27-مارس-2021

الانتخابات التشريعية امتحان صعب للسلطة (تصوير: فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

يُثير قانون الانتخابات الجديد في الجزائر مزيدًا من الجدل، في علاقة بموضوع المناصفة الخاص بالمرأة في قوائم الترشيحات للانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 12 حزيران/ جوان المقبل، اذ نصّ القانون في مواده المثبتة على الزامية المناصفة في كل قوائم مرشّحة يقدمها حزب سياسي أو ائتلاف او مستقلين، دون أن يضمن ذلك للمرأة بالضرورة مقاعد محدّدة في البرلمان.

فَرَض قانون الانتخابات الجديد مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في الترشيحات للانتخابات التشريعية المقبلة

إلغاء المحاصصة

فَرَض قانون الانتخابات الجديد مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في الترشيحات للانتخابات التشريعية المقبلة، وهو ما يختلف مع ما كان معمولًا به في القانون السابق الذي كان يمنح ثلثي مقاعد الانتخابات للمرأة.

اقرأ/ي أيضًا: مسودّة قانون الانتخابات.. قطيعة مع الماضي أم تكريس للنظم القديمة؟

وتبدو مكانة المرأة في البرلمان مهدّدة فعليًا، بحسب المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، وذلك بواقع مؤشّرات سياسية وقانونية، كما قال الباحث في العلوم القانونية الأستاذ بجامعة البليدة وليد حران، فإضافة إلى أن قانون الانتخابات الجديد لم يحفظ حصة محدّدة من المقاعد للنساء وألغى مبدأ المحاصصة، وفرض في المقابل المناصفة في الترشيحات، فإن المواد الواردة في باب الأحكام الانتقالية (مواد تطبق فقط في الانتخابات المقبلة بسبب الظروف الخاصة التي تجري فيها) يمكن أن تشكّل صدمة للنساء والحركات الحقوقية والسياسية التي تدافع عن ترقية المشاركة السياسية للمرأة، كما أفاد. 

وشرح الأستاذ حران لـ "الترا جزائر" هذه الجزئية قانونيا، إذ تسمح المادة 317 من القانون الانتخابي للأحزاب والمستقلين من تجاوز إلزامية المناصفة في حال لم تتوفّر لهم مترشّحات لضمهن في القوائم، وهو ما سيقلّص من عدد النساء المرشحات من جهة، وينعكس ذلك أيضا على عدد النساء اللواتي يمكن أن يفزن بمقاعد في البرلمان من جهة أخرى.

على الورق تنصّ المادة 317 من القانون الانتخابي على تعطيل مؤقّت للمادة 202 من القانون الانتخابي، والتي تنصّ على المناصفة في الترشيحات كشرط لقبول القوائم وعدم تطبيقها فقط في الانتخابات المقبلة، بحيث يمكن للأحزاب والقوائم الحرّة التي لا تستطيع أن تحقّق المناصفة في القوائم هذه المرّة أن تبلِّغ سلطة الانتخابات بذلك، وتقدّم قوائم دون احترام شرط المناصفة وهذا يعني تقليص إضافي لحظوظ المرأة.

الاستحقاقات القادمة 

سياسيًا، يفتح هذا الاستثناء لكثير من الأحزاب والمستقلين، خاصّة في الولايات الداخلية التي يتعذر فيها الحصول على ناشطات ومرشحات، الباب للتخلي مسبقًا عن البحث عنهن، والاكتفاء في القائمة بمرشّحة أو اثنين، وهو ما ينعته البعض بأن تواجدها في القوائم بهذا الطرح يعتبر "ديكور انتخابي"، على حدّ تعبير المحلّل السياسي عبد القادر بهناس لـ "الترا جزائر" لافتًا إلى أن نشاط المرأة السياسي في الولايات الداخلية في الجزائر مازال ضعيفًا، لا يتناسب مع تمثيليتها الاجتماعية.

وفي هذا الإطار، فسّر الأستاذ بهناس أن هناك ما يعاب على الأحزاب السياسية في الجزائر، مرتبط أساسًا بـ "عدم بذلها ما يكفي من الجُهُود لإدماج المرأة في النشاط السياسي"، مشيرًا إلى أن نتيجة ذلك، نجد أن المرأة لا تظهر كثيرًا في الفعل السياسي المتواتر، والدائم، بل ستكون ورقة تلجأ لها الأحزاب، في تأثيث القوائم.

سياسيًا، دائمًا، يرى المتحدث أن الامتياز الانتخابي الوحيد الذي تضمَّنه القانون الانتخابي الجديد بالنسبة للمرأة، هو عند الفرز وتوزيع المقاعد، وفي حالة تساوي الأصوات بين مرشح رجل وامرأة، فان المقعد يمنح للمرأة.

خيار وتراجع؟

المتتبع للعملية السياسية برمتها، يلاحظ أن الجزائر تبنّت في وقت سابق، منذ التعديل الدستوري في نوفمبر 2008، خيار"ترقية المشاركة السياسية للمرأة بالقانون"، حيث نصّ الدستور الجزائري على تخصص ثلث مقاعد البرلمان للمرأة، ونظم القانون الانتخابي الصادر في 2012، على كيفيات تمكين المرأة من ثلث المقاعد في كل ولاية، وبالتالي تجميع ثلث المقاعد في البرلمان لصالح المرأة، حيث جمعت النساء أكثر من 100 مقعد نيابي في انتخابات 2012 و2017، إذ بلغ عدد النساء في البرلمان المنحلّ مؤخرًا إلى 154 نائبًا.

هذه الخيارات، كانت تحمِل بذور نهايتها، بحسب المتتبعين للشأن السياسي في البلاد، إذ كانت " خطة" استقطاب نصف المجتمع الجزائري عن طريق أوراق تُلعب في المحطات السياسية الكبرى، خاصّة في فترة حكم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بل وكانت غير مؤسسة على فعل ميداني تكويني ونضالي إلا النّزر القليل، ونتيجة لذلك يذهب أغلبية المحلّلين السياسيين إلى ما يوسمه البعض أن "البرلمان كان معطوب الكفاءات حتى وإن وجد بعضها في المؤسّسة التشريعية إلا أنها لا ترق إلى تطلعات الشعب الجزائري، ولا تعكس مدى كفاءات المرأة خصوصا في شتّى المجالات.

بالنسبة للأحزاب السياسية، فإن موضوع ترشيح النساء يطرح اشكاليات جدلية متعدّدة الجوانب، بين مرحّب بالمُناصفة في قوائم الترشيحات، وبين متخوّف من أن تكون المرأة مجرّد ديكور أو واجهة انتخابية، رغم الشعارات التي دائمًا ما تلعب على وتر مشاركة المرأة في السياسية. 

وفي هذا المنحى، ذهب رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة إلى التحذير مما وصفه في ندوة للإطارات النّسوية "المتاجرة بالمرأة في الاستحقاقات الانتخابية"، وقال "المناصفة في الترشّح لا تقدّم للمرأة الفوز بل تحقّق لها الديكور فقط"، داعيًا إلى تحقيق الشّراكة بين الرّجل والمرأة في ّ وإصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار مشروع الجزائر الجديدة، التوجه نحو حسن اختيار المرأة ذات كفاءة عالية والتي تكون نموذجًا حقيقيًا لتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.

التدقيق في مسار الانتخابات في الجزائر يدفعنا اليوم إلى طرح عدة مسائل تتعلق بالفعل السياسي لدى المرأة

إن التدقيق في مسار الانتخابات في الجزائر، يدفعنا اليوم إلى طرح عدة مسائل تتعلق بالفعل السياسي لدى المرأة، وعامل التنشئة في الأحزاب السياسية، فهل سيكون للقانون الانتخابي الجديد ارتدادات على تركيبة المؤسسة التشريعية وهل ينعكس على تصنيفات المرأة في المجالس المنتخبة على مستوى البلديات وحتى المؤسسات التنفيذية في قادم المحطات السياسية؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي