06-يونيو-2024
(الصورة: فيسبوك) أحزاب الائتلاف

(الصورة: فيسبوك) أحزاب الائتلاف

يبدو أن ملامح السباق السياسي في الجزائر نحو دعم الرئيس عبد المجيد تبون قد انطلق فعلًا، حتى وإن لم يُلعن الرئيس عن ترشحه بعد، حيث بات هذا السباق يبرز بشكلٍ لافت هذه الأيام، وأصبحت الأحزاب "تسرع" خطى تقديم الدعم للحاق بقطار "التحالفات الحزبية" قبل استدعاء الهيئة الناخبة في السابع حزيران/جوان الجاري.

تُبرز  التكتلات السياسية باتجاه الرئيس كمرشح في الانتخابات الرئاسية وجود صراع على التموقع في المرحلة المقبلة

قبل أن يعلن الرئيس ترشحه للانتخابات، بدأت الأحزاب التي لن تقدم مرشحًا عنها، في المنافسة للتموقع من أجل دعمه، وذلك في سياق من يُمسك بزمام تزعم المساندة، إذ من المتوقع أن يعلن ائتلاف حزبي جديد يضم 10 أحزاب تقوده حركة البناء الوطني عن تشكيل تحالف انتخابي يدعم ترشح الرئيس عبد المجيد تبون لولاية رئاسية ثانية.

وبحسب مسودة الوثيقة التمهيدية التي حصلت عليها "الترا جزائر" والتي وزعت على الأحزاب الـ 10 بينها حزب "الفجر الجديد" وحزب "الجزائر الجديدة" وحزب "الكرامة" فإن هذا التكتل السياسي الجديد، يفيد بـ"أهلية الرئيس تبون كرجل للمرحلة المقبلة، وإعلان دعمه لولاية رئاسية ثانية".

وبصرف النّظر على الخطاب الذي تلوح به هذه الأحزاب إعلاميًا، كدعم الرئيس في مسعاه حول مسألة إتمام المشاريع التي أطلقها خلال الأربع سنوات، تشير الوثيقة التّمهيدية إلى تفاهمات حول حصاد تقييم المرحلة والولاية الأولى لتبون وتقديرها بشكل إيجابي على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي، وتقديم كل حزب لحصيلة إيجابية لمخطط الرئيس الانتخابي في العهدة الأولى منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في نهاية عام 2019، كمقدمات تفسر توجه التكتل نحو دعم تبون، ومساندته سياسيًا في قادم الأيام وحتى قبل الحملة الانتخابية.

من جهته، تطمح قيادة حزب الفجر الجديد" إلى أنّ تكون المساندة للرئيس تبون سواءً من الأحزاب والتحالفات قوية في قادم الأيام، وذلك على اعتبار أن الأهم تشجيع الاستمرارية واتمام مختلف المشاريع التنموية للجزائر"، ويقول الناشط في الحزب، كريم بن مولى، في تصريح لـ" الترا جزائر" إن المرحلة الحالية تستدعي كل الجهود والمساهمات الفعلية للرفع من وتيرة المنجز الاقتصادي والاجتماعي.

وفي سياق سياسي متحرّك بفعل "المرحلة الانتخابية"، يشير إلى أن كل المؤشّرات الداخلية والأوضاع الخارجية، تستوجب الالتفاف حول مشروع الرئيس، بحسب، بن مولى، وتفرض أيضًا تقديم له كل لدعم خلال المرحلة القادمة، لافتًا إلى أن المشاريع التي نفذها هي استجابة لآمال فئات كثيرة في المجتمع الجزائري.

حرب الزعامة

المنافسة في دعم الرئيس عبد المجيد تبون، للترشح لعهدة ثانية، تحتدم، وبرزت التحالفات منذ أول اجتماع بين الرئيس تبون وعدد من الأحزاب، في الـ 12 أيار/ماي الماضي، إذ تسارعت الأحزاب المحسوبة على " الموالاة" في جس النبض في إطار ابحث عن إيجاد غطاء سياسي يمكن أن يكون "جدار " دعم للرئيس، وكان أولها تحالف حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحركة البناء الوطني وجبهة المستقبل الذي سمي بـ" ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر ".

وبعد أسبوع من تشكيل توليفة الدعم للرئيس، لأحزاب محسوبة على الموالاة، تفجر الائتلاف بعد أن جمدت حركة البناء الوطني عضويتها في التحالف بعد الانتقادات الحادة التي وجهها أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم مبارك، لها بعد "خرقها للاتفاق" ومسارعتها لترشيح تبون، بشكلٍ منفرد.

بغض النظر عن الهشاشة الهيكيلية والتنظيمية للأحزاب المشكلة لهذا التحالف الثاني لدعم الرئيس، يؤكد متابعون للشأن السياسي في البلاد إلى أن تشكيل هذا التحالف الحزبي يدخل في سياق الصراع السياسي القائم بين حركة البناء الوطني وجبهة التحرير الوطني بشأن تصدر جبهة الموالاة ومساندة تبون.

علاوة على ذلك، فإن الصراع على تصدّر المشهد المؤيّد لتبون فجّر سريعًا "الائتلاف من أجل الأغلبية الرئاسية" الذي ضمّ كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني، على الرغم من مرور أقل من أسبوع عن تشكيله.

في مقابل ذلك، يعطي هذا "الائتلاف الحزبي" صورة سيئة على المشهد الديمقراطي في الجزائر، حسب متابعين، وبدل أن تكون هناك أحزاب تتنافس على الحكم بشكل ديمقراطي عبر آليات الانتخاب المعروفة، فإن اصطففاها لدعم الرئيس تبون، يعطي صورة معاكسة للتقاليد الديمقراطية في اختيار الرئيس، بل يوحي بوجود ضغوط من السلطة وعملية تدجين للأحزاب للدعم رئيس واحد لا غير.

صراع على التموقع

الملفت للنظر، أن التكتل الجديد بقيادة حركة البناء الوطني، أرجأ إعلان تزكيته للرئيس تبون لولاية رئاسية ثانية، إلى ما بعد استدعاء الهيئة الناخبة، وانتظار الرئيس إعلان ترشحه، بخلاف ما حصل قبل ذلك، عندما سارع رئيس الحركة، عبد القادر بن قرينة، التي تقود هذا التحالف الجديد، إلى إعلان تزكيتها للرئيس، ويبدو أن هناك إشارة رسمية لهذه الأحزاب بتأخير إعلان التزكية إلى ما بعد استدعاء الهيئة الناخبة.

وفي هذا الشّأن، هناك عدة ملاحظات رئيسية، سجلتها " الترا جزائر" من خلال تجارب التحالفات التي سبق للطبقة السياسية أن خاضتها في استحقاقات سابقة في السنوات الماضية، أن هذه التحالفات المؤيّدة للرئيس، تتصارع على مساحات الدعم، كملاحظة أولى في إطار محاولة افتكاك تصدّر الحملة الانتخابية لفائدة تبون.

أما الملاحظة الثانية، فإن هذه التحالفات تضغط في الآن نفسه، على الرئيس لدفعه للترشح باسم حزام حزبي واسع بدلاً من تقديم نفسه كمرشح مستقلّ يمثّل المجتمع المدني.

أما الملاحظة الثالثة، فتبرز أن توالي التكتلات السياسية باتجاه الرئيس كمتنافس في الانتخابات، تفيد بوجود صراع على التموقع في المرحلة المقبلة، والتحضير المبكر للاستحقاقات السياسية القادمة بما فيها للانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة.

بينما هناك ملاحظات أخرى لا تقلّ أهمية عن السابقة، تؤكد، بأن إصرار حركة البناء الوطني على تزعم التكتلات لدعم الرئيس تبون، سيخلق جدلاً كبيرا في الساحة السياسية، خصوصا وأنها تريد أن تبقي التحدث باسم الاستمرارية بين مختلف التكتلات الحزبية في الانتخابات المقبلة.

وسبب ذلك، يرجح أنه راجع إلى خروج رائحة انفلات عقد تحالفها مع الأغلبية الرئاسية لأنه الصراع بينها جرى على الزعامة، في مقابل وجود تحالف سياسي آخر، بعنوان" الاستقرار والإصلاح" الذي رشح في أيار/ مايو الماضي رئيس حزب التحالف الجمهوري، بلقاسم ساحلي، للمنافسة الرئاسية، ويضم كل من الأحزاب "التحالف الوطني الجمهوري"، وحزب "التجديد والتنمية" و"الاتحاد من أجل التجمع الوطني" و"الحزب الأخضر للتنمية" و"حركة الوطنية للعمال الجزائريين".

حملة الرئيس

وفي هذا الإطار، كشف الباحث في العلوم السياسية، عبد الله بوساحة، بأن الصراع سيمتد إلى غاية إعلان الرئيس الترشح وتحت أي غطاء سياسي، خاصة وأن كل التصريحات التي أدلى بها تبون تفيد بأنه يرفض تكرار المشهد السياسي الذي عهدته الجزائر في العقدين الأخرين، خصوصًا أمام دعمه الكبير لمكونات المجتمع المدني وجعلها قاطرة قوية لدعم سياسته ومخططاته.

وحرصًا منه على المضي في ترسيخ أساليب سياسية جديدة، قال الأستاذ بوساحة، إن أساليب العمل السياسي لأطراف التحالفات الموجودة لحد الآن، لم تخرج بعد من الأطر التقليدية للأحزاب الناشطة في الساحة السياسية، وحسب ما أكده لـ" الترا جزائر" أنها فاقدة للأساليب الحديثة في الاتصال السياسي والإقناع والتعبئة الميدانية، بغية توسيع القاعدة الشعبية للتحالف.

الأستاذ عبد الله بوساحة لـ "الترا جزائر": أساليب العمل السياسي لأطراف التحالفات الموجودة لحد الآن، لم تخرج بعد من الأطر التقليدية للأحزاب الناشطة في الساحة السياسية

وفي الأخير، هل ستحافظ هذه التحالفات على تماسكها، وأن تكون قاعدة توفر للرئيس الدعم بصورة دائمة ومريحة للاستمرار في السلطة؟ أم أنها ستكون واجهة فقط لتعبئة انتخابية تنتهي صلاحيتها بمجرد انتهاء الاقتراع الرئاسي؟ هذا إذا علمنا أن القواعد الشعبية لهذه الأحزاب مشاركتها ضعيفة في التشريعيات، وفق الإحصائيات الرسمية.