أصدرت الحكومة في الفترة الأخيرة عدة تشريعات تخص ميدان الصيد البحري بهدف تطوير هذا القطاع لجعل مساهمته في اقتصاد البلاد أكبر، ومعالجة المشاكل التي تعترض تقدمه وجعل الإنتاج المحلي للأسماك يلبي الطلب الوطني، وتمكين العائلة الجزائرية من استهلاك جعل مختلف المنتجات الصيدية بأسعار تتناسب مع قدرته الشرائية، على عكس ما سجل في السنوات الأخيرة التي أصبحت فيها الأسماك ممنوعة على كثير من الأسر، وبالخصوص ذات الدخل المنخفض، وأحيانا حتى المتوسط.
فادي تميم لـ"الترا جزائر": تهديدات وزير التجارة بفتح مجال استيراد الأسماك ساهم في خفض الأسعار
ورغم طول الشريط الساحلي الجزائري، إلّا أن نصيب الفرد من المنتجات السمكية يبقى بحسب مختصين ضئيلًا، الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير إضافية لرفعه، فهل ستساهم هذه التشريعات الجديدة في خفض الأسعار وضبطها لتكون المنتجات البحرية في متناول المواطن الجزائري ذي الدخل الضعيف.
اهتمام
يظهر الاهتمام المتزيد بقطاع الصيد البحري من قبل الحكومة أنه أصبح من بين الملفّات التي تعطي لها الأولوية في خططها الاقتصادية، حيث صار أحد القطاعات التي تدرسه في اجتماعاتها الأسبوعية بصفة متكررة، وإن اختلفت الجوانب المعنية بالبحث والنقاش سواء تعلقت بالوضعية المهنية للصيادين أو التشريعات المنظمة لهم أو توفير أدوات ممارسة هذا النشاط الاقتصادي.
وفي انتظار أن يدرس على مستوى مجلس الوزراء في قادم الأسابيع، تدارست الحكومة منتصف شهر أغسطس أوت الماضي مرسوما تنفيذيًا يحدد شروط وكيفيات ممارسة الصيد البحري، من أجل ترقية المنتجات الصيدية و تطوير الصيد في أعالي البحار.
وقبل هذا التاريخ بشهر، كانت الحكومة قد استمعت الحكومة "في إطار متابعة تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية المتعلقة بتنمية المنتجات الصيدية إلى عرض حول إستراتيجية تطوير تربية المائيات والصيد البحري في آفاق 2030 الرامية إلى تحسين تموين السوق الوطنية بمنتجات الصيد البحري, بما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي, بالإضافة إلى بحث سبل تعزيز الإطار التنظيمي المتعلق بكيفيات ممارسة نشاط الصيد البحري خاصة في جوانبه المتعلقة بتشجيع الصيد في أعالي البحار وإعادة تأطير مناطق الصيد البحري"، وفق ما جاء في بيان لمصالح الوزير الأول.
وكانت وزارة الصيد البحري قد دعت في أيار/ماي الماضي الصيادين ومجهزي سفن الصيد البحري الراغبين في الاستفادة من التدابير المتعلقة باستيراد محركات السفن المستعملة أقل من خمس سنوات، التي تضمنها قانون المالية لسنة 2024، إلى التقرب من مصالحها عبر التراب الوطني، من أجل الاستفسار وإيداع الملفات.
وبينت الوزارة أن هذا الإجراء الذي يكتسي "أهمية كبيرة " سيساهم في "حل مشاكل العديد الصيادين ومجهزي السفن، بالنظر إلى الأعطال الميكانيكية الكثيرة التي تعاني منها خاصة السفن القديمة"، إضافة إلى المساعدة في "الرفع من مردودية أسطول الصيد البحري وحجم الإنتاج السمكي الوطني"، وفقا للمصدر ذاته.
دعم وزاري
بالنسبة لمدير التنظيم والمنازعات و الترقية الاجتماعية والمهنية بوزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية لخضر عليان، فإن هدف هذه التشريعات هو دفع الإنتاج السمكي في الجزاء سواءً من خلال القوانين المتخذة من قبل الوزارة المعنية أو عبر التدابير المتخذة من قبل القطاعات الوزارية الأخرى، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر".
وبين عليان أن "التدابير الأخيرة تتعلق بالأساس بتقوية الأسطول من خلال إمكانية سفن استيراد لأقل من 5 سنوات، واستيراد المحركات على حالتها المستعملة لأقل من خمس سنوات ، إضافة إلى تدابير تحفيزية مباشرة تتعلق بإقرار علاوات لمنتجي سمك البلطي".
وفي 27 آب/أوت الماضي، تمت أول عملية استفادة من العلاوة التحفيزية الموجهة لمنتجي سمك البلطي (التيلابيا)، المقدرة بـ 50 دج عن كل 1 كيلوغرام منتج منه، لصالح شركة "كوسيدار زراعة" بولاية خنشلة، وذلك بعد أيامًا قليلة بعد صدور القرار الوزاري المشترك المحدد لشرط الاستفادة من هذه العلاوة.
وأضاف عليان أن الإجراءات الأخرى المتخذة هي تدابير هيكلية تسعى إلى هيكلة نشاط الصيد البحري بما يساعد المهنيين على المساهمة في رفع قدرات الإنتاج.
تطوير
على عكس الارتفاع الكبير الذي سجل طول سنة 2024، عرفت أسعار الأسماك وبالخصوص السردين انخفاضًَا في الأسابيع الماضية، وفق ما تؤكده تقارير وزارة الصيد البحري، وهو الأمر الذي يمكن معاينته في أسواق شعبية عديدة عبر ولايات الجزائر، وبالخصوص الساحلية منها.
وقال المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم لـ"الترا جزائر" إن "التهديدات الأخيرة لوزير التجارة المتعلقة بفتح مجال استيراد الأسماك في حال لم تنخفض أعطى مفعولًا إيجابيًا في السوق فلاحظنا انخفاضًا في الأسعار".
وقال وزير التجارة الطيب زيتوني، خلال إشرفه قبل أيام على افتتاح المتجر التجاري الكبيرة "فورويكس"، إنّه "من العيب أن تستورد الجزائر سمك السردين وهي تمتلك خيرات منه"، مبينا أن "أسعار هذا النوع من الأسماك تتراوح بين 900 دج و1700 دج".
وهدد وزير التجارة بأنّه " سنكون مرغمين لتكسير المحتكرين باللجوء إلى الاستيراد مثل تجربة الدجاج".
وتابع زيتوني "المواطن الجزائري يحب تناول هذا النوع من السمك باعتباره في متناول الطبقة الفقيرة؛ ولكن بصراحة 900 دج ليست في متناول الفقير بعد أن كان طبقًا خاصًا بالطبقة الفقيرة."
ولفت فادي تميم إلى أنه استجابة لدعوة الوزير، قامت الغرفة الوطنية للصيد البحري بفتح البيع المباشر من الصيادين للمستهلكين بلاوسط في إطارالبيع التضامني الذي يتزامن مع الدخول المدرسي، وهو ما سهم في انخفاض أسعار السردين إلى 350 دينار للكيلوغرام الواحد.
وأوضح فادي تميم أنه بالرغم من طول الشريط الساحلي الجزائري إلا أن أسعار السمك لا تعرف الاستقرار، مبينًا أن ذلك يرجع إلى عوامل عديدة، فإضافة إلى الإقرار بوجود معيقات طبيعية، توجد جوانب أخرى كضعف أسطول الصيد البحري مقارنة بطول الشريط الساحلي، وبدائية الصيد في الجزائر كونه ما يزال يمارس بطرق تقليدية، بالنظر إلى عدم وجود مستثمرين وشركات كبرى تنشط في هذا القطاع، إضافة إلى استيلاء أصحاب المصالح على السوق والذين يتحكمون في السلسلة التجارية خلال بالمزايدات التي تتم في الموانئ، الأمر الذي يجعلهم يتحكمون في الأسعار كما يشاؤون.
لخضر عليان لـ "الترا جزائر": التدابير الأخيرة تتعلق بالأساس بتقوية الأسطول من خلال إمكانية سفن استيراد لأقل من 5 سنوات
ويربط ممثل جمعية المستهلك توفير الأسماك بأسعار منخفضة للجزائريين بتطوير قطاع الصيد البحري وأسطول الصيد وطرق الصيد والاستثمار بشركات كبرى حيث ما يزال في الجزائر يمارس كحرفة يتوارثها الأجداد، وهو ما ينبغي تجاوزه لتحقيق معدل نمو حقييقي في هذا القطاع.