سجل سعر اليورو في التعاملات الرسمية الجزائرية انخفاضًا لم يشهده منذ سنوات بعد أن تراجعت قيمته بأكثر من 20 دينارًا، لكن هذا التهاوي لم يكن بالشكل نفسه في السوق الموازية التي تظلّ أحد معايير تحديد أسعار صرف الجزائريين للعملات الصعبة.
خبير اقتصادي لـ "الترا جزائر": انخفاض قيمة اليورو في التعاملات الرسمية سينعكس إيجابًا على الاقتصاد ويؤدي إلى انخفاض أسعار السلع التي نستوردها
وبما أن الجزائر متعامل تجاري كبير مع أوروبا سواءً بالاستيراد أو التصدير، لا يُخفي متابعون للشأن الاقتصادي أن يكون لانخفاض العملة الأوروبية انعكاسات على الاقتصاد الجزائري، فما هي هذه الانعكاسات، وما مدى تأثيرها؟.
انخفاض
أظهرت أسعار الصرف للأوراق النقدية وشيكات السفر بالدينار الجزائري نشرها البنك المركزي هذا الأسبوع تواصل تراجع قيمة اليورو في التعاملات الرسمية الجزائرية، والصالحة من يوم الأحد 28 آب/أوت إلى غاية 3 أيلول/سبتمبر، حيث انخفض سعر شراء اليورو الواحد إلى 138.42 دينار، والبيع إلى 146.92 دينار.
وتقل هذه الأرقام على تلك المسجلة الأسبوع الماضي، حينما كان اليورو الواحد يباع في التعاملات الرسمية بـ138.53 ويباع بـ146.99، ما يعني أن انخفاض العملة الأوروبية مقابل الدينار الجزائري متواصل.
وكان الدينار الجزائري قد شهد انخفاضًا قياسيًا مقابل اليور العام الماضي، عندما وصلت قيمة صرف اليورو الواحد في التعاملات الرسمية إلى 160.32 دينار للشراء، و160.39 دينار للبيع، مستفيدًا بذلك من انتعاشه العالمي، ومن التخفيضات المستمرة لقيمة العملة الجزائرية في قوانين المالية بسبب انكماش الاقتصاد جراء تهاوي أسعار النفط والإغلاق العالمي بسبب جائحة كورونا.
وارتفعت قيمة العملة الأوروبية مقابل الدينار بشكل قياسي بداية من 2014 حينما كان سعر اليورو الواحد عند البيع عند 105 دنانير فقط، وذلك بعد أن فضلت حكومة الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى القابع اليوم في السجن التوجه إلى طبع النقود لمواجهة الأزمة المالية التي مرت بها البلاد جراء الفساد الذي عم مختلف مؤسسات الدولة وقتها، بسبب مرض الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، واستغلال زمرة نظامه الفرصة للتحكم في مقاليد السلطة ونهب المال العام دون التفكير في حلول لمواجهة شحّ المداخيل جراء تراجع أسعار النفط، وهو ما تسبب آليا في تراجع مستمر لقيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية.
استفادة؟
تشير إحصائيات إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد أول شريك تجاري للجزائر، بالنظر إلى أن أزيد من 50% من مبادلاتها التجارية تجري سنويًا مع الاتحاد.
وتظهر أرقام الجمارك للسداسي الأول من 2022 هذا التبادل التجاري الكبير بين الطرفين، فعلى سبيل المثال 7.17 بالمائة من واردات الجزائر خلال هذه الفترة تم جلبها من فرنسا التي تحتل المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر، في حين تحتل إيطاليا المرتبة الخامسة بنسبة 5.83 بالمائة، كما أن الزبائن الأربعة الأوائل للصادرات الجزائرية هم من دول الاتحاد الأوروبي متمثلين في إيطاليا بنسبة 21,83 بالمائة، وإسبانيا بـ12,13 بالمائة وفرنسا بـ9,94 بالمائة، وهولندا بـ7,38 بالمائة.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، يرى بروفيسور الاقتصاد بجامعة أم البواقي مراد كواشي أن انخفاض قيمة اليورو ستكون لها آثار إيجابية على الاقتصاد الجزائري، موضحًا في هذا الإطار لـ"الترا جزائر" أن "معظم صادرات الجزائر من المحروقات تفوتر بالدولار، وثلثي وارداتها تأتي من منطقة الاتحاد الأوروبي وتحسب باليورو، ما يعني أن هذا الانخفاض سيؤثر إيجابًا على الاقتصاد الجزائري، لأننا نبيع بالدولار ونشتري باليورو، وسينعكس هذا التأثير الإيجابي على الميزان التجاري الذي سيحقق فائضًا نهاية السنة".
وبين كواشي أن "انخفاض قيمة اليورو في التعاملات الرسمية ستؤدي إلى انخفاض أسعار السلع التي نستوردها، وبالتالي انخفاضها في السوق الوطنية"، مضيفًا أنه "من ناحية الاقتصاد الكلي سيحقق انخفاض اليورو أريحية مالية للدولة الجزائرية".
استقرار
على عكس ما شهدته التعاملات الرسمية، فإن قيمة اليورو في السوق الموازية التي تظلّ تشكل مؤشرًا مهمًا لتداولات العملة الصعبة لم تعرف انخفاضًا مشابها، فقد كان تراجعها طفيفًا، إذ لا يزال اليورو الواحد يباع بـ211 دينار، ويتم شراؤه بـ209 دينار، وفق ما صرح به أحد تجار العملة بالعاصمة لـ"الترا جزائر"، ولا يبتعد هذا الرقم كثيرًا عن الأسعار المسجلة هذا العام والتي كانت في الغالب تحت عتبة 220 دينار لليورو الواحد.
ويرجع الأستاذ مراد كواشي هذا الفارق في مستوى انخفاض سعر اليورو بين البنوك الجزائرية والسوق الموازية إلى ارتفاع الطلب، والمرتبط برحلات العمرة وفترة الاصطياف التي تعرف دخول المهاجرين الجزائريين إلى بلادهم بداية الصيف، وعودتهم هذه الفترة إلى الدول التي يقيمون بها، الأمر الذي جعل الأسعار في حالة استقرار.
ورغم وعود الحكومة المتكررة بالقضاء على السوق الموازية سواءً السلعية أو المالية، إلا أن ذلك لم يتم حتى اليوم، الأمر الذي جعل بورصة العملات الأجنبية في الجزائر مرتبطة على الدوام بمتغيرات السوق الموازية التي يصعب فهمها وتحديدها في غياب مراكز صرف معتمدة للعملة، وذلك بالنظر إلى حجم الأموال المتداولة في هذه السوق السوداء التي قدرها الرئيس تبون في تصريحات سابقة بـ75 مليار دولار.
يظل تأثير انخفاض سعر اليورو في الأسواق العالميًا محدودًا على المواطن الجزائري لانخفاض قيمة الدينار
ورغم التأثيرات الطفيفة التي قد تظهر بسبب انخفاض سعر اليورو في الأسواق العالمية، إلا أن انعكاسه المباشر على الجزائري البسيط سيظلّ محدودًا بالنظر إلى القيمة المنخفضة للعملة الجزائرية، وكذا بسبب الفوضى والمضاربة التي تطبع السوق المحلية.