25-أبريل-2022
(الصورة: جون لويس فرناندز/أ.ف.ب)

ظلّ حضور الفنون شحيحًا في المنظومة التّربويّة في الجزائر منذ الاستقلال الوطنيّ عام 1962. فمعظم التّلاميذ يُعفون في الطّورين المتوسّط والثّانويّ من مادّتَي الرّسم والموسيقى؛ أمّا المسرح فقد بقي مطلبًا معلّقًا؛ بالموازاة مع وجود معاهد ومدارس فنّيّة عليا على مستوى البلاد تعدّ على أصابع اليدين.

فتح قرار وزارة التّربية باستحداث شعبة الفنون في الطّور الثّانوي العام والتّكنولوجي جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية

فقد ظلّ المعهد العالي لفنون العرض ومهن السّمعيّ البصريّ في برج الكيفان، على سبيل المثال، يتيمًا في اختصاصه منذ 1964. 

في ظلّ هذا الواقع، جاء قرار وزارة التّربية باستحداث شعبة الفنون في الطّور الثّانويّ العامّ والتّكنولوجيّ؛ خلال شهر نيسان/ أفريل الجاري؛ ليسدّ الفراغ في هذا الباب؛ ويؤسّس لأرضيّة علميّة لدراسة الفنون في المرحلة الجامعيّة؛ بما يرشّد التّكوين العصاميّ الذّي ظلّ مهيمنًا على المشهد. 

وورد في تعليمة وزارة التّربية أنّه سيشرف، بدءًا من الموسم الدّراسيّ القادم، أستاذة من الطّور الثّانويّ ومن التّكوين المهنيّ؛ بالتّنسيق مع وزارة الثّقافة والفنون؛ على تدريس التّلاميذ الذّين سيختارون شعبة الفنون؛ كما سيستضاف ممارسون وخبراء من الميدان الثّقافيّ والفنّيّ لإلقاء محاضرات وعرض تجاربهم.  

غير أنّ جدلًا واسعًا نشأ في الواقع والمواقع؛ بين مرحّب بالقرار الحكوميّ الذّي يُتوسَّم فيه القدرة على نشر الرّوح الفنّيّة في أوساط المجتمع، وشاجب له لأنّه مرتجل لدى البعض وغير مدروس؛ ولدى البعض منافٍ للقيم الدّينيّة للجزائريّين وقائم على أنقاض مادّة الشّريعة الإسلاميّة التّي قُلِّص حجمها السّاعيّ في السّنوات الأخيرة. 

يقول أستاذ التّعليم الثّانويّ في ولاية البليدة عبد الحق موسلي إنّ إدراج ما يُسمى "باكالوريا الفنون" هو دعوة صريحة لعلمنة المناهج، وجعل أبناء المسلمين نسخةً مشوّهةً عن المجتمع الغربيّ، "ورسالة واضحة للسذّج ممن يبرّر لهؤلاء الذّين لا يرقبون في المؤمنين إلًّا ولا ذمّة".

 "فعوض فتح شعبة الشّريعة وتحفيظ القرآن والسّنّة النّبويّة في جميع الأطوار، يخرجون علينا بشعبة الرّقص والدربوكة والبندير.! رغم أنّ القانون التّوجيهيّ للمدرسة الجزائريّة ينصّ صراحةً على إلزاميّة أن يتخرّج التلميذ متشبّعًا بمبادئ الإسلام وقيمه الرّوحيّة والأخلاقيّة والثّقافيّة والحضاريّة. وفي هذا تجاوز صارخ على مبادئ وأسس الدّولة الجزائريّة!".

ويقول الفنّان وأستاذ التّعليم الثّانويّ في ولاية تلمسان عمر بركاني، إنّه كلّما طُرِح الحديث عن شعبة الفنون، خرج من يستنكر ذلك مطالبًا بإعادة شعبة الشّريعة الاسلاميّة إلى الطّور الثّانويّ، وكأنّ الشّريعة والفنّ عدوّان لدودان؛ "أنا نفسي درست الشّريعة. وكنت من النّجباء في دراستي، بالموازاة مع تعلّمي للفنّ وممارستي له". 

أليس رهانًا يجب أن نخوضه، يقول محدّث "الترا جزائر"، أن نكوّن جيلًا متوازنًا دينيًّا وفنّيًّا؛ فنتفادى هذا الواقع القائم على روح التّطرّف إمّا في التّفكير الدّينيّ الذّي عانينا منه سنواتٍ طويلة، وإمّا بفساد الذّوق الذّي ما نزال نعاني من ثماره السّلوكيّة.

وفي الوقت الذّي تحفّظ فيه الفنّان سليم حمدي، على استحداث شعبة الفنون، من زاوية عجز الحكومة عن توفير مقتضياته البيداغوجيّة؛ فهي بحبسه عجزت عن تسيير كمشة من المدارس الفنّيّة الموجودة، تحفّظ الكاتب مصطفى بونيف على القرار من زاوية أنّ الشّعب الجزائريّ طالب فيما يشبه الإجماع بتعليم اللّغة الإنجليزيّة مكان اللّغة الفرنسيّة؛ "ولم تكن هناك أية استجابة، أو حتّى إشارة لقبول هذا الأمر الذّي نعتقد أنّه مهمّ جدًّا لأبنائنا وللوطن". 

أنا من خرّيجي الفنون الدّرامية؛ يقول مصطفى بونيف، وأعرف جيّدًا أنّ الفنّ يمكن أن يكون مادّةً ضمن الموادّ التّي تدرّس في كلّ المستويات؛ لكن لا أظنّه مفيدًا بصفته شعبةً مستقلّة، ذلك أنّه يقوم على معارف متخصّصة مجالها الجامعات والمعاهد العليا.

 

كان عليهم فتح ثانوية واحدة وطنيا للفنون ليلتحق بها الرّاغبون والموهوبون وأصحاب الميول الفنّية، أمّا وجود شعبة فنّية في...

Posted by Rachid Ould Boussiafa on Saturday, April 23, 2022

في السّياق ذاته تقريبًا؛ يرى الإعلاميّ رشيد ولد بوسيّافة أنّه كان من الأجدر  فتح ثانويّة واحدة متخصّصة وطنيًّا في الفنون ليلتحق بها الرّاغبون والموهوبون وأصحاب الميول الفنّية، "أمّا وجود شعبة فنّية في كلّ الولايات _ إن تمكنوا من ذلك _ فهو عبثٌ ستظهر نتائجه السّلبيّة بعد سنوات قليلة فقط. ستكون شعبةً منبوذةً لا يطلبها أحد، وسيوجّه إليها أصحاب المعدّلات الضّعيفة. الفنّ هواية يمارسها النّاس مهما كانت تخصّصاتهم الدّراسية".

ونبّه الإعلاميّ أمين خلفات، في تدوينة فيسبوكيّة له، إلى أنّ البكالوريا الفنّيّة ستحرّر الثّقافة والفنّ من الوراثة العائليّة، كما ستمنح الفرصة لأبناء الشّعب كي يبدعوا؛ في إشارة منه إلى أنّ بعض العائلات تسيطر على بعض الحقول الفنّيّة؛ على غرار ما هو موجود في السّياسة والإعلام والتّجارة.

 

البكالوريا الفنية ستحرر الثقافة والفن من الوراثة العائلية، كما ستمنح الفرصة لابناء الشعب كي يبدعوا

Posted by Amine Khelfat on Thursday, April 21, 2022

وكتب الأكاديميّ بشير ضيف الله أنّ قرار استحداث الشّعبة الفنّيّة صائب بعيدًا عن كلّ الخلفيات، "فهناك من له ميول فنّيّة خصوصًا بعد أن أصبح دورنا كرجال للتّربية هو التّدريس فحسب في تغييب ممنهج  للأنشطة الثّقافيّة والتّربويّة التّي من شأنها اكتشاف المواهب في مختلف الميادين الإبداعيّة والفنّيّة".

 

عن مكسب بكالوريا الفنون.. أعتقد أنه قرار صائب بعيدا عن كل الخلفيات، فهناك من له ميول فنية خصوصا بعد أن أصبح دورنا كرجال...

Posted by ‎بشير ضيف الله‎ on Thursday, April 21, 2022

 إنّه مكسب؛ يواصل ضيف الله، يجعلنا نرافع بقوّة للمطالبة بإحياء بكالوريا العلوم الشّرعيّة، والبكالوريا التّقنيّة، والبكالوريا المهنيّة. مايعني تحقيق رغبات وميول كلّ الفئات الطّلابيّة. فالتّنوّع سنّةٌ كونيّة، والحقّ في الاختيار غاية كلّ متعلّم.

يبدو أنّ هناك تحفّظًا في الأوساط الشّعبيّة الجزائريّة من الاهتمام بالفن

ويبدو أنّ هناك تحفّظًا في الأوساط الشّعبيّة الجزائريّة؛ من الاهتمام بالفنّ بكل تصنيفاتها؛ بالنّظر إلى سنوات من هيمنة السّؤال الدّينيّ على حساب السّؤال العلميّ والمعرفيّ والجماليّ؛ وهو مؤشّر على أنّ المنظومة الشّعبيّة باتت محتاجةً إلى ترشيد يصل بها إلى مقام التّوازن في النّظر إلى الأمور.