لم يقف البرلمان الجزائري مكتوف الأيدي أمام الاعتداءات الوحشية والجرائم غير المسبوقة، التي يتعرض لها الفلسطينيون العزل منذ السابع تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي خلّفت ارتقاء أزيد من 14 ألف شهيد فلسطيني، قبل إعلان صفقة التبادل بين الاحتلال والمقاومة في قطاع غزة، في إطار اتفاق الهدنة المؤقتة.
نواب البرلمان جمّدوا لقاءً مع الاتحاد الأوروبي، إلى تاريخ غير معلوم، رفضًا لازدواجية المعايير في التعاطي مع الحرب على غزة
ورغم أن موقف الجزائر معروف ولا يشوبه الشك اتجاه ما يحدث في فلسطين، إلّا أن نواب البرلمان أبوا إلّا أن يتخذوا مواقف عملية وإجراءات ملموسة تُعبِّر عن نصرتهم لغزة في هذه الظروف الحالكة.
وقام ممثلو الشعب بالإعلان خلال الأيام الأخيرة عن جملة من المبادرات تضمنت تأجيل (مع إمكانية التعليق) لقاء تنسيقيٍ مع الاتحاد الأوروبي كان مرتقبًا شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بسبب ما أسموه بـ"سياسية كيل البرلمان الأوروبي بمكيالين اتجاه القضية الفلسطينية" والتعبير من امتعاضهم للتحيّز الواضح للبرلمان الأوروبي اتجاه الكيان الصهيوني.
كما قام البرلمان الجزائري أيضًا بمراسلة سفراء الدول الداعمة لـ"إسرائيل" للتعبير عن استهجانها مما يحدث، ومراسلة تلك المتضامنة مع القضية الفلسطينية للتعبير عن تقديرها وفخرها بالخطوات المتخذة من طرف سلطات هذه الدول، "الترا جزائر" يرصد تفاصيل التحركات التي قام بها البرلمان الجزائري لدعم فلسطين.
تعليق اتفاقيات ومذكرات احتجاج
أعلنت المجموعات البرلمانية الستة الممثلة بالمجلس الشعبي الوطني بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، عن مبادرة تشريعية في إطار ما يعرف بالدبلوماسية البرلمانية لدعم القضية الفلسطينية وتأكيدًا، في نفس الوقت، لموقف الجزائر والشعب الجزائر من العدوان المستمر على قطاع غزة.
وسارعت هذه الكتل إلى توجيه مذكّرات احتجاجية لسفراء الدول في الجزائر المؤثرين في هذا الملف، وسبق هذه الخطوة إلغاء الاجتماع الذي كان مزمعًا انعقاده منتصف هذا الشهر بين اللجنة البرلمانية المشتركة والاتحاد الأوروبي، احتجاجًا على تصنيف الهيئة الأوروبية حركة "حماس" منظمة إرهابية.
وهنا يؤكد أحمد صادوق، رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أنّ "قرار توجيه مذكرات احتجاجية لسفراء بعض الدول في الجزائر يأتي في إطار التحركات البرلمانية الداعمة للملف الفلسطيني، خاصة مع استمرار الجرائم المرتكبة من قبل هذا الكيان على الشعب الأعزل ."
ويسعى النواب، يقول المتحدث، إلى "تأكيد الرؤية الجزائرية من هذا الملف، خاصة ما تعلق برفض تجريم المقاومة الفلسطينية وتصنيفها على أنها منظمة إرهابية."
وفي الصدد، يفصّل صادوق في إفادة لـ "الترا جزائر" في مضمون هذه المذكرات الاحتجاجية التى ستُوجّه لعشر سفراء دول بالجزائر، في انتظار استكمال تعميمها على البقية، منها ممثلي الاتحاد الأوروبي وكذا الأمم المتحدة، لافتًا إلى أنّها "تختلف في مضمونها حسب موقف هذه الدولة، فعلى سبيل المثال، تضمّنت المذكرة الموجهة للولايات المتحدة الأميركية التي تعدُّ من الدول المنحازة للكيان الصهيوني على رفض تصنيف حماس والفصائل الفلسطينية على أنها حركات إرهابية، إضافة إلى تحميل الإدارة الأميركية مسؤولية استمرار إطلاق النار في قطاع غزة."
أما بالنسبة للصين وروسيا فقد أكدت المذكرة الموجهة للدولتين ضرورة التحرك واستعمال نفوذهما للضغط على المجتمع الدولي لوقف سلسلة المجازر المرتبكة في حق الشعب الفلسطيني.
ويضاف لهذه المذكرات التي وُجّهت إلى كل من فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا مراسلات شُكر إلى سفراء الدول التي اتخذت مواقف مشرّفة من الوضع في فلسطين على غرار الشيلي وكولومبيا والبرازيل.
تجميد لقاء الاتحاد الأوروبي
وبخصوص تجميد اللقاء مع الاتحاد الأوروبي، يرى النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني ورئيس اللجنة المشتركة البرلمانية-الاتحاد الأوروبي، سيد أحمد تمامري، أنّ الدبلوماسية البرلمانية يجب أن تلعب دورها الأساسي اليوم، وأن تكون داعمة للموقف الجزائري من الأحداث التي يعرفها العالم ككل وعلى رأسها الوضع في فلسطين، الذي يزداد سوءًا في ظلّ استمرار جرائم الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني الأعزل أمام الصمت الدولي.
وأوّل خطوة في إطار دعم مواقف الدبلوماسية الجزائرية، تقرّر تجميد اللقاء المزمع منتصف هذا الشهر، يقول تمامري، مع الاتحاد الأوروبي في إطار الشراكة البرلمانية، تنديدًا بموقف هذه الهيئة من الأحداث التي تعيشها فلسطين واستمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
كما انتقد تمامري ازدواجية المعايير، التي تتبانها هذه الهيئة الأوروبية في التعاطي مع هذا الملف على وجه الخصوص، إضافة إلى إصدارها لائحة في 19 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم تصنّف حركة المقاومة "حماس" على أنها منظمة إرهابية، وهذا "أمر غير مقبول"، وفقه.
وهنا أكّد البرلماني تمامري أنّ "الجزائر ترفض ازدواجية المعايير في التعاطي مع هذا الملف لذلك قرّرنا تجميد اللقاء إلى أجل غير معلوم".
لائحة إدانة
من جانبه، يرى المحلل السياسي والدكتور الجامعي أبو الفضل بهلولي ضرورة أن يُصدر البرلمان الجزائري لائحة برلمانية موجهة إلى برلمانات العالم خاصة العربية والإسلامية منها تدعوها لقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وقال أبو الفضل بهلولي لـ"الترا جزائر" إن الدبلوماسية البرلمانية لها إطار قانوني ومجالات نشاط، حيث أن الدستور الجزائري يحدّد مهام البرلمان، وعليه كان يفترض يقول -المتحدث- أن يحرك البرلمان الآليات الدولية المتمثلة في الاتفاقيات الدولية ذات الإطار العام أو الخاص مع الدول المؤثرة في الملف، من خلال إصدار لائحة برلمانية من البرلمان الجزائري تُدين بشدّة تعويم المصطلحات غير المقبولة، على غرار تصنيف المقاومة كمنظمة إرهابية واعتماد مصطلحات مثل قتلى بدل شهداء ووصف ما يحدث على أنه نِزاع بين طرفين وليس عدوان صهيوني على غزة.
كما يمكن توجيه هذه اللائحة إلى المؤتمرات البرلمانية والإقليمية والدولية والمجالس العربية والإسلامية وبرلمانات الاتحاد الأفريقي والجمعية البرلمانية الأوروبية ولجان الصداقة، بحسب بهلولي.
وأضاف محدثنا أن الدبلوماسية الرسمية لها إطارها الخارجي، حيث عبّرت الخارجية الجزائرية عن موقفها الرسمي من خلال بيانات رسمية توجه إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، وعليه كان يفترض أن يتجه البرلمان للعمل أكثر على مستوى مجموعات الصداقة البرلمانية.
كما يمكن للهيئة التشريعية أن تدعو الدول العربية لقطع علاقاتها البرلمانية مع الكيان الصهيوني قائلاً: "لا ننسى أن السفارات لها آليات رصد وهي على علم بتطابق الموقف الرسمي والشعبي في القضية الفلسطينية".