28-سبتمبر-2024
أيام بجاية السينمائية

تشهد اللّقاءات السّينمائية لبجاية حضورًا جماهيريًا كبيرًا (الصورة:فيسبوك

تعود اللّقاءات السّينماتوغرافية لبجاية في موعدها السّنوي بعد تأجيل طفيف، حيث تدور أحداثها في الفترة الممتدة ما بين 24 و 29 من شهر سبتمبر الجاري في قاعة السينيماتيك ولاية بجاية شرق الجزائر.

تنظم  هذه اللقاءات جمعية "بروجكت أور"  التي تحرص منذ سنة 2003 على تقديم صورة مختلفة تحتفي بالأعمال والمبادرات السينمائية في رحاب الفن والموسيقى،

 تنظم  هذه اللقاءات جمعية "بروجكت أور"  التي تحرص منذ سنة 2003 على تقديم صورة مختلفة تحتفي بالأعمال والمبادرات السينمائية في رحاب الفن والموسيقى، حيث تُوَجّه دعوة عامة للجميع دون بروتوكولات تحت شعار دائم تتبناه ولا تتخلى عن جوهره، إذ يبقى "النجم هو الجمهور" وضيف الشرف الأول في كلّ طبعة.

تحمل الطبعة التاسعة عشر هذا العام كما كل سنة، عددا لا بأس به من المفاجآت والمواعيد السينمائية، حيث تشهد عرض حوالي 35 فيلما بين الطويل والقصير والوثائقي من الجزائر، فلسطين، العراق، تونس، كندا انجلترا ونيجيريا والمكسيك ودول أخرى، إضافة إلى الندوات والورشات، و النّقاشات السينمائية التي تدور أحداثها في العديد من الأماكن التي وضعت تحت تصرف اللقاءات كالسينماتيك، ومتحف برج موسى.

 تتميز اللقاءات السينماتوغرافية بحضور عدد من الأسماء التي تحمل على عاتقها منذ مدة طويلة مسؤولية تقديم وجه مختلف ومغاير للسينما في الجزائر، وطاقات متجددة ذات أفكار خلاقة، سواء من الجمعية المنظمة، أو من أفراد محبين لهذه التظاهرة، عكس مواعيد سينمائية أخرى قد تحضر وتتغيب من حين لآخر لتبقى بنفس الوتيرة.

تم افتتاح طبعة هذه السنة من اللقاءات السينماتوغرافية يوم الثلاثاء الفارط بحضور جمهور نوعي متعطش للسينما والفن والموسيقى، من سكان بجاية ومن ولايات أخرى، شباب محبون للفن السابع، متطوعون وأفراد من الجمعية، فنانون وأدباء وإعلاميون، كما حضر أيضا مدراء مركزيون من وزارة الثقافة و الفنون ومدير الثقافة والفنون، حيث جرى حفل الافتتاح الذي نشطه الفنان أمازيغ كاتب والفنانة كاميليا جوردانا بقاعة السينما لبجاية بعد إعادة ترميمها.

المتطوعون.. روح اللقاءات السينماتوغرافية

في هذا السياق، آثرنا أن نُلقي بعض الضوء على قوة ناعمة تفخر بها اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية، وهي الشباب المتطوعون الذين تجدهم واقفين أو جالسين في كل زاوية، يحرصون على سيرورة كل كبيرة وصغيرة، بتيشرتاتهم المزينة بشعار المهرجان، وحماسهم الكبير لكل نشاط، واستقبالهم الجمهور القادم من كل صوب.

هنا، نتحدث إلى صبرينة زياني، عضوة نشيطة في جمعية بروجيكتور ومن بين الشباب المحبين للقاءات السينماتوغرافية والمتطوعين في تسيير العديد من النشاطات فيها، حيث صرحت لـ "ألترا جزائر" أنها تدخل بحماس سنتها الثانية مع جمعية "بروجكت اور"، إذ انضمّت إلى فريقها سنة 2023 بمناسبة الذكرى العشرين لإنشائها.

تعتبر صبرينة نفسها عضوًا وفيا في هذه الجمعية، حيث أنها لم تتردد قط في الانضمام إلى الفريق التطوّعي للقاءات السينماتوغرافية لبجاية عندما عُرض عليها ذلك.

تعتقد صبرينة أن هذه اللقاءات تدفع الناس إلى الحديث عنها لما تقدمه من اختلاف، لذلك يسمع الجميع عنها بشكل مكثف، كما تؤكد أن الجمعية ترحب بجميع الشباب بأذرع مفتوحة طالما أنهم متحمسون وملتزمون ويقومون بالمهمة الموكلة إليهم وينفذونها بشكل جيد.

هنا، تؤكد صبرينة زياني أن كلّ شخص متطوع يساهم بطريقته الخاصة في بناء هذا الجسد الثقافي، حيث يجلب كلٌّ منهم فكرة ليتم محاولة تنفيذها من خلال اتباع المبدأ التوجيهي، كما تؤكد المتحدثة أن الجميع دون استثناء يقومون بذلك بسرور كبير دعما لمدينتهم بجاية.

غزة وفلسطين في قلب بجاية

وفي سؤال عن الموقف التضامني للقاءات السينماتوغرافية لبجاية لما يحدث في غزة و فلسطين، أكدت صبرينة زياني أن دعم المقاومة والوقوف مع فلسطين يتجلى قبل كل عرض، حيث يتم بث مقطع من سلسلة من المشروع الرائع «بعض الأوتار»، وهي مجموعة من الإيماءات السينمائية للطائرة الورقية التي طلب الشاعر الفلسطيني رفعت العرير في. قصييدته صنعها بقطعة قماش بيضاء، إذا ما استشهد.

 تعتبر صبرينة هذه الالتفاتة مواجهة صريحة للقمع، وصرخة في وجه اللامبالاة التي يقف عندها العالم الذي ينظر بصمت إلى الفظائع التي تحدث في فلسطين، كما أنها طريقة اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية في إظهار تضامن ثابت مع الشعب الفلسطيني.

في هذا السياق، عرفت اللقاءات السينماتوغرافية وقفة مهمة وتضامنية مع غزة والقضية الفلسطينية، حيث يعرض 11 فيلما قصيرا حول القضية وما يحدث في قطاعب غزة من جرائم قتل وتطهير.

تُقدّم هذه الأفلام على شكل برنامج تضامني، بعضها روائي وبعضها وثائقي، حيث تعد أفلاما حديثة قدمها هذه السنة مخرجون من مختلف الدول، تعبيرا عن رفضهم لما يحدث.

نذكر من بين هذه الأفلام “فلسطين آيلند” (فرنسا/ فلسطين) و”و لايزال قائما” (بريطانيا)، ”أمير المدينة” لأمينة كرامي (تونس)، “وعد إيمان” (كندا).

العودة إلى الأرشيف الجزائري

حول جديد هذه الطبعة، تحدثنا إلى رئيس جمعية "بروجكت أور" المنظمة للقاءات السينماتوغرافية لبجاية حسان كراوش، حيث أكد في سؤال لـ "ألترا جزائر" حول جدوى العودة إلى الأرشيف في الحملة الترويجية للقاءات، أن قيامهم هذه السنة بالترويج للقاءات السينمائية لبجاية من خلال الموسيقى القادمة من الأرشيف الجزائري، يكمن في أن برمجة أفلام هذه السنة لها علاقة وثيقة بالأرشيف، على سبيل المثال عرض فيلم "بوعلام زيد القادم" للراحل موسى حداد الذي تم العثور على نسخته الأصلية مؤخرا في ألمانيا واستعادتها لعرضها حصريا في المهرجان، إضافة إلى إقامة ندوة عن الأرشيف الجزائري خلال فعالياته، لهذا كان من المنطقي حسبه العودة إلى كل ما يتعلق بهذا المجال، وهي طريقة المنظمين حسبه، للقول بأن الفن لديه القدرة على عبور الزمن وأنه لا يموت، حيث يرفض شخصيا استعمال مصطلح "إعادة الإحياء" لأن الفن غير قابل للموت.

حسان كراوش لـ "الترا جزائر": كل عمل فنيّ لا يموت ما دام الناس يتداولونه مع مرور الزمن

يقول حسان كراوش أن كل عمل فنيّ لا يموت ما دام الناس يتداولونه مع مرور الزمن، وهنا جوهر ما يقومون به في هذه الطبعة، إذ أن تداول المواد الفنية الجزائرية يبقي على أثرها، إضافة إلى أن العديد من الأجيال المتابعة للسينما والموسيقى بطبوعها المختلفة، هم من جمهور اللقاءات السينمائية لبجاية، لهذا يحاول المنظمون إرضاء مختلف الأذواق، وإعادة التّرويج للموسيقى والفن القديم خاصة لدى الشّباب الّذين لا يملكون معرفة كافية به، فهناك من يتعرف على الأسماء الفنية والأعمال لأول مرة وهنالك من يعيد اكتشافها من خلال هذه اللقاءات، إضافة إلى من يتذكرون ماضيهم وشبابهم وما عاشوه من خلال هذا النوع من الترويج المعتمد في برنامج هذه الطبعة.

يؤكد المتحدث أنها كانت طريقتهم منذ الطبعة الفارطة للتصريح بأن السينما والموسيقى مرتبطان بشكل وثيق، إذ يستذكر العديد من الفنانين الذين قدموا أعمالا موسيقية للسينما أمثال مولود عصام في فيلم "حسان طاكسي"، زاهر عجو في "الطاكسي المخفي" والعديد من الأسماء التي تمتلك في رصيدها ألبومات شهيرة، لكن الجمهور يجهل أعمالها المهداة للسينما.

 هنا، كان هدف المنظمين هو العودة إلى هذه الأسماء والاحتفاء بها وتسليط الضوء على هذا العلاقة الوطيدة بين السينما والموسيقى، تمت العودة بالزمن في المقاطع الترويجية لهذه اللقاءات عبر الموسيقى إلى أسماء قدمت أعمال جميلة للأفلام مثل أحمد مالك، كما تم الاحتفاء بموسيقى محمد إڨربوشن الغني عن التعريف في الموسيقى الكلاسيكية، ومن شريف قرطبي إلى أحمد الكامل مرورا بجمال علام، إيدير، بوعلام شاكر .. الخ

"إنها طريقتنا لنخبر الجميع أن الماضي في الجزائر كان غنيا بإمكانيات فنية وموسيقية وسينمائية الرائعة." يستطرد حسان كراوش:

"نحن لم ننشئ هذه العلاقة في الحقيقة، لقد كانت موجودة منذ البداية، من عصر بدء إدراج الموسيقى في الأفلام لتصبح جزء لا يتجزأ منها، وعندما نتحدث عن صناعة الفيلم بغض النظر عن كل الجوانب التقنية التي ترافقه، تحتل الموسيقى جزء مهما فيه، خاصة في الفئات التي تعتمد عليها في معظم لحظاتها، إذن نحن لم نقم هنا سوى بتقديم هذا الشيء للجمهور وإعادة إظهار ما كان بالأصل موجودا كتقليد سينمائي."

عودة "سليم"

في سؤال حول التعاون فنان الكريكاتير القدير سليم مع اللقاءات من خلال تقديم رسوماته لتوظيفها في الترويج للحدث، قال حسان كراوش أن الفنان سليم كان من أوائل رسامي الكاريكاتير الذين قدموا القصص المصورة في الجزائر، وهو رائد في مجاله بلا شك، كما أكد أن حضوره وتعاونه معهم شرف كبير، لأن هذه الشخصية الجميلة قدمت الكثير من الأعمال التي أثثت ماضينا، كما أنه أهدى للسينما أيضا آفيش الفيلم الشهير "عمر قاتلاتو" لمرزاق علواش، وفيلم "ليلى وأخواتها" لسيد علي مازيف، لهذا تم التوجه إليه لتقديم آفيش اللقاءات السينمائية لبجاية، حيث سيتذكر الجميع في المستقبل أن هذا الفنان أهدانا أهم أعماله، كما يدخل هذا التعاون -حسب المتحدث- في رغبتهم الكبيرة للحتفاء بهذا الاسم وبما قدمه للسينما.

يوفر المنظمون في اللقاءات السينمائية لبجاية مساحة مفتوحة للتعبير وللاكتشاف، اكتشاف سينما الحاضر و الماضي وكل من لهم علاقة بها من مخرجين، ممثلين، منتجين وصناع أفلام وموسيقيين ورسامي كارييكاتور، لهذا، يؤكد كراوش أن من البديهي التوجه نحو سليم الذي قابل هذه الفكرة بكل الترحيب، وقدم لنا أغلى ما عنده من شخصيات - على حد تعبيره-   (بوزيد، زينة، أمزيان والقط).

"في الواقع، ليس هناك أجمل من هذه الشخصيات التي تمثل وجوها جزائرية شعبية من قلب المجتمع للترويج لهذا الحدث."

عن جديد الندوات

بخصوص الندوات التي تقام خلال اللقاءات السينمائية لبجاية، قال كراوش أن هنالك ندوتان. تعنى الأولى بالنقد السينمائي في الجزائر اليوم، حيث تطرح تساؤلات عن ماهيته ووجوده ومآلاته في المجال في بلادنا، وعن الضوابط والأسس التي تتحكم به، كما تتم مناقشة الفرق بين قراءة الفيلم من طرف محبي السينما، وبين رؤى الناقد السينمائي له، كما يتم تناول الأسس التقنية الخاصة التي يعتمد عليها هذا الأخير، ما يعني أن هذا الشخص وجب أن يكون أكاديميا.

ومع التطور الحاصل في صناعة المحتوى، يؤكد المتحدث توجه العديد من الشباب إلى تقديم محتوى نقدي للأفلام، لهذا يحاول المنظمون الجمع بين الأكاديميين وهؤلاء الشباب، للتحدث عن أساسيات النقد السينمائي، آفاق تتطور النقد إذا انتقلنا نحو إنشاء محتوى رقمي خاص به، وما هي التحديات التي يواجهها صناع المحتوى، خاصة من الناحية القانونية فيما يتعلق بنشر صور ومقاطع الفيديو للأفلام دون حقوق، وهو جانب تقني بحت، إضافة إلى نشرهم لنقد أو رأي شخصي.

أما الندوة الثانية فتعنى بالأرشيف واستقدام الأفلام الجزائرية بغية استعادتها والحفاظ عليها وأرشفتها، سواء كانت موجودة داخل الوطن أو توفرت نسخها الأصلية في الخارج، حيث سيناقش المشاركون ضرورة عودة هذه الأفلام الى الجزائر، وكيفية توفير ديناميكية من أجل بعث سياسة جيدة لاسترجاع هذا التراث، الاعتناء به وحفظه، وعرضه أيضا، إذ يؤكد حسان كراوش أن هذه العناصر الثلاثة هي ما سيتم التركيز عليه في الندوة، مناقشة كيفية تحقيق ذلك تقنيا، وجوب تأطير أشخاص للقيام بهذه المهمة، أو مناقشة القوانين التي وجب ان تسنها الدولة حول ذلك، وما هي الوسائل التي يعتمد عليها، ماديا وبشريا وقانونيا للوصول أخيرا إلى ضرورة امتلاك الجزائر سياسة أرشيف خاصة بها.

الورشات التكوينية

أما عن الورشات التكوينية، يتحدث رئيس جمعية "بروجكت أور"  عن استحداث ورشة الاقتباس الأدبي، حيث تقرر هذه السنة تجديد نوعية الضيوف، واستدعاء الأشخاص الذين يضعون قدما في الأدب وقدما في السينما، وهذا ما سيسمح لهم بالتعرف على تقنيات الانتقال من تدوين الكتاب إلى الاقتباس السينمائي، والاطلاع على الضوابط والمراحل التي وجب اتباعها واحترامها للقيام بذلك، ما سيسمح لهم بفهم ميكانيزمات هذا الانتقال من عمل أدبي إلى عمل سينمائي.

مخبر بجاية للفيلم

تسترجع اللقاءات السينماتوغرافية هذه السنة منحة مشاريع السينما من خلال " بجاية فيلم لاب" هو نشاط قديم جديد قدمت منه ثلاثة نسخ، إذ يؤكد حسان كراوش هنا أن المخبر غاب لعدة طبعات، وتمت استعادته هذه السنة، وهو عبارة عن منحة لمشروع فيلم يسمح بتمويله والاستمرار في صناعته، سواء كان ذلك عبر التمويل الكلي أو الجزئي.

يقول كراوش أن اللقاءات السينماتوغرافية حصلت هذه السنة على دعم الفنان سفيان زرماني المعروف ب "فيانسو"، وهو مغني راب وممثل من أصل جزائري، حيث أطلق الفنان بالتعاون معهم "منحة زرماني" التي تقدر ب 500000 دج، والتي ستسمح لسينمائيين شباب بالاستمرار في كتابة السيناريو لمشروع فيلم سينمائي.

أكد المتحدث تلقيهم 40 مشروع سيناريو أفلام جميلة جدا، وتم ترشيح خمسة منها بدلا من ثلاثة كانت مقررة نظرا لصعوبة الاختيار بينها

تم حاليا استقبال هؤلاء الخمسة الذي سيشاركون معا في ورشات عمل، ومن هنا، سيقرر أعضاء لجنة تحكيم خاصة مشروعا واحدا يحصل على المنحة، وسيعلن عنه في ختام هذه اللقاءات.