08-نوفمبر-2024

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تعهّدت الحكومة الجزائرية باتخاذ إجراءات جديدة لتنظيم عملية الاستيراد بهدف المزاوجة بين تقليص  فاتورة هذه العملية التجارية، وتوفير السلع والقضاء على المضاربة التي تحدث في بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع في آن واحد، وهي المهمة التي تبدو غير سهلة في ظلّ ازدياد الطلب المحلي وعدم قدرة السوق الداخلية على توفير بعض السلع، فكيف ستتعامل الحكومة مع هذه المعادلة التجارية الصعبة؟.

 جمال الدين نوفل شريف لـ"الترا جزائر": المواد الأولية نواة الصناعة، لذلك فإن منعها يعتبر تعطيلًا للقطاع

وتحاول الحكومة بشتى الطرق أن تحافظ على العلامة الإيجابية في الميزان التجاري، لكن ذلك يجعلها تصطدم بازدياد الطلب المحلي على بعض السلع المستوردة، وعدم كفاية المنتوج المحلي، الأمر الذي جعل اللجوء إلى تنظيم الاستيراد من الأولويات التي تعمل على حلها في القريب العاجل.

تحرير

في اجتماع مجلس الوزارء ، استمع الطاقم الحكومي لعرض يتعلق بتدابير ضبط ومتابعة عمليات الاستيراد، حيث أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بعدم منع أي عملية استيراد للمواد الأولية التي تُستخدم في سلسلة الإنتاج والصناعات الحيوية، على أن تخضع باقي عمليات الاستيراد للترخيص المسبق.

وقال تبون إن "الجزائر لم ولن تمنع الاستيراد، وتلجأ إليه فقط في حالات الضرورة، من أجل تشجيع الإنتاج الوطني على الازدهار والتطور وحمايةً لاحتياطاتها المالية بما يقوي اقتصادها ويحافظ على استقرارها.

إلى هنا، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر جمال الدين نوفل شريف لـ"الترا جزائر" إن "المواد الأولية نواة الصناعة، لذلك فإن منعها يعتبر تعطيلًا للقطاع، و هذا القرار يعمل على تشجيع المنتوج الوطني"، مبينًا أن من الضروري أن "يكون استيراد المنتوجات تامة الصنع حسب احتياجات السوق لتغطية العجز وللحفاظ على قدرة الشراءية لكن بشكل المعقول للحفاظ على المنتوج الوطني و للحفاظ على العملة الصعبة".

أوضح وزير التجارة الطيب زيتوني في مقابلة مع التلفزيون الجزائري الحكومي شهر حزيران/جوان الماضي إن الجزائر لم توقف الاستيراد يومًا، بل اعتمدت مبدأ ترشيد وارداتها بالموازاة مع التطور الذي يشهده الإنتاج الوطني، مشددًا على أن الجزائر بلد سيد ولا يحتاج إلى إملاءات.

وبيّن زيتوني إن الجزائر لا تستورد ما تنتجه، لكن المنتجات التي لا تنتجها البلاد تستوردها والدليل أن وارداتها تبلغ سنويا 45 مليار دولار منها أكثر من 22 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي".

ترشيد

بالنسبة لوزير التجارة، فإن الخطوات المتخذة من طرف الجزائر لا تعني مطلقًا الانغلاق التجاري على البلاد، بل إنما هي العمل بـ "سياسة ترشيد الاستيراد"،  مبينًا أن حماية الإنتاج المحلي ليست جزائرية فقط بل يتم العمل بها عبر كافة دول العالم، على غرار أميركا والصين والفضاءات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي.

والثلاثاء الماضي أكد زيتوني أن الدولة ملتزمة بضمان وفرة و ضبط أسعار المنتجات واسعة الاستهلاك، خلال حديثه عن الندرة والارتفاع الدي شهدته مادة القهوة في الفترة الأخيرة، وذلك للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين من خلال وضع حد لممارسات الوسطاء و المضاربين، الذين تسببوا في إحداث تقلبات في سوق القهوة و الذين تم تحديدهم، على حد تعبيره.

وشدّد الوزير على التزام الحكومة بترشيد الاستيراد، من خلال "عدم التسامح" في هذا الإطار، لافتًا إلى أن أحكام المرسوم التنفيذي رقم 24ـ279 المؤرخ في 20 أغسطس 2024 المحدد للسعر الأقصى للقهوة عند الاستهلاك و هوامش الربح القصوى عند الاستيراد و كذا عند التوزيع بالجملة و التوزيع بالتجزئة، قد تم تطبيقها "حرفيًا".

وأشار الوزير إلى  أن استيراد هذا النوع من المنتجات، لاسيما القهوة، سيكون من الآن متاحًا للمتعاملين العموميين على غرار مجمع الصناعات الغذائية (أغروديف)، وذلك للتأكيد أن الحكومة لا تمنع الاستيراد مثلما يتهمها البعض وبالخصوص المستفيدين من سياسة التحرير الكلي لعملية إدخال السلع إلى البلاد.

وتعتمد الدولة رخص الاستيراد لمراقبة هذه العملية وحماية المنتوج الوطني من المنافسة غير الشريفة.

ويرى الدكتور جمال الدين نوفل شريف أن استمرار الحكومة في العمل بنظام رخص الاستيراد لا يؤرتبط فقط بضبط الواردات، وحماية المنتوج الوطني من أي عملية إغراق للسوق بمنتجات أجنبية، إنما يرتبص أيضًا بالقضاء على تهريب العملة وتضخيم الفواتير، وبالخصوص أن التجربة أثبتت أن بعض المواد المستوردة وحتى المدعّمة منها يعاد تدويرها وتهريبها إلى الخارج لتحقيق مصالح ضيقة على حساب الخزينة العمومية

وأشار دكتور الاقتصاد بجامعة الجزائر إلى أن نظام الرخص يصنف ضمن آليات الحماية الجمركية للمنتوج الوطني، وهو ما ينعكس ميدانيًا بتشجيع المستثمرين  على خلق مشاريع جديدة وخاصة في ظل  التحفيزات والإجراءات التي تضمنها قانون الاستثمار الأخير.

موازنة

من خلال تصريحات مختلف المسؤولين الجزائريين، يتضح أن الحكومة مدركة لحاجة البلاد إلى الاستيراد في الوقت الحالي بالنسبة لبعض القطاعات الضرورية سواء كانت متعلقة بالجانب الاستهلاكي للمواطنين أو الميداني الصناعي للمستثمرين، إلا أنها تحرص في كل عملية استيراد أن تحافظ على الموازنة بين  قيمة الصادرات والواردات، للحفاظ على ميزاني تجاري إيجابي للبلاد.

ويظهر هذا الحرص في مشروع قانون المالية لسنة 2025 الذي توقّع أن تستورد الجزائر فيه ما قيمته 46.07 مليار دولار  في  العام الداخل، لكن مع صادرات تتعدى مبلغ 50.9 مليار دولار، ما يجعل البلاد تحقق لعام جديد فائضا في ميزانها التجاري يصل إلى 4.83 مليار دولار.

وقال وزير المالية لعزيز فايد إن الجزائر ستسجل فائضًا في ميزانها التجاري بنهاية 2024 بقيمة 2.8 مليار دولار.

ورغم استفادة موازنة البلاد من الارتفاع المستمر لأسعار النفط في تحقيق فائض تجاري هذا العام، إلا أن سعي الحكومة للتقليل من الاستيراد ببعض مشاريع محلية يساهم هو الآخر في تنظيم وضبط هذه العملية التجارية، وهذا يسهم بدوره في تحقيق هذه الوضعية للميزان التجاري الجزائري

إلى هنا، رُفع التجميد عن 982 مشروعًا استثماريًا بقيمة تقدر بحوالي13.8 مليار دولار، وذلك بهدف جعل اقتصاد  البلاد مفتوحًا على مختلف المبادلات مع الخارج مع الحفاظ غي الوقت ذاته على المنتج الوطني وحمايته حتى ينافس داخليًا وفي الأسواق الدولية.