رغم منح الحكومة الجزائرية أهميّة لنشاط المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، إلا أن نشاط الجمعيات وبالخصوص في العمل الخيري يبقى تقليديًا معتمدًا على مساعدات عينية، ولا يتماشى مع التطور الذي تقوم به هذه الجمعيات في دول أخرى بمشاركتها في بعث مشاريع اقتصادية واجتماعية، أو إنجاز مؤسّسات مجتمعية كالمستشفيات الخيرية للمساهمة في معالجة بعض الأمراض المزمنة التي لا يتوفر علاجها إلا في مؤسّسات صحية متخصصة.
البروفيسور عدة بونجار: الجزائر تسجّل 2000 إصابة جديدة بالسرطان سنويًا ويمكن شفاؤها بنسبة 85 % في حال توفر شروط رعاية جيدة
وعند النظر إلى الحملات التضامنية التي تنظم عبر مختلف ولايات البلاد، يتضح أن الجزائري بطبعه إنسان يميل إلى المساهمة في المشاريع الخيرية، ومن السبّاقين إلى المساعدة، فالتبرعّات التي توجه لبناء المساجد أحسن دليل على ذلك.
إلا أن الفعل التضامني لم يتطوّر وفق حاجيات المجتمع بالمساهمة في بناء مؤسسات مجتمعية بعيدًا عن الدعم الحكومي ليشمل تشييد المستشفيات والمدارس وغيرها، فهل سيكون المستشفى الخيري بالبليدة البداية لهذا النوع من النشاطات الخيرية بالجزائر؟.
انطلاقة
شهدت ولاية البليدة في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر الجاري، وضع حجر الأساس لإنجاز "مستشفى الإحسان" الموجه لفائدة الأطفال المرضى بالسرطان، بادرت به جمعية البدر لمساعدة مرضى السرطان الخيرية، ليعتبر هذا المشروع الأوّل على مستوى البلاد في تخصص مطلوب متمثل في السرطان عند الأطفال.
وقال رئيس جمعية البدر لمساعدة مرضى السرطان الدكتور مصطفى موساوي إن فكرة هذا المشروع تعود إلى 2015 لما وضعت الجمعية جعل تجسيده ميدانيا ضمن أهدافها، وهو ما تجسد بعد حصولها على قطعة أرضية من قبل الولاية.
وأوضح موساوي أن إنجاز هذا الصرح الطبي يعتمد على تضامن و سخاء المواطنين والمجتمع المدني والمحسنين و المتبرعين، داعيًا الجميع إلى المساهمة في بنائه لتحقيقه على أرض الواقع في أقرب الآجال.
وأبرز رئيس اللجنة الوطنية للوقاية من مرض السرطان ومكافحته البروفيسور عدة بونجار الذي حضر مراسم وضع حجر الأساس أهمية هذه المبادرة الخيرية بالنظر إلى أنها تهدف إلى" التكفل الأحسن بالأطفال المرضى المصابين بأورام سرطانية"، وفق ما جاء في برقية لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وأشار بونجار إلى أن البليدة تتوفر على مركز جهوي واحد فقط لمكافحة السرطان، ويستقبل مرضى مختلف أنواع السرطانات من أكثر من 39 ولاية من الوطن، مما يجعل المشروع الجديد بعد دخوله حيز الخدمة مركزًا جهويًا لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان، وبالخصوص في ظل "النقص" المسجل في هذا الاختصاص على المستوى الوطني ككل، حيث لا توجد اليوم سوى مصلحة وحيدة بمستشفى باب الوادي بالعاصمة تتكفل بهذه الفئة وطنيا.
ولفت البروفيسور بونجار إلى أن الجزائر تسجل ألفي إصابة جديدة بسرطان الطفل سنويًا، والتييمكن شفاؤها بنسبة 85 % في حال توفر شروط رعاية جيدة.
صعاب
ثمن رئيس جمعية البركة الجزائرية أحمد الإبراهيمي هذه المبادرة ببناء مستشفى لسرطان الأطفال، لكن أشار في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن تشييد هذه المؤسّسة الاستشفائية أمرٌ ممكن، إلا أن الاستمرار في تسييرها هو التحدّي الأكبر الذي سيواجه الجمعية، لأن العملية تحتاج إلى ميزانية، لذلك من الضروري دراسة مختلف هذه الجوانب لتحقيق الأهداف المسطرة.
وقال الإبراهيمي" أرجو أن تكون الجمعية قد درست جيدا المشروع وتمويله ليبقى هذا نموذجا للعمل الخيري في الجزائر، لأنه في بلادنا لا توجد جمعيات لها مستشفيات تسيرها، فنرجو من الله أن يكون هذا المشروع نموذجا في الجزائر".
وما يثبت صعوبة هذه المهمة أن بعض الجمعيات عملت على القيام بمشاريع خيرية اجتماعية كبرى، لكن لم تستطع الاستمرار بالنظر للعوائق التي تواحجهها في هذه المهمة.
وأعلنت مؤسسة الشروق الخيرية عند تأسيسها في سنة 2017 عن إطلاق مشروع طبي خيري يقضي بإنجاز عيادات في مرحلة أولى بعدة ولايات من الوطن بالإضافة إلى مستشفى متكامل في مرحلة أخرى، حيث تكون البداية ببناء عيادتين ببومرداس ووهران يختصان بالقيام بالتحاليل والأشعة للمحتاجين مجانا.
تعديل
بالنسبة لأحمد الإبراهيمي فإن تسهيل تسيير هذا المستشفى الخيري، وتشجيع جمعيات أخرى على ولوج هذا المجال الموجود في عدة دول كمصر وماليزيا على سبيل المثال، يحتاج إلى تعديل قانون الجمعيات الساري المفعول حاليا، وذلك بالعمل على السماح للجمعيات بالاستثمار لتأمين مصدر نشاطها وعملياتها التضامنية، إضافة إلى حق الوقف وتكون لها مداخيل قارة، خاصة وأن عدة دول لها تجارب في هذه المجال.
وبيّن الابراهيمي أن تمكين الجمعيات الخيرية من تأمين دخل قار لها يمكنها من المساهمة في بناء جمعيات، وتسييرها ودفع الأجور للموظفين العاملين في المؤسسات الخيرية.
وفي رده على سؤال يتعلق بعدم تطور نشاط الجمعيات الخيرية في الجزائر، وبقائه في حيز معيّن، أوضح رئيس جمعية البركة الجزائرية أن هذه الفواعل المدنية تنشط في إطار تشريع ومضبوط ومحدد يسمح ببعض الأعمال ويرفض البعض الآخر حتى وإن كانت تندرج ضمن العمل الخيري التضامني.
وأشار إلى أن القيام ببناء مستشفيات كبيرة أو مؤسسات اجتماعية وازنة يتطلب إدارة مال خارج الإطار المحدد، وهذا يتطلب وجود قانون يحمي الجمعية لكي لا تكون محل أي ثغرة تضرب مصداقية المجتمع المدني.
ودعا الإبراهيمي إلى أن يذهب التعديل القانوني المنتظر، إلى خلق جمعيات متخصّصة، فتوكل مهمة بناء المستشفيات الخيرية للجمعية الصحية، والمسرح للجمعيات الفنية، وإرفاقه بحق الاستثمار لتحقيق النقلة النوعية المنشودة.
ويرى الإبراهيمي أن الوصول إلى هذه المشاريع يتحقق بكسر حاجز الخوف من هذا النشاط الخيري، والتي يجب أن تُضبط بقوانين وتخضع لمتابعة ومراقبة ومرافقة من قبل الحكومة لتطوير هذا المجال.
رئيس جمعية البركة الجزائرية لـ "الترا جزائر": بناء مستشفيات كبيرة أو مؤسسات اجتماعية وازنة يتطلب إدارة مال خارج الإطار المحدد، وهذا يتطلب وجود قانون يحمي الجمعية
من المؤكد أن المجتمع المدني أصبح اليوم شريكًا أساسيًا في تنفيذ السياسات التي تتخذها الحكومة في مختلف المجالات، إلا أن هذا الاهتمام لا يكفي وحده لجعل العمل الخيري والتضامن الذي تقوم به مختلف الجمعيات فعّالًا وذا جدوى، لذلك من الضروري التعجيل بتعديل قانون الجمعيات لسنة 2012 ليتواءم مع التغيرات التي يشهدها المجتمع.