22-أغسطس-2024
(باتريك باز/أ.ف.ب/GETTY)

الرئاسيات الجزائرية (صورة: فيسبوك)

تحضُر المرأة في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الـ 7 أيلول/ سبتمبر المقبل، كفاعِل في الحملة الانتخابية وفي محاور برامج المترشحين كموضوع، بعدما تعذّر عليها أن تكون من بين المتنافسين على كُرسي قصر "المرادية".

 حلم في مسار الـ 7 سبتمبر

في الفاتح من مارس/آذار الماضي، أعلنت رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" المعارض، المحامية زبيدة عسول رسميا نيتها في الترشح للانتخابات الرئاسية، لتكون أولى تاء التأنيث التي تدخل هذا المسار الانتخابي.

ثاني امرأة، هي لويزة حنون،إذ أعلن حزب العمال في 19 أيار/ماي الماضي، ترشيحهاالتي ، فهي التي امتلكت رصيدا انتخابيا قبل 2024، في علاقة ترشحها في ثلاث استحقاقات رئاسية سابقة (2004 و2009 و2014)لأعلى منصب في البلاد.

إلاّ أنّ زعيمة حزب العمال غابت عن انتخابات 2019، بعدما دخلت السجن وقتها لمدة 9 أشهر خلال فترة الحراك الشعب، ثم تمت تبرئتها من كلّ التّهم الموجهة إليها من قِبل المحكمة.

أمّا ثالث امرأة حلمت بالمنصب الأعلى في الدولة، رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، إذ أعلنت في حزيران/ جوان الماضي، عن رغبتها في الترشّح للانتخابات، في إعلان فاجأ بعض الأوساط.

وكما قالت في بيان صحفي، بأنّ ترشحها جاء عقب "دراسة متأنية"، و "ينبُع من قناعتي العميقة بأن الشعب الباسل وأمتنا العظيمة وبلدنا القارة يستحق حوكمة ترقى إلى مستوى التطلعات المشروعة لكل مواطن ومواطنة".

انسحاب ومحاولتين

إذا كانت تجربة حنون السياسية تعود لأكثر من أربعة عقود من الزمن، ورغم قرارها بعدم استكمال خطوة مشاركة الحزب في المسار الانتخابي، فإنّ تجربة عسول ونغزة، حديثة بعالم الانتخابات الرئاسية.

وعلى عكس حنون، التي قررت العزلة الانتخابية والانسحاب من واجهة هذا المسار السياسي، فإنّ عسول ونغزة تختلفان معها؛ من حيث الانخراط في الحيّز النضالي أولا، وفي زمن الفعالية السياسية ثانيا، بالإضافة إلى المتانة الخِطابية في فضاء السياسة ثالثاً.

ولكن على مستوى المحاولة للثنائي، فيمكن التذكير بأنّ القاضية السابقة، عسول انخرطت في الفعل السياسي مبكّراً بالمقارنة مع نغزة، إلاّ أنّ تجربتها ضمن صفوف حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، قصيرة بالمقارنة مع الفعل السياسي لبقية الأطياف السياسية سواء في خانة المولاة أو المعارضة، كما أنها كانت ضمن جملة المكونات السياسية الرافضة للمسار الانتخابي في 2019.

بعد خمس سنوات، غيّرت عسول اتجاهها 180 درجة؛ فمن المقاطعة إلى المشاركة، ومن أسباب ذلك قولها:" إنّ "التغيير السياسي يتمّ بالمشاركة والفعل وليس بالرّكون في رصيف الميدان وعلى هامِش الأحداث".

في قلب الأحداث، تمكّنت عسول من المُرور إلى شوط العملية الانتخابية الثاني بعد معركة أسابيع جمع التوقيعات إلاّأنها خسِرت الجولة بعدما قدّمت 31 ألف استمارة فارغة للسلطة الوطنية للانتخابات، مع جمع 700 ورقة اكتتاب من النّاخبين فقط، ما استتبعه رفض الملف مضمونا.

محاولة قطع المسافة الموجودة بين السياسة والاقتصاد، ليست سهلة، رغم أنها قصيرة، إلا أنها متعبة، فالسياسة غالبا ما ترضخ عندما يتقدّم الاقتصاد للأمام بلغة المال والأعمال، بينما الاقتصاد يتوقف دوما أمام حسابات السياسة ودواليب الحكم ومعطيات تجنيد القاعدة الشعبية لفائدة مترشح ما، أو كما يسمى إعلاميا بـ"الإسناد السياسي".

هذا ما وقع لسيدة الأعمال نغزة؛ فبالرغم من أنّها اصطدمت برفض الهيئة الانتخابية عند دراسة ملف الترشح، ثم رفض الطعن المقدم منها على مستوى المحكمة الدستورية، ثم متهمة في قضية "شراء" توقيعات المنتخبين وهذا ملف بيد القضاء، إلاّ أنّ اللعبة السياسية باتت بعيدة كلّ البعد عن امرأة تدرجت في مجالات المال والأعمال، كما ضاع منها حتى لقب مرشّحة الرئاسيات الذي كان نُصب عينيها وهذا أمر مشروع.

من خلال ما سبق ذكره، بزغت ثلاث راغبات في الترشح في البداية، لكنهن سقطن جميعا، فالأولى (لويزة حنون) انسحبت بعدما ما كانت طرفا في ثلاث استحقاقات رئاسية سابقة، أما الثانية (زبيدة عسول) لم تتمكّن من جمع التوقيعات واعتبرتها تجربة مفيدة لقادم الاستحقاقات، فيما أسقطت سلطة الانتخابات الثالثة (سعيدة نغزة) لأسباب تقنية وقضائية.

حُضور في الحملة

بالرغم من "خيبة" أمل الكثيرين من عدم رؤية تنوّع جندري (مترشحين رجال ونساء) في المنافسة الرئاسية في الجزائر، ودخول امرأة في مِضمار السباق الانتخابي، إلاّ أن مجرى الأحداث نقلها من منزِلة الترشح إلى وضعية المساهمة في تنشيط الحملة الانتخابية، كمستوى أول.

وعليه باشرت رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، فاطمة الزهراء زرواطي، تنشيط تجمعات شعبية لفائدة المرشح عبد المجيد تبون، فيما جنّدت حمس مناضلاتها في الحركة للترويج لمشروع "فرصة"، وهو الأمر نفسه بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية في تسويق مشروع مرشحها "رؤية الغد"، وتنشيط أعمال جوارية للاقتراب أكثر من المواطنين.

أما في المستوى الثاني، فإنَّ اللاّفت للنّظر هو حُضور المرأة أيضاً في التجمعات والنشاطات الشعبية للمترشحين في القاعات ويستمعون للخطابات ويتفاعلن مع الخطابات.

لكن من زاوية نظر أخرى، تقول الأستاذة في الجامعة كريمة فريوي (كلية الحقوق بجامعة الجزائر) يبدو أنّه "حُضوراً يساهم في الترويج والتسويق للبرنامج الانتخابي"، موضحة لـ" الترا جزائر" بأنّ القضايا المتعلقة بالمرأة دوما كانت جزء مهم في البرامج الانتخابية كما هي في برامج الثلاثي الانتخابي. 

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة تنشيط لبعض القياديات والمناضلات في عديد الأحزاب الداعمة للمترشحين أو من ضمنهم، للقاءات التلفزيونية لفائدة مرشحي الرئاسة.

وحاول ثلاثي الانتخابات " دغدغة" مشاعر المرأة خصوصا، فبالنّسبة لمرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، وعد بتحسين ظروف معيشتها، بأن يخصص للنساء الماكثات في البيت منحة تقدر بـ 20 ألف دينار، على غرار عدة فئات اجتماعية، كذوي الاحتياجات الخاصة والطلبة الجامعيين.

أما مرشح حركة مجتمع السلم، حساني شريف عبد العالي، فذكر بأنّ "برنامجه خصص جانبا كبيرا للتكفّل بالقضايا التي تهمّ المرأة سواءً كانت عاملة أو ماكثة في البيت".

كما قال في إحدى تجمعاته بأنّ النساء "تُمثلن قوة أساسية في المجتمع ومصدر للاستقرار الاجتماعي".

الواجِهة

تبرز هذه الإطلالة على حُضور المرأة ثم غيابها في العملية الانتخابية الجزائرية (الرئاسيات تحديداً)، مستوى انخراطها في قضايا الشّأن العام، رغم أنّها حققت الكثير من الإنجازات في شتى المجالات، يفترض أن تكون لها مكانة في التمثيلات السياسية، بحسب المحلل السياسي محمد سلامي، وهو ما ينعكِس على المُمارسة السياسية في هَرم السّلطة.

 وأضاف في تصريح لـ" الترا جزائر" أنّ استثمار ما حقّقته من وثبات علمية ومهنية، في مقابل محصلة الغطاء القانوني الذي يعطيها القدرة لتكون في البلدية والولاية والبرلمان والحكومة.

وأكد بأنّ ما حصلت عليه المرأة من غطاء قانوني أوصلها إلى عدة مناصب وفي عدة مؤسسات، مما جعل مستقبلها السياسي في منعرِج فاصل.

من خلال هذه التجربة الانتخابية، يبقى السؤال مطروحا، إلى متى سنرى المرأة كمنافسة الانتخابية الرئاسية؟