يتجنب الجزائريون الحديث عن الحب بين الفتى والفتاة، ضمن دوافع الزواج بينهما، ويركّزون على إنجاب الولد الذي يرث اسم العائلة وثروتها، لذلك فإن العروس التي يتأخر حملها تصير عرضة للطلاق أو الضرة أو تسميم يومياتها بالحديث عن "بطنها الناشف"، إن لم يكن من طرف الزوج، فمن طرف أمه وأبيه.
تحظى مناسبة صيام الطفل الجزائري للمرة الأولى بمكانة خاصة تسمح له بأن يتباهى بنفسه ويُتَباهى به
ويشكل قدوم طفل ذكر إلى العائلة، حدثًا سعيدًا ومميزًا، تزيد معه حظوة أمه داخل البيت وحظوة أبيه خارجه، ويحظى بجملة من الأعراس التي تعبّر عن الفرح به، وتسعى إلى جلب البركة له وإبعاد العين عنه. منها مرور الأسبوع الأول من ولادته، ثم يوم حلاقته الأولى فيوم ختانه، فيوم التحاقه بالكتّاب أو المدرسة.
من بين هذه المناسبات السعيدة في حياة الطفل الجزائري، تحظى مناسبة صيامه للمرة الأولى بمكانة خاصة، تسمح له بأن يتباهى بنفسه ويُتَباهى به، لأن الجميع يرى فيها عتبة لنضجه وبلوغه سن التكليف، وخروجه من دائرة "الذرّي أو البز أو الغريان أو القندوز أو الشير أو أمشطوح"، وكلها تسميات تطلق على الطفل الصغير في القواميس الشعبية، إلى دائرة الفتى الذي يصير بإمكانه أن يرافق أباه أو جده إلى السوق، ونساء العائلة في خرجاتهن بصفته محرمًا، ويأكل مع الكبار في الولائم والأعراس.
يشمل الاحتفاء بالصيام الأول الذكرَ والأنثى في مناطقَ معينة، خاصة الأمازيغية منها، ويقتصر على الذكر في مناطق أخرى، ويمتد هذا التباين في التعامل مع الجنسين، إلى تباين طقوس الاحتفاء والتعابير الفنية المرافقة له، من منطقة إلى أخرى، لكنها تلتقي في عنصر تقديس الجزائريين لشهر رمضان، وتبجيل من يصومه.
يبدأ تعويد الصغير على الصوم تدريجيًا، بدعوته للصيام إلى غاية الظهر، ثم إلى العصر، ثم يُسمح له بإكمال اليوم في مرحلة ثالثة، مع تشجيعه على ذلك بجملة من الأعراف التي تدخل في صميم التراث اللامادي، بعضها بقي ساري الممارسة، خاصة في المناطق الريفية والصحراوية، وبعضها شرع في الخروج من دائرة الاهتمام به والحفاظ عليه.
يبدأ تعويد الصغير على الصوم تدريجيًا، بدعوته للصيام إلى غاية الظهر، ثم إلى العصر، ثم يُسمح له بإكمال اليوم في مرحلة ثالثة، مع تشجيعه على ذلك
في منطقة أدرار، 1700 كيلومتر جنوبًا، يأخذ القصر كله علمًا بإقدام الطفل الفلاني على الصيام، والقصر هنا هو تجمع سكاني عادة ما يتشكل من قبيلة أو اثنتين، وتسود فيه بيوت الطوب المتلاحمة، من خلال إقدام الأب أو الجد على شراء كبش لذبحه ودعوة الأهل والأقارب إلى وليمة، يلبس فيها الطفل الصائم لباسًا أبيضَ، كناية عن بياض الأيام التي يتمناها الجميع له.
الكبش يصبح ديكًا بلديًا، في بعض قرى برج بوعريريج والمسيلة، 250 كيلومترًا شرقًا، تقدمه أم الطفل الصائم ليذبح على يد شخص زار البقاع المقدسة، أو على يد "بوسعدية" الدرويش الذي يطوف بفرقته الموسيقية على القرى والمداشر، ليبارك العرائس وكباش الإخصاب وطلائع الثمار، ويقرأ التعاويذ على المرأة التي يتأخر حملها، بإرقاصها في "الحضرة" حتى يغمى عليها.
ويحظى الطفل الصائم في منطقة سكيكدة، 500 كيلومتر شرقًا، بلباس يشبه لباس العرسان، كناية عن كونه نضج، وهو سائر في طريق الزواج، مع هدية ثمينة، تتجدد بتجدد صيامه، يتناوب أفراد الأسرة على شرائها، وتقديمها مرفوقة بالغناء والزغاريد والأدعية والبخور، ثم إرساله إلى الجامع ليشهد صلاة التراويح.
أما في المناطق الأمازيغية، شرق الجزائر العاصمة، فيعامل الطفل الصائم للمرة الأولى معاملة الأمراء، ويوضع عند أذان المغرب فوق قرميد البيت، كناية عن استعداده للتعامل مع قيم العلو، ثم يُسقى حليبًا وماء، ويُطعم بيضًا مسلوقًا، مغمورًا بالأدعية والزغاريد وكأنه ولد من جديد. مع الإشارة إلى أن هذا الطقس يشمل الفتيات أيضًا.