة العمل والتفكير حول المؤسّسة- CARE" بفندق سوفيتال بالعاصمة، وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، مائدة مستديرة تحت عنوان: "ما هي الأولويات لورقة عمل اقتصادية للجزائر في آفاق 2020؟".
يشدّد خبراء على ضرورة أولوية الاقتصاد على السياسة في هذه المرحلة الحرجة
وسط مخاوف من انعكاسات الأزمة السياسية على الوضع المالي والاقتصادي، تمحورت المداخلات حول الإجراءات الإستعجالية التي وجب الإسراع في اتخاذها، بهدف إيجاد مخارج آنية واستشراف اقتصادي لآفاق 2020.
اقرأ/ي أيضًا: الاقتصاد الجزائري .. تركة ثقيلة من زمن الفساد
حامت مداخلات اللقاء، حول مناخ الأعمال والاستثمار في البلاد واستقطاب رأس المال الأجنبي، حيث أكّد خبراء على ضرورة توفير بيئة استثمارية جذابة تعمل على بناء الثقة بين الإدارة والفاعلين الاقتصاديين، وتحسين تدخّل المجموعات المحلّية والهيئات المنتخبة وتبسيط إجراءات مشاركة المؤسّسات في مناقصات الصفقات العمومية وإعادة النظر في القاعدة 51/49.
من جهة أخرى، شدّد متدخّلون على دور الحوكمة أو الحكم الراشد في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وسبل الانتقال من اقتصاد ريعي زبائني إلى اقتصاد صناعي وهيكلي، يُنتج القيمة المضافة والثروة، ويحرّر المبادرة و يخلق التنافسية على أساس الكفاءة.
ألح خبراء خلال اللقاء، على ضرورة بناء مناخ من الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين والسلطة التنفيذية والتشريعية، عبر توفير منظومة قانونية واضحة ومستقرّة، تعمل على وضع تصور وتصميم نموذج اقتصادي متكامل وموحّد.
وفي سياق تحقيق التوازن الجهوي، شدّد مشاركون على لزوم اعتماد السياسة اللامركزية في إدارة الشـأن الاقتصادي والتنموي، والإقرار بفشل التسيير المركزي، الذي شل روح المبادرة الاقليمية، كما دعا جانب من الخبراء إلى وجوب إعادة النظر في الأنشطة غير الرسمية، ومحاولة وضع سياسة لإدماج القطاع المنتج الغير الرسمي عبر إجراءات تحفيزية وتبسيط الإجراءات الضريبية.
أولوية الاقتصاد على السياسة
على هامش الندوة، ثمّن وزيد الاتصال والدبلوماسي السابق، عبد العزيز رحابي مبادرة مركز الأبحاث "حلقة العمل والتفكير المؤسّسة CARE"، مشدّدًا في تصريح لـ"الترا جزائر"، على منح الأولوية في هذه الفترة للجانب السياسي والاقتصادي معًا.
يقول رحابي:" الأزمة شاملة ومتكاملة، نعيش حالة انسداد سياسي، لكن نعيش حياة اقتصادية واجتماعية بالموازاة، وهناك قلق سياسي ومخاوف اقتصادية لها انعكاساتها على الوضع الاجتماعي، وبالتالي علينا إيجاد مخرج متكامل سياسيًا واقتصاديًا، مخرج يعمل على إيجاد مناخ سياسي يحفّز على المبادرة ويشجّع رأس المال الوطني، ويسمح بالاستثمار المنتج للثروة".
يعتقد المتحدّث أن صورة الجزائر تحسّنت دوليًا بعد حراك 22 فيفري/ شباط الماضي، لكن هذا غير كافي حسبه، لذلك يشدّد على ضرورة التوجه إلى بناء مؤسّسات سياسية سيادية شرعية، تعمل على جلب الاستثمارات الخارجية وتنويع اقتصادها على حدّ قوله.
من جهته، أكّد عبد المجيد عطار، مدير سابق لشركة سوناطراك، وخبير في مجال الطاقة، على ضرورة تشجيع مثل هذه المبادرات، هنا، يقول في تصريح إلى "الترا جزائر" إنّ النقاش الإعلامي سيطر عليه الجانب السياسي، متناسيًا المسائل الاقتصادية وانعكاساتها الخطيرة على وضعية البلاد، داعيًا إلى حتمية الذهاب إلى النقاش السياسي والمبادرات السياسية.
يُلفت المتحدّث، إلى ضرورة أولوية الاقتصاد على السياسة في هذه المرحلة الحرجة، قائلًا "إن انعكاسات الاقتصاد السلبي تزيد الحقل السياسي تعقيدًا أكثر، وبالتالي وجب الإسراع في أخد مبادرات اقتصادية وقرارات شجاعة تعمل على المحافظة على التوازنات المالية والنسيج الاقتصادي واليد العاملة".
يوضّح عطار، أنه ولأزيد منذ عشرين سنة، اعتمدت السلطة على قانون مالية يعمل على توزيع أغلفة مالية قصد الإنفاق العمومي دون إستراتيجية تعمل على بناء قاعدة هيكلية أو تنمية مستدامة، مستدركا أن الأمن الطاقوي لا يزال قائمًا وقادرًا على توفير الطلب المحلّي، لكن لابد من المرور إلى اقتصاد متنوّع قائم على الخدمات والمؤسّسات المتوسّطة والصغيرة قصد تحسين الوضعية المالية.
أزمة اقتصادية في ظرف صعب
من جهتها، قالت زبيدة عسول الناشطة السياسية والحقوقية في تصريح لـ "الترا جزائر" إنه بات ضروريًا وجود حلّ سياسي قبل الحلول الاقتصادية، فالاقتصاد تضيف المتحدثة، مرتبط بنوعية الحكم والمؤسّسات القائمة، ولابدّ من توفّر إرادة سياسية في الذهاب إلى اقتصاد جديد متنوّع ومنتج، إرادة سياسية تعمل على بناء جو من الثقة بين الدولة والمواطن الجزائري، قبل المستثمر الاجنبي على حدّ تعبيرها.
تعلّق المتحدّثة "لا يمكن بناء اقتصاد قويّ في ظلّ نظام حكم يرفض الشفافية، ويترفّع عن تقديم الحسابات أمام مجلس نيابي تمثيلي".
أجمع متدخّلون على غياب الشفافية حول الإحصائيات المالية المتعلقة بالميزان التجاري وميزان المدفوعات
تشير عسول، إلى أن مشاركين في اللقاء اعترفوا بعدم وجود شفافية حول الإحصائيات المالية للبلد، تلك المتعلقة بالميزان التجاري وميزان المدفوعات على حدّ سواء، و"لابدّ من الاعتماد على حلول سياسية راديكالية، عبر إجراء انتخابات تعطي شرعية سياسية، شرعية بمقدورها صنع وتهيئة كل الظروف السياسية والقانونية والاقتصادية لانطلاقة سليمة".
اقرأ/ي أيضًا: