لم تخلُ الحكومات الجزائريّة المختلفة من وزارة أو كتابة دولة للبيئة. ولم يخلُ البرلمان من لجنة للبيئة، وكذلك المجالس البلديّة والولائيّة. كما يخصّص المنهاج التّربويّ في الطّور الابتدائيّ هامشًا مهمًّا للثّقافة البيئيّة، من خلال مادّة التّربية المدنيّة.
بادرت جمعية "آفاق الجزائر الثقافيّة" في ولاية الأغواط، إلى إطلاق قافلة متخصّصة في المسرح الأخضر
رغم هذا، إلا أنّ الحسَّ البيئيَّ في الشّارع الجزائري يبقى ناقصًا، من زاوية الوعي بالغطاء النّباتيّ، حيث تعدّ الغابة الجزائريّة من أكثر غابات العالم تعرّضًا للحرائق. ومن زاوية الحفاظ على الأراضي الفلاحيّة، حيث زحف الإسمنت على مساحات كبيرة في كلّ ولاية. ومن زاوية حماية الحيوانات المهدّدة بالانقراض، ومن زاوية نظافة الأحياء الشّعبيّة والمحيط العامّ.
اقرأ/ي أيضًا: حملة لاستعمال الدّرّاجات الهوائيّة في برج بوعريريج.. حراك بيئي
في ظلّ هذا الواقع، بادرت جمعية "آفاق الجزائر الثقافيّة" في ولاية الأغواط، (400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة)، إلى إطلاق قافلة متخصّصة في المسرح الأخضر، وهو المسرح الذّي يشتغل على الهواجس البيئيّة ويحاول أن ينمّي الحسّ البيئيّ في النّفوس والعقول.
يقول الفنّان والمربّي عيسى حديد لـ "الترا جزائر"، إنّ القافلة استهدفت ستّة أحياء في المدينة لتكون عيّنة تجريبيّة، قبل تعميمها على بقيّة الأحياء، "فهذه الثّقافة جديدة على المخيال الجزائري العامّ، مواطنين وإداراتٍ وهيئاتٍ، وعلينا أن نحقّق هدف الإقناع بها أوّلًا، وصولًا إلى أن تصبح ثقافة عامًة متبنّاةً من الجميع".
تضمّن برنامج القافلة عروضًا مسرحيّة للأطفال تعمل على إثارة الإحساس بأهمّيّة العناية بالبيئة، وخطورة انتهاكها وإهمالها والعبث بها، بالجمع بين الحقائق العلميّة والإنسانيّة والجماليّة، في قالب ميسّر ومشوّق ومدروس.
ثمّة فرق بين أن يتلقّى الطّفل نصائح وإرشادات جاهزة، يقول عيسى حديد، في المقرّر الدّراسي، وأن يتلقّاها في عروض مسرحيّة في الشّارع، حيث يلهو ويلعب ويمارس طفولته، بعيدًا عن أيّ إكراه، على حدّ تعبيره.
ثمّ إنّه، يضيف المتحدّث، يكون في هذه العروض شريكًا في التّوجيه وممارسًا له لا متلقّيًا فقط، وهو ما يترك أثرًا عميقًا في نفسيّته وذهنيّته وسلوكه. "فأن يسمع توجيهات مثلًا عن الشّجرة وهو يحملها ويغرسها ويسقيها وينقّيها في واقعه، أفضل من أن يسمعها وهو يعاين شجرة مرسومة في المدرسة".
يتلقّى الطّفل الثقافة البيئيّة، في مشروع القافلة الخضراء، ضمن أربع ورشات تكوينيّة؛ هي ورشة المسرح وورشة الرّسم وورشة التّشجير وورشة المكتبة الخضراء، "وهي كلّها ورشات متكاملة لأجل هدف واحد هو أن يتعامل الطّفل مع المحيط العامّ بالحرص نفسه الذّي يتعامل به مع غرفته في البيت. إنّنا نسعى إلى طفل يغضبه تخريب شجرة تمامًا كما يغضبه تخريب لعبته".
وحتّى نصل إلى هذه الأعماق أدخلنا عنصر التّرغيب، يقول محدّث "الترا جزائر"، بإدراج جوائز في جوانب نراها مهمّة هي جائزة أنظف حيّ سكنيّ وجائزة أحسن عرض مسرحيّ أخضر، وجائزة أحسن رسم بيئي وجائزة أحسن واجهة عمارة، وجائزة أحسن بحث علميّ وجائزة أحسن صديق للبيئة.
وعن تقييمه للمرحلة التّجريبيّة لمشروع القافلة، قال عيسى حديد الذّي ناقش مؤخرًا رسالة أكاديميّة عن مسرح الطفل وأثره النّفسيّ في التّربية، إنّه حان الوقت لأن تعمل المنظومات المختلفة، في ظلّ منطق التّكامل بين أطرافها، حتّى تصبح الثقافة البيئيّة ثمرةً مرعيّة من الجميع وليس من طرف النّشطاء البيئيّين فقط.
يشرح عيسى حديد فكرته بالقول: "يبادر الجزائريّ إلى الشّكوى من الاختلال المناخيّ، ولا يسأل عن مساهمته في ذلك بتخريب عناصر الانسجام البيئي. ويحرص على شراء المكيّفات الكهربائيّة ولا يسعى إلى الانخراط لي ثقافة تشجير المحيط العامّ".
وفي سياق نقد السّلوك البيئيّ في الفضاء الجزائيّ يطرح صاحب العديد من المسرحيّات الموجّهة للطّفل جملة من الأسئلة منها: "لماذا لا تتطرّق المؤسّسة المسجديّة بما يكفي للهواجس البيئيّة في البلاد؟ لماذا لا نملك أحزابًا خضراء في البرلمان الجزائريّ، في الوقت الذي تهيمن فيه على البرلمانات الغربيّة؟ لماذا لا تخصّص الحكومة ما يكفي من الأغلفة المالية لمواجهة الاختلالات الايكولوجيّة؟ لماذا لا يُطلق المثقفون نوادي البيئة ويمنحونها مضامين ثقافيّة وحضاريّة؟ لماذا لا ينخرط نجوم الفنّ الجزائريّون في حملات توعية عامّة.
عيسى حديد: علينا إنجاز حراك شعبيّ عامّ في مجال البيئة
ويختم محدّث "الترا جزائر" بالقول، إنّه علينا إنجاز حراك شعبيّ عامّ في مجال البيئة، "بحيث نصل إلى مرحلة ينتفض فيها المواطن عفويًّا ضدّ خراب بيئيٍّ معيّن، بالحرارة والحماس نفسيهما اللّذين ينتفض بهما لأجل الحليب والخبز، لأن توفّرهما أصلًا مرتبط بالسّلامة البيئية".
اقرأ/ي أيضًا:
أسواق العصافير في الجزائر.. حكايات محلقة
بيوت "الأميونت" في الجزائر.. حين يُقاسمك السرطان غرفة النوم