انتعشت تجارة "الكابة" في الجزائر، أو ما يسميه المشارقة "الشنطة"، بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، مباشرة بعد رفع إجراءات الحجر الصحي في أعقاب اختفاء وباء كورونا سنة 2021، وعودة حركة السفر من وإلى الجزائر بشكل عادي بعد غلق دام قرابة سنتين.
الخبير الاقتصادي كمال ديب لـ "الترا جزائر": تجارة الكابة في الجزائر أضعفت الاقتصاد وألهبت سعر العملة الصعبة بالسوق السوداء
واغتنم العديد من "البزناسية" أو تجار السوق الموازية إجراءات تشديد الاستيراد التي انتهجتها السلطات لحماية المنتوج الوطني داخليًا، ليقوموا بإغراق السوق بنفس المواد ولكن مهربة عبر "الكابة" بضعف ثمنها سابقًا، وهو ما دفع بمصالح الجمارك أيضًا إلى تشديد الرقابة على كل ما يدخل الجزائر عبر الموانئ والمطارات.
وكمثال عن ذلك، وفي عملية نوعية بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حجز أعوان الجمارك على مستوى مطار الجزائر الدولي هواري بومدين، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، كميات معتبرة من البضائع كانت بحوزة مسافرين حاولوا تمريرها إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية، حسب ما أفاد به بيان للمديرية العامة للجمارك.
وذكر البيان أنّه "في إطار الجهود الميدانية الحثيثة للمصالح العملياتية للفرق الجمركية، تمكن مؤخرًا أعوان فرقة فحص المسافرين التابعة لمصالح مفتشية الأقسام للجمارك بمطار الجزائر الدولي، بإقليم اختصاص المديرية الجهوية للجمارك بالجزائر-خارجية، خلال معالجة الرحلات الدولية القادمة من وجهات مختلفة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، من حجز كميات معتبرة من البضائع كانت بحوزة مسافرين حاولوا تمريرها إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية".
"الكابة" خطر على الاقتصاد والمواطن
ويرى الخبير الاقتصادي، كمال ديب، أن تجارة "الكابة" في الجزائر تعدُّ أحد أكبر المخاطر التي تهدد الاقتصاد الوطني، مؤكّدًا: "ضَرَرُ هذه التجارة أكبر من نفعها."
وأضاف ديب أنّه "التجميد الذي طال عمليات الاستيراد خلال فترة كورونا، والذي استمر بعدها لعدة أشهر، فتح الباب على مصراعيه أمام تجارة "الكابة" في الجزائر"، وهو ما جعل هؤلاء التجار "يفرضون منطقهم في السوق من خلال الاستيراد غير المُقنّن والبيع بالسعر الذي تراه مناسبًا هي، لاسيما فيما يخص الهواتف النقالة وتحديدًا العلامات المكلفة مثل هواتف "آيفون"، وفق الخبير الاقتصادي.
وتابع محدّث "الترا جزائر" بأنّه "وفي ظرف قياسي بعد عودة حركة السفر من وإلى الجزائر سنة 2021 عادت مشاهد الحقائب الكبيرة والطرود الضخمة إلى مطارات وموانئ الجزائر، وانتعش نشاط بزناسية "الكابة" بشكل غير مسبوق، محملين بالملابس والأدوية والعطور والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات، وفي الكثير من الأحيان يختارون حمل ما قلّ وزنه وارتفع ثمنه."
وطِبْقَ تصريحات ذات الخبير الاقتصادي، فإنّ عودة تجارة "الكابة" في الجزائر للنشاط كان أمرًا منطقيًا ومنتظرًا، في ظل مساعي هذه الفئة لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح على كاهل المواطن البسيط، طارحين أنفسهم كبديل للاستيراد المقنن، الذي شهد غربلة لقائمة المستوردين وغلقًا نسبيًا لضرورة اقتصادية خلال الأشهر الماضية، رغم رفع القيود مؤخرًا.
وتسببت تجارة "الكابة" في الجزائر في ارتفاع أسعار بعض المواد ولهيب سعر صرف العملة الصعبة خاصة الأورو والدولار على مستوى السوق الموازية بساحة بور سعيد للعملة أو "السكوار" وبقية النقاط السوداء بمختلف ولايات لوطن.
كما أن الانعكاسات السلبية لهذه العملية المخالفة للقانون تظهر أيضًا عبر انتشار مواد غير مراقبة من حيث الجودة والنوعية والمكونات في السوق، ناهيك عن خسائر الخزينة العمومية جراء عدم تسديد هؤلاء المستوردين غير الشرعيين لأية رسوم أو ضرائب على خلاف المستورد النظامي، وهو ما دفع السلطات مؤخرا لتضييق الخناق عليهم.
الملابس.. المنتجات الغذائية والأدوية
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، هشام صفر، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن عمليات الاستيراد عبر "الكابة" تضمّ اليوم عددًا كبيرًا من المواد وتتضمن بالدرجة الأولى الملابس والأحذية والمجوهرات والساعات والعطور.
البرلماني هشام صفر: جِهاتٌ ترفض تقبّل تنظيم الاستيراد وشفافية التعاملات المالية بتشجيع تجارة "الكابة" في الجزائر
كما تضمّ قائمة المنتجات المعنية، يضيف صفر، مواد التجميل والمواد الغذائية بمختلف أصنافها كالمصبرات والحلوى والشوكلاطه والعلك والكعك والتوابل والعسل، إضافة إلى السجائر والتبغ بمختلف أشكاله والأدوية والمنتجات الصيدلانية والمكملات الغذائية.
وتحتوي القائمة أيضًا الاكسيسوارات المرافقة للتجهيزات وحتى ملحقات السيارات والهواتف والمعدات الكهرمنزلية والإعلام الآلي والتصوير.
ويعتبر النائب البرلماني صفر، أنّ معظم هذه العمليات تتم عبر الحدود الشرقية برًا للقادمين من تونس وأيضًا على مستوى المطارات للوافدين من دبي بالدرجة الأولى والموانئ للقادمين من فرنسا خصوصًا وأوروبا عمومًا.
ويشدّد المتحدث على أن هذه الظاهرة تشهدها الجزائر منذ ثمانينات القرن الماضي إلاّ أنّها اختفت نسبيًا في فترة معينة لتعاود البروز مؤخرًا بسبب بعض الجهات، التي ترفض تقبل إجراءات تنظيم الاستيراد في الجزائر وتمارس مقاومة ضدّ كل الخطوات النظامية التي تقرها السلطات لضمان شفافية التعاملات المالية.
حلول..
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية السابق بالمجلس الشعبي الوطني والخبير الاقتصادي الهواري تيغريسي في إفادة لـ"الترا جزائر" إنّ تجارة "الكابة" في الجزائر باتت ميزة خاصة للتجارة الجزائرية، وتحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى تهريب مُقنّن للعديد من المواد إلى السوق الوطنية.
ورغم كثرة النصوص المنظمة للاستيراد في البلاد والصرامة المنتهجة على مستوى الموانئ والمطارات إلا أنّ "الكابة" تدخل يوميًا السوق، وبكميات كبيرة، ولم تعد تقتصر على الحقائب الخاضعة للتفتيش في المطارات والموانئ وإنما أيضًا الحاويات التي تعتمد استيراد منتجات إضافية دون إدراجها.
ويشدّد تيغريسي على أن تجارة "الكابة" في الجزائر تفاقمت قبل سنوات بعد تفعيل الكثير من القوانين الخاصة بقطاع التجارة والتي تفرض خناقًا على عمليات الاستيراد، لذلك فالحل في نظره لقمعها، المسارعة إلى توفير هذه المنتجات _ أي المستوردة عبر "الكابة" _ محليًا سواء بالإنتاج أو الاستيراد النظامي، وأيضًا استقطاب الاستثمار.
تيغرسي: توفير كاميرات رقمية وأجهزة مراقبة متطوّرة بالمعابر الحدودية من شأنه كبح التجارة الموازية وبالأخص ما يعرف بـ"الكابة"
وذهب المتحدث أبعد من ذلك قائلًا: "هناك منتجات تدخل السوق الجزائرية بطريقة احتكارية وغير قانونية وتصبح مرغوبة من طرف الزبائن في حين يركز تجار "الكابة" على استيرادها لمواجهة نقص المنتوج على المستوى المحلي".
وحسب تيغريسي فإن "الكابة" التي كانت موجهة سابقًا حصريًا لاستيراد الملابس، أصبحت اليوم مخصصة لجلب كافة المواد من الخارج دون استثناء بما في ذلك المنتجات الغذائية، حيث أن محاربتها يفرض أيضًا القضاء على السوق الموازية، ومراجعة سياسة التصدير والاستيراد وغربلة جديدة لقائمة المواد الممنوعة من الاستيراد إلّا برخصة وحتى لقائمة المواد المدرجة ضمن الرسم الإضافي المؤقت.
كما دعا محدث "الترا جزائر" لتوفير كاميرات رقمية وأجهزة مراقبة سكانير محدثة بأجود التقنيات وأكثرها تطورًا، لضمان جودة عمليات الرقابة والتفتيش لاسيما بالمناطق الحدودية، وهذا حفاظًا على الأمن الوطني وضمان دخول فقط السلع ذات الجودة للسوق الجزائرية وبطرق نظامية.
ويطالب أيضا النائب السابق تيغريسي بمحاربة الاحتكار وإعادة رسم خارطة وطنية للاستيراد ومعالجة إشكالية الصرف في الجزائر وتطوير رقمنة الدفع لمتابعة كل شخص مشتبه به، وتذليل العقبات التي تواجه المواطن، مع العلم أنه عوض منع المنتجات من الاستيراد، يجب منع المضاربة ومحاربة السوق الموازية.