يتطرق الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الفلسطيني، صالح عوض، في هذا الحوار مع "الترا جزائر" إلى تطورات المشهد في غزّة والجرائم البشعة التي يقترفها بصورة يومية الاحتلال الصهيوني، ويتحدّث عن معركة "طوفان الأقصى" وأسرار نجاحها.
صالح عوض لـ"الترا جزائر": الفعل النوعي للمقاومة مردوده عظيم على الشعب الفلسطيني الذي سيكسب بلا شك الرأي العام الشعبي العالمي
كما يعود صالح عوض المُقيم في المهجر عبر سطور هذا اللقاء إلى حالة التفاعل في أوروبا حاليًا مع فلسطين، ويُقدّم بعض التفاصيل عن استشهاد أفراد من عائلته مع بداية العدوان.
يرى الكاتب الفلسطيني صالح عوض بخصوص المشهد في غزّة أنّ "العدوان على غزّة في شقّه الإنساني كارثي، لأنه يستهدف الأطفال والنساء والبيوت والحياة بعد حصار استمر 16 عامًا، يُمنع عن الناس الحركة والتنقل، وكل الحقوق التي تكفلها الشرائع الدولية والقوانين والمواثيق."
ويقول عوض: "الحصار حرم شعبًا من كل أشكال الحياة الكريمة، منذ زمن طويل ولكن على الأخص منذ 16 عامًا، وفي هذا يكون هذا العدوان تتويج للظلم والقهر وارتكاب المأساة بكل أركانها."
ويستطرد قائلا: "كفلسطيني أرى أنّ أهلي وشعبي يتعرّضون لهذه الكارثة، فأتمزّق وأتقطع على كل دروبهم وفي كل أماكن القصف، لأجد نفسي أصرخ كلّما سقط صاروخ وأهتف كلّما أُخرج طفل أو امرأة من تحت الأنقاض."
وعلى الصعيد السياسي يعتبر صالح عوض أنّ" أميركا تريد التأكيد على وجودها في المنطقة، بعد أن تكبدت خسائر فادحة في العالم. هروبها من العراق وأفغانستان وحصارها في أوكرانيا وانشقاقات اجتماعية خطيرة تعيشها."
ووفق المتحدث "الولايات المتحدة الأميركية تُريد أن تكفل موضوع النفط العربي والغاز العربي وخضوع النظام العربي لها باستمرار فهالها أن تكون "إسرائيل" في معنوية خائبة ومتدهورة بعد هجوم الـ 7 تشرين الأول/أكتوبر"، مشيرًا في السياق ذاته إلى أنّ "حضورها ببارجتها وأمنها وسياستها وأساطيلها وجنودها ضروري لهيمنتها الاستعمارية، لكن كل هذا سيكون مآله الفشل لأنّ صمود الشعب الفلسطيني سيكسر الهجمة."
لماذا وكيف انتصر "طوفان الأقصى"؟
وفي ردّه حول معركة "طوفان الأقصى"، وسرّ انتصار المقاومة الفلسطينية في الميدان وإعلاميًا ونفسيًا أيضًا أبرز أنّ سرّ ذلك يكمن في أنّ المقاومة بِنْتُ الشعب، وأنّ المقاومة صاحبة الأرض، قضيتها حق، بحيث تتجمع كل عناصر الإيمان لديها، ولا يمكن إلاّ أن تكون قوية."، لافتًا في معرض حديثه إلى أنّ "كل الأحرار الثوّار في العالم، كانوا هكذا، سواء الثوّار في الجزائر أو الثوّار في العراق،.. أو في كل مكان من العالم، كانوا هم الأقوى والمنتصرون ميدانيًا."
ويضيف: "ولأنّهم الأنبل وأصحاب قضية عادلة فإنّ دمهم هو الذي سيمزّق الحجب، وسيفرض نفسه على الرأي العام العالمي ويحطّم الرواية الصهيونية الخائبة، الفاشلة، وبالتأكيد -على حدّ تعبيره- هذا الفعل النوعي للمقاومة له مردود عظيم لدى الشعب الفلسطيني، الذي يتابع رغم الألم والوجع كيف ينصب المقاومون الكمائن للدبابات والمدرعات والجنود، وكيف ينتصرون عليها من مسافة صفر، لذا تهون في سبيل ذلك كل التضحيات."
"طوفان الأقصى".. جولة كبيرة لمراحل قادمة
وحول تصورّه للوضع في غزّة والمنطقة عمومًا خلال لأيام القادمة، يعتقد الكاتب صالح عوض في لقائه مع "الترا جزائر" أنّ هذه المرحلة هي جولة كبيرة، وجولة تأسيسية، لمراحل قادمة، سينال فيها الشعب الفلسطيني حقوقه، واحدًا واحدًا، حتى تحرير كل فلسطين."
ويوضح أنّه "لا يمكن التخيل أنّ هذه المعركة ستحسم الصراع نهائيًا، لكن حسمت خطوة كبيرة جدًا، بانهيار معنوي وسياسي كبيرين أظهرا الكيان الصهيوني على حقيقته السياسية والفكرية والروحية بأنّه هشٌّ ولا قيمة له، وأنّه فقط قاعدة للأميركان والاستعمار الحديث وسيزول حتما لأنّه استعمار دخيل على المنطقة."
ويرجح الكاتب الصحفي أنّ "القراءة المستقبلية للوضع تتجه، حسب فهمه، لحركة التاريخ وتحليله لهذا الصراع وإدراكه أنّ الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه أبدًا، وأنّ الصهاينة مزدوجي الجنسية سيعودون إلى أوطانهم فُرادى أو جماعات."
كيف تضامنت شعوب الغرب مع فلسطين؟
وعلى ضوء وجوده في المهجر، أبرز المحلل صالح عوض حقيقة التضامن مع فلسطين في الخارج قائلًا: "التضامن الشعبي الغربي في أوروبا منقطع النظير، كل المدن الأوروبية، تشهد تحشدات كبيرة وغير مسبوقة نصرة لفلسطين وإدانة للكيان الصهيوني."
وفي أي مسيرة في أي مدينة أو في أيّ محفل مساند للكيان الصهيوني، إلاّ وتجد تأييدًا ودعمًا ونصرة لفلسطين، والأمر لا يقتصر –بحسب المتحدث- على عامة الناس بل يمتد إلى سياسيين ونواب برلمان وكتّاب ومفكّرين وفنانين، لذلك فلسطين تكسب بلا شك الرأي العام الشعبي العالمي.. والرواية الفلسطينية هي التي تتصدر المشهد اليوم، وهي في تطور مستمر، وفي تعمّق بوجدان الإنسان، حيث غدت هذه القضية، قضية الإنسان والضمير الإنساني. وفق المتحدث.
هكذا استشهد ابن أخي في بداية العدوان
وعبر سطور هذا الحوار مع "الترا جزائر"، يعود صالح عوض وهو في غربته، إلى لحظات ألم وحزن صعبة عاشها شخصيًا ويعيشها مع وداع كل شهيد من فلسطين، بحيث يحكي عن استشهاد أحد أفراد عائلته كان مقرّبًا إليه كثيرًا.
ويقول بحزن: "استشهد عدد من أفراد عائلتي، أحدهم كان ابن أخي (شقيق) استشهد في اليوم الأوّل من العدوان على غزّة، وهو بمثابة ابني الحبيب، آلمني ذلك وأوجعني وأحزنني،.. وأنا أتابع كذلك استشهاد أفراد أصدقاء وأقارب وجيران، إنني بنفس الشعور أشعر نحو كل شهيد في فلسطين، وكل جريح وكل طفل وكل أب وكل شيخ وكل عجوز وكل امرأة، ..إنّه الجرح المفتوح على كل الوطن والقلب المفتوح على كل الوطن.. الجرح العام أكبر من الجرح الخاص، ونسأل الله تعالى أن يجزينا عن صبرنا نصرا مؤزرا إن شاء الله."
كما لم يُخفِ عوض أنّ "التواصل مع الأهل في غزّة يكاد مستحيلًا بعد إقدام الكيان الصهيوني على قطع الإنترنيت"، وبحسرة يتحدث: "منذ بدء العدوان أصبح تدفق الأنترنت ضعيفًا ولا يكفي لتبيان الحال، لكن على الأقلّ عندما نسمع الأصوات نطمئّن، وعندما يكون القطع النهائي، يكون خوفنا أكبر، لأننا ندرك أنّ وراءه سيرتكب الصهاينة مجازر ومجازر."
ويستمر عوض في سرد معاناته بمرارة: "للأسف برغم بعض التواصل إلاّ أنّ الكثيرين لا يمكننا التواصل معهم في غزة، هم بالعشرات من الأصدقاء والأقرباء على مستوى قطاع غزّة، بل بالمئات، أصدقاء الطفولة والشباب، أحاول أن أتصل بهم كلّما سمعت أنّ عائلة فلان أبيد منها عشرون أو ثلاثون فردًا، بعض العائلات أبدي منها سبعون شخصًا، وبعضها أربعون، يهتزّ القلب، أبحث عن وسيلة اتصال لأعرف الحال."
ويختم بحديثه: "ولكن لابأس هذه ضريبة الحرّية، وهذا ثمن فلسطين ندفعه المرّة تلو المرّة، لنحقق التملك الإلهي لفلسطين الكريمة المباركة، ونتمنى أن لا يطول غياب الأمّة عن هذا المشهد العظيم، ولادة فلسطين من تحت الأنقاض، ولادة النصر رغم الهزيمة."
وصالح عوض، كاتب فلسطيني ومحلل سياسي، من مواليد 1963، بغزّة، يقيم حاليًا ببلجيكا، مدير سابق لـمركز البشير للدراسات الحضارية بغزة، كتب في عدّة صحف عربية أبرزها الشروق الجزائرية، الحياة الفلسطينية، القدس العربي، الأخبار اليمنية..إلخ، وفي رصيده عدد من المؤلفات من بينها: "الانتفاضة الفلسطينية"، "الثورة الجزائرية"، "النظام السياسي في الفكر العربي الإسلامي"، "الأمّة والتحدّي الأمريكي".. وغيرها.