28-مارس-2023
أحمد حماني

الشيخ أحمد حماني (فيسبوك/الترا جزائر)

وسط انتشار واسع لعدد من الدعاة والعلماء على بلاتوهات التلفزيون والمنصّات الرقمية، ما يزال طيف كبير من الجزائريين يشتاقون إلى بعض الوجوه الدينية التي عمّرت لسنوات طويلة على شاشة التلفزيون العمومية، حيث أن ظهورهم بات مرتبطًا بنوستالجيا دافئة تذكّرهم بفترة كانت فيها الفتاوى سابقًا، تُقرأ في البلاطوهات بكلام هادئ ولهجة جزائرية محلية.

حاول أحمد حماني رفقة جمع من المناضلين التحالف مع القوّات الألمانية من أجل طرد الاستعمار الفرنسي، لكن هذا التواصل لم يعمر طويلًا، بعدما تأكد المناضلون الوطنيون أن النازية الألمانية لا تختلف عقائديًا عن الاحتلال الفرنسي 

خلال كل شهر رمضان، وقبيل آذان المغرب كانت العائلات الجزائرية تُتابع فتاوى وحلقات عدد من العلماء، على غرار الشيخ محمد الأكحل شرفاء، وعبد الرحمان شيبان، والأستاذ مولود قاسم، ومحمد صالح بن عتيق والشيخ السعيد صالحي وحمزة أبو كوشة وعباس بن الشيخ الحسين، ومن بين الشيوخ والعلماء الذين صنعوا التمييز في ذلك "العصر الذهبي" هو الشيخ العلامة أحمد حماني.

من معركة التحرير إلى معركة التحصين

كان الرعيل الأول من العلماء والمشايخ قد صنعوا اللبنة الأولى للعمل الديني والإسلامي بعد الاستقلال سنة 1962، رفقة الشيخ سعدي التبسي والشيخ الجيلالي الفارسي والشيخ نعيم النعيمي، ممن تلقوا تعليمًا دينيًا على يد عبد الحميد ابن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي في معهد بمدينة قسنطينة.

الشيخ أحمد حماني

 خلال معركة الثورة التحريرية اختار نفرٌ من أبناء الجزائر معركة التعليم استعدادًا لما بعد التحرير، فاختار الكثير منهم مواصلة الدراسة بجامعة الزيتونة بتونس، ومعاهد في القاهرة ومدراس في العراق والسعودية.

ميزة هذا الجيل من العلماء أنه عايش مرارة فترة الاستعمار الفرنسي، وساهم بعد الاستقلال بقوة في معركة تحصين واسترجاع مقوّمات الهوية الوطنية المفككة، وعمل على استعادة مكانة للغة العربية وتدريسها وتلقينها، ومحاربة الأمية والجهل.

وفي هذا السياق، تأسست جامعة أصول الدين بالجزائر العاصمة، وجامعة الفقه بقسنطينة، وجامعة اللغة العربية بوهران، وفي سنة 1966 تَأسس المجلس الإسلامي الأعلى، وكان من بين أعضائه00 المؤسسين الشيخ أحمد حماني.

ما هو الشيخ أحمد حماني؟

ولد الشيخ أحمد حماني في الـ 6 سبتمبر/ أيلول سنة 1915 بدوار بني عيشة ببلدية العنصر، دائرة الميلية ولاية جيجل، تلقى تعلميه الديني واللغة العربية في مسقط رأسه، في سن الخامسة عشر انتقل إلى مدينة قسنطينة والتحق بمعهد عبد الحميد ابن باديس ما بين سنتي 1931-1934.

واصل تعلميه العالي بجامعة الزيتونة بتونس، وتحصل على الأهلية سنة 1936 ثم شهادة التحصيل سنة 1940 وعلى الشهادة العليا سنة 1943، وانضمإلى الحركة الإصلاحية والمتمثلة في جمعية العلماء المسلمين وشارك وساهم في إثراء صحيفتي الجمعية "الشهاب و"البصائر" وعين أمينًا عامًا لجمعية الطلبة الجزائريين بتونس.

الوعي الوطني

 نشأ الشيخ حماني في بيئة دينية محافظة، تناقلت عبر الأجيال فظائع الاستعمار الفرنسي التي ألمت بالساكنة والمنطقة، التي شهدت إبادة وحرق أكثر من 100 قرية على يد الجنرال سانت أرنوا، استلهم أحمد حماني من السابقين بوادر وبذور المقاومة والكفاح.

خلال الحرب العالمية الثانية، ومن منطلق مقولة "عدوّ عدوي صديقي" حاول أحمد حماني رفقة جمع من المناضلين التحالف مع القوّات الألمانية من أجل طرد الاستعمار الفرنسي، لكن هذا التواصل لم يعمر طويلًا، بعدما تأكد المناضلون الوطنيون أن الألمانية النازية لا تختلف عقائديًا عن الاحتلال الفرنسي في بعدها العنصري والاستيطاني.

في آذار/مارس 1945 ألقي على حماني القبض رفقة بعض الطلبة ووجهت لهم تهمتي الفرار من الخدمة العسكرية والتعاون مع العدو زمن الحرب، لكن بفضل تجنيد جمعية العلماء لمحامين بارعين تم إدانتهم بأحكام مخففة.

انضمّ أحمد حماني إلى ثورة تحريرية وألقي عليه القبض سنة 1957 بالعاصمة، ونقل إلى سجن بتازولت "لامبيز"، وعمل في السجن على تنظيم حلقات الذكر وحفظ القرآن وتعليم اللغة العربية وفي سبيل ذلك تعرض أحمد حماني إلى محاولة اغتيال داخل السجن.

مرحلة البناء

مباشرة بعد الاستقلال، شغل أحمد حماني في حقل التعليم، فعين مفتشًا عامًا للتربية والتعليم شرق الجزائر، لكنه فضل التعليم المباشر على الوظيفة، فشغل أستاذً جامعيًا بجامعة الجزائر مدرسًا لمادة الأدب العربي من 1962 إلى غاية سنة 1972، حيث استدعي لترأس المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1972.
 

الشيخ أحمد حماني

المجلس الإسلامي الأعلى

كان الرئيس الراحل هوراي بومدين، وراء فكرة تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى، وكانت الغاية من هذا التأسيس، تنظيم حقل الإفتاء والشؤون الدينية بعدما أدرك القائمون على إدارة الدولة الفتية أن المسائل الفقهية والدينية باتت أكثر بحثًا وإلحاحاً من المواطنين، وعلى ضوء ذلك تقرر تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1966.

كان الرئيس الأول للمجلس هو الأستاذ الصديق سعدي التبسي، وكان أحمد حماني من بين الأعضاء الذي وقع عليهم الاختيار رغم أنه كان ينتسب إلى وزارة التعليم العالي ويشتغل في جامعة الجزائر-كلية الآداب.

رئاسة المجلس

ولما أسندت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى الأستاذ مولود قاسم، استدعى الوزير أحمد حماني وعَرض عليه رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، فَقَبِل حماني المنصب شريطة البقاء في حقل التدريس الجامعي، وعرف المجلس خلال ولايته (1972-1989) نشاطًا دينيًا حافلًا بالملتقيات والندوات وإصدار الفتاوى والإجابة على أسئلة عامة الناس وخواصها، وكانت ترد الأسئلة من داخل وخارج الوطن، فقد كانت ترد الأسئلة حتى من المملكة العربية السعودية، التي استعصى على علمائها آنذاك إيجاد حلّ لمسألة زرع الأعضاء.

فتاوى الشيخ أحمد حماني

لقد تميز الشيخ أحمد حماني عن غيره من العلماء، بميولاته الأدبية وموسوعية ثقافته الفكرية واطلاعه على العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما حرص على تأصيل الفقه المالكي والافتاء وفق المدرسة المالكية دون تعصب مذهبي، وانتهج الشيخ حماني أسلوب الدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يفصل بين الوظيفة الرسمية والفتوى الدينية وكان دائمًا شعاره مقولة الوزير المرحوم مولود قاسم "أننا لا نريد فتوى إدارية، وإنما فتوى شرعية".

لقد تميز الشيخ أحمد حماني عن غيره من العلماء، بميولاته الأدبية وموسوعية ثقافته الفكرية واطلاعه على مختلف أجناس العلوم الإنسانية والاجتماعية

لقد تميز الشيخ حماني بتواضعه، نكهة كلامه تمزجها بحّة آتية من مسقط رأسه بولاية جيجل، الأمر الذي ترك بصمة قوية في قدرته على التواصل مع الفئات العامة من المجتمع الجزائري، حتى وإن كانت تُطرح عليه أسئلة غريبة أحيانًا، فقد امتاز ردّه بروح الدعابة وخفة الدم مقرونة بالحجّة والدليل.