18-ديسمبر-2019

السلطة الجزائرية سلّمت المساجد للأئمة السلفيين (فيسبوك/الترا جزائر)

لم يمنع قرار مديرية التجارة القاضي بغلق مكتبة شيخ السلفية علي فركوس، أنصاره وأتباعه من التوافد على مقرّ المكتبة. المقرّ الذي شكّل في السابق القريب منبرًا يُلقي فيه زعيم التيّار السلفي المدخلي دروسه ويجتمع مع تلامذته.

عبد الله جاب الله: النظام هو من سلم المساجد للتيّار المدخلي ليستعملها في الدعاية لطاعة الحاكم

وكانت مديرية التجارة للجزائر العاصمة، نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أصدرت قرارًا بغلق المكتبة، وبحسب زوّارها  فإن سبب التشميع يعود إلى أنّ صاحب السجّل التجاري لا يحوز على فواتير الكتب الدينية المستوردة، واعتبر بعض مرتادي المكتبة، أن القرار هو محاولة للتضييق على الشيخ علي فركوس، بعد الهجمات الإعلامية التي تناولته شخصيًا ومنهجه السلفي، على حدّ تعبيرهم.

اقرأ/ي أيضًا:  وزارة التجارة تُشمّع مكتبة "شيخ السلفية" في الجزائر محمد فركوس

بين الجامعة والجامع

يشغل الشيخ علي فركوس، منصب أستاذ محاضر بجامعة العلوم الإسلامية بالعاصمة، إضافة إلى ذلك، دأب منذ سنوات بعد كلّ صلاة فجر على إلقاء دروسٍ يومية في المسجد، لكنّه وبعد منعه من طرف مديرية الشؤون الدينية من إلقاء الدروس بمسجد الهداية الإسلامية بحي القبة بالعاصمة، اضطر فركوس إلى فتح مكتبةٍ بجوار المسجد، وجعلها منبرًا لإلقاء دروسه ومقابلة أتباع التيّار السلفي، الذين يأتون من ربوع الوطن، كما يشير إليه ترقيم السيارات المركونة بجانب حي منظر الجميل بالعاصمة.

أتباع من خارج الوطن

بجوار مكتبة فركوس، تجاذب "الترا جزائر" الحديث مع "أبو المنذر"، وهو شاب عشريني يحمل جنسية تونسية، كان برفقة بعض الشباب من تونس، حضروا للاستماع إلى درس ومحاضرة الشيخ فركوس، يقول إنّه "يزور الجزائر باستمرار لتلقّي العلم على يد دعاة التيّار السلفي"، مُعربًا عن أسفه من إغلاق المكتبة، إذ يعتقد أنّها تتوفّر على كتب ومراجع هامّة لأعلام الفكر السلفي، على حدّ قوله.

من جهته، أكّد الشاب معاذ في حديث إلى "التر جزائر"، على الطابع الدعوي السلمي في دروس الشيخ علي فركوس، و"عدم تناوله المسائل السياسية الحساسة، إلا وفق الضوابط الشرعية ومصلحة الوطن"، وعن مفهوم  تلك الضوابط الشرعية، لخّصها المتحدّث في "عدم جواز الخروج عن الحاكم، وطاعة أولي الأمر، والسمع والطاعّة، فيما لا يخالف شرع الله"، وأشار معاذ أن التيّار السلفي المدخلي، كان وراء تراجع السلفية الجهادية والتكفيرية، وقد ساهم دعاة التيّار، كما قال في حقن كثير من دماء الجزائريين، عبر تكذيب وكشف شبهات دعاة الهجرة والتكفير، ودعم المصالحة الوطنية.

تسفيه الإسلام السياسي

في مقابل ذلك، يُشير زعيم التيار الإسلامي، عبد الله جاب الله، أن التيّار المدخلي خدم الطرح العلماني، حيث أوغل في التهجّم على المخالفين لهم من أبناء الصحوة الإسلامية، فبدعهم بالباطل، وشوه صورتهم لدى الأمة.

 وأوضح جاب الله أن النظام هو من سلم المساجد للتيّار المدخلي ليستعملها في الدعاية لطاعة الحاكم، ومحاربة التيّار الإسلامي المؤسّس للصحوة المعاصرة. هنا، يُشير عبد الله جاب الله في كتابه "واقع التيار الإسلامي" (جزء 1ص 92)، إلى تضخيم التيّار المدخلي على حساب الفصائل الإسلامية الأخرى، وما ساعد في انتشاره وتوسعه هو منع أبناء الصحوة الإسلامية من اعتلاء منابر المساجد، ليترك الجوّ في هذه المؤسّسات لهذا التيّار أو لمن كان مواليًا للحاكم من التيّارات الأخرى.

تواطؤ وزارة الشؤون الدينية

في السياق نفسه، أكّد رئيس التنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، جلول حجيمي، أنه في الفترة الأخيرة عُرف تغوّل، وتوسع التيار السلفي الوهابي، على مستوى كثير من المساجد، وبحسب المتحدّث، يحصل هذا تحت أعين وتواطؤ الإدارة المركزية، على حدّ قوله.

يتساءل حجيمي: "كيف يُعزل أستاذ جامعي، يمتلك شهادات علمية، وصاحب مرجعية مالكية، ومشبع بالثقافة الوطنية، لصالح شخص ليس لديه تكوين جامعي، ولا تحصيل معرفي، والمعيار الوحيد في التوظيف هو انتماؤه إلى التيّار السلفي الوهابي".

 واعتبر حجيمي في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن انتشار التيار المدخلي خطرٌ على النسيج الاجتماعي، ويهدّد المرجعية الدينية الوطنية، حيث أوضح قائلًا: "إن هذا التيّار، أمسى يُمارس القوّة والعنف قصد الاستيلاء على المنابر والمساجد، دون تدخّل وزارة الشؤون الدينية"، مضيفًا أن سادة الأئمة من المذهب المالكي يتلقّون التهديدات بشكلٍ يومي، والتعنيف اللفظي والجسدي، دون حماية أو تغطية قانونية، على حدّ تعبيره.

تراجع التيار المدخلي في السعودية والجزائر

يشهد الحقل الدعوي في أوساط التيّار المدخلي في الجزائر، انقسامات وصراعات خفيّة وعلانية بين زعمائه، إذ تنحصر دائرة هذه الزعامات في وجود ثلاث شخصيات محورية، تشكّل في مجموعها مرجعية التيّار المدخلي في الجزائر، وتحديدًا بالعاصمة، وهم كل من الشيخ علي محمد فركوس بحي القبة، الشيخ سنيقرة بحي الصومال، الشيخ بوجمعة بحي باب الواد، ونجيب جلواح بحي السمار بالعاصمة.

 وبخصوص ظروف نشأة التيار المدخلي في الجزائر، قال الأستاذ في العلوم الاجتماعية، علي عليوة، في اتصال مع "الترا جزائر"، إن السلفية المدخلية هي صيرورة سياسية للسلفية الجهادية، بعد موجة الإرهاب التي ضربت الجزائر في التسعينات".

 ويعود ميلاد هذا التيّار، بحسب عليوة، عندما وجدت السعودية نفسها في مأزق حقيقي، أملى عليها ضرورة تغيير الخطاب الديني، خاصّة بعد أحداث سقوط الأبراج الأمريكية في 2001، أين بدأ الخطاب السلفي يتغير.

ويضيف عليوة أن النظام الجزائري تفاوض مع التيّار المدخلي تحت الطاولة، مقابل ألا يضيّق النظام الجزائري على أنصار هذا التيّار، فكانت الصفقة، صفقة العمر للنظام لوأد الإرهاب من مصدره، حيث قضى على الإرهاب وصنع مذهبًا سلفيًا مدخليًا لا يهتم لا بالسياسة ولا بغيرها، بل يهتم بالعلوم الشرعية فقط. يعتقد المتحدّث أن هذا التيّار لديه القوّة المادية والمعنوية، وهو الأقوى في مواجهة الإسلام السياسي، خاصّة في ظلّ الأزمة القائمة بين دول الخليج.

علي عليوة: التيّار المدخلي يُشكّل خطرًا محدقًا في الجزائر لأنهم يتحكمون به من الخارج

في هذا السياق، يستطرد المختصّ في العلوم الاجتماعية، أنّ التيّار المدخلي يُشكّل خطرًا محدقًا في الجزائر، كون "هؤلاء الذين يتبعون هذا التيّار، هم كالقنابل الموقوتة التي تنتظر الأوامر لتنفجر، حيث يمكن إيقادهم بفتوى واحدة من ربيع المدخلي، والخوف كلّه بأن التحكّم فيهم لا يكون من الجزائر بل من الخارج".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"أسلمة" التطرف

الجزائريون والتدين.. عودة الاعتدال؟