15-يناير-2023
تيغنتورين

قاعدة الحياة تيغنتورين (تصوي: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

يتدفق الغاز بأقصى طاقته من منشأة الغاز بتيقنتورين جنوب شرق الجزائر، لتغطية الطلب الداخلي على الطاقة والوفاء بالعقود المبرمة مع الشركاء الأجانب، تحت حراسة مشددة لعدد من قوات الجيش، وشبه عسكريين من حرس الحدود، وحراس مدنيين ينتمون لشركات أمنية خاصّة.

عز الدين نميري: الهجوم الإرهابي على قاعدة تيقنتورين كبّد اقتصاد البلاد خسائر مكلفة حيث تراجع إنتاج الغاز  بنسبة 4 % مباشرة بعد تعطل المنشأة

دفعت القيادة العسكرية في الأعوام الاخيرة بقوات جيّدة التسليح إلى تخوم الحدود المشتركة مع ليبيا والنيجر ومالي، وقامت ببناء حواجز وخنادق عميقة، لحماية المنشآت النفطية والطاقوية التي توفر للبلاد مداخيل مكنتها من احتواء مؤقّت لتبعات الركود الاقتصادي العالمي وآثار الأزمة الصحية التي عصفت بالعالم قبل عامين.

وإلى جانب نشر قوات على الشريط الحدودي، عزّزت السلطات الحماية العسكرية للمنشات النفطية والغاز والعاملين فيها، وخصوصًا مواقع إقامة الأجانب الذين كانوا هدفًا للهجوم الذي قادته كتيبة "الموقعين بالدم" المشكلة من عناصر محلية وأجنبية بقيادة مختار بلختار، أو "مختار الأعور" الذي تمت تصفيته في ضربة جوية أميركية في الذكرى الثانية للهجوم أي كانون الثاني/يناير 2015.

وتضم المعدات المسخرّة للحماية، أنظمة متطورة مضادة للطائرات بدون طيار ورادارات، ولكن الهجوم على منشأة الغاز بتنقتورين يوم 16 كانون الثاني/جانفي 2013، وأدى إلى مقتل 37 أجنبيًا وحارس أمن جزائري، و29 من منفذي الهجوم، شكّل لحظة تحول في الاستراتيجية الجزائر لمكافحة التهديدات الأمنية على تخومها الجنوبية.

في هذا السياق، أوضح الباحث الجزائري محفوظ كاهي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة جنوب شرق الجزائر، في تعليق على سؤال لـ "الترا جزائر"، في الذكرى العاشرة لهذا الهجوم، "يمكن اعتبار الهجوم الإرهابي على المنشأة النفطية تيقنتورين بيرل هاربر جزائرية".

ويشير الأكاديمي هنا، إلى الأثر الذي سببه الهجوم من مراجعات وتغيير للعقيدة العسكرية الجزائرية، مثلما فعل هجوم اليابانيين على ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي بالمحيط الهادي في السابع من شهر كانون الأول/ديسمبر 1941، وأدى إلى انخراط الولايات المتحدة في الحرب والتخلي عن سياستها الانعزالية.

وأفاد كاهي، أن الهجوم الذي تسبب في تعطيل إنتاج المنشاة الغازية لسنوات وأدى إلى مغادرة كثير من الخبراء والشركات الأجنبية "كان بمثابة الصدمة الكهرو-أمنية، ساهمت في تغيير زاوية العقيدة الأمنية من الدفاع إلى الاندفاع".

من جهته، أشار الباحث عزالدين نميري الباحث بمخبر الدراسات القانونية بجامعة قالمة بشرق الجزائر، في دراسة صدرت له في مجلة البحث القانونية والسياسي (عدد1 -2022)، أن حادثة تيقنتورين "شكلت دافعًا لإعادة مراجعة العقيدة الأمنية الوطنية وتبني آليات محورها التدخل والمعالجة الاستباقية للقضايا الأمنية في المنطقة وخارج حدود الدولة.

ويستطرد نميري، أن التعديل الدستوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 كان مؤشّرًا على لذلك، حيث يتيح التعديل في مادته 91 للرئيس الجزائري، إصدار أوامر للقيام بعمليات خارج الحدود شرط موافقة البرلمان بغرفتيه.

ومكنت المراجعات الأمنية من تحييد العديد من العناصر في الداخل الجزائري، لكن لم يبلغ رسميًا عن عمليات خارج البلاد، فيما أشاعت مصادر إعلامية جزائرية قيادة عمليات سرية في ليبيا في جوان 2014 و2018.

إعادة هيلكة

زاد الإنفاق العسكري الجزائري في الأعوام الاخيرة بشكل يتناسب مع متطلبات تجديد ترسانتها العسكرية، والمضي في خطة لعصرنة واحترافية الجيش ومجابهة التهديدات في منطقة الساحل وخصوصًا بعد تنامي نشاط جماعات إرهابية منها جزائرية طردت خارج الحدود، وانهيار أنظمة في دول الجوار، وتعزيز سياسة الردع مع الخصوم التقليديين.

وفي تقريره السنوي لعام 2022، قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، إن الإنفاق العسكري الجزائري انخفض بشدة مقارنة مع الأعوام الماضية، ولكنه استقر في 6.1 بالمائة، حيث أنفقت الجزائر ما مجموعه 9.1 مليار دولار، في المجال العسكري (عاود الارتفاع العام الجاري مع تخصيص ميزانية قدرها 23 مليار دولار لقطاع الدفاع). .

وبالموازاة مع زيادة موازنة الإنفاق العسكري ادخلت السلطات تعديلات هيكلية على المصالح الأمنية على إثر ما وصفه الخبراء في ذلك الحين بـ "الإخفاقات والأخطاء في تقدير الموقف"، قبل الهجوم (غياب الاستباق)، فتم حل دائرة الاستعلام والأمن وإنشاء مديرية المصالح الأمنية، وإقالة العديد من كبار القادة في تلك الفترة لم يعد الاعتبار لعدد منهم إلا مؤخرًا في عملية إعادة ترتيب بيت السلطة.

كرة الثلج

وترك الهجوم العنيف آثاره العميقة على صناعة النفط بسحب عديد، الشركات الأجنبية لموظفيها وتفجّرت خلافات بين سوناطراك و"بي بي" البريطانية الشريكان في المشروع، مع شتات "أويل" النرويجية، وانتهى بخروج "بي بي" من الجزائر في 2021 متنازلة عن حصصها في المشاريع الغازية ومنها في عين أمناس لصالح شركة "إيني" الإيطالية.

 وبدا واضحًا أن الشركة متعددة الجنسيات المتهمة في تقارير داخلية جزائرية بعدم الأخذ بعدم الاعتبار بالتحفظات الأمنية الجزائرية في انتداب العمال، أرادت الخروج من الجزائر بأسرع وقت رغم تمسك السلطات الجزائرية ببقائها، خشية هروب شركات أخرى تملك رصيدًا وخبرة تقنية.

وأوضح الباحث عزالدين نميري في دراسته، أن الهجوم الإرهابي كبّد اقتصاد البلاد خسائر مكلفة إذ تراجع إنتاج الغاز بالبلاد بنسبة 4 % مباشرة بعد تعطل المنشأة، مما انعكس ذلك على الصادرات وقد كابدت الحكومة الجزائرية جهودًا لأجل إعادة تشغيل المركب الذي لم يستأنف نشاطه بكامل طاقته إلا في سنة 2016.

أعلن الرئيس عن رفع حجم الصادرات الجزائرية من الغاز إلى 100 مليار مكعب في سنة  2023

وبعد عشرة أعوام من الهجوم تشهد صناعة النفط والغاز الجزائرية انتعاشًا لافتًا، مدفوعة بمناخ الثقة وتزايد الطلب في الأسواق التقليدية.وفي آخر حوار له أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد عن طموح سوناطراك لرفع حجم الصادرات الجزائرية من الغاز إلى 100 مليار مكعب في 2023.