لا تزخر مدينة جانت الواقعة بولاية إليزي جنوب شرقي الجزائر، بأجمل مغيب للشمس في العالم فقط على حد تعبير بعض السياح، ولا بعيد "السبيبة" التقليدي الذي يحتفل به في اليوم العاشر من شهر محرّم من كل سنة (عاشوراء) فقط، ولا بمواقعها الأثرية ومتاحفها الطبيعية المفتوحة على الهواء ولا بصحرائها الشاسعة والرسومات المنقوشة في صخور وكهوف الطاسيلي، ولكن تشتهر أيضا بثلاثة قصور عمرها آلاف السنوات.
يعتبر قصر "تغورفيت" أحدى أجمل وأقدم قصور مدينة جانت، وتعود تسميته نسبة إلى إحدى قبائل المنطقة ويعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 9 قرون
قصور "أزلواز" و"الميهان" و"أجاهيل".. ثلاث تحف تنتصب شامخة بمدينة جانت الساحرة الملقبة بعاصمة الطاسيلي ولؤلؤة الصحراء الجزائرية، فماذا نعرف عن هذه القصور العتيقة التي تشكل جزء هامًا من المقومات السياحية بهذه المدينة وموروثها الحضاري والثقافي وقبلة السواح والوفود الأجنبية والمشاهير.
القصور أو "إغرمان" كما تسمى باللهجة التارقية المحلية، شيّدت على ضفاف وادي "أجريو" وبعناية كبيرة، لا يُعرف تاريخ بنائها بالتدقيق ولكن رّجح خبراء أنّ عمرها بين سبعة وتسعة قرون وأقدمها قصر "الميهان" وعمره تسعة قرون.
القصور الثلاثة: "أزلواز" (شمال جانت)، "الميهان" (وسط) و"أجاهيل" (جنوب) صنّفت كتراث وطني محمي في العام 2018، لتجتمع ثلاثتها في واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في الجزائر والعالم الطاسيلي ناجر، وتعتبر ذاكرة تراثية وذاكرة النسيج العمراني بجانت. فضلا عن ذلك تعدّ مقصد السواح والشخصيات والسفراء والمشاهير، ولعلّ أبرز من زارها نجم كرة القدم الفرنسية السابق زين الدين زيدان الذي زارها في 2009 عندما كان سفيرًا للنوايا الحسنة.
تحتل القصور الثلاثة موقعًا استراتيجيًا في منطقة أو واحة جانت، التي تتسم بمناخ معتدل في فصلي الشتاء والربيع، حيث يتقابل قصري "الميهان" و"أزلواز"،ويقعان في ضفة واحدة فوق واحات النخيل ووادي "أرجرو"، أمّا قصر "أجاهيل" فيقع في الضفة الثانية من الوادي ويقبع أسفل سلسلة جبلية يقال أنّها مليئة بالذهب.
"أزلواز": يقع شمال شرق واحة جانت، واسمه يعني ما قبل المغيب، وهو قصر مترامي الأطراف على هضبة مرتفعة أسفلها واحات النخيل، قد تستغرب من طريقة بنائه، فهذا القصر مشيّد على الصخور والصعود إليه بسبب الانهيارات التي شهدها في السنوات السابقة يبدو صعبًا في بعض الأماكن، لاسيما وأنّ الأتربة والصخور المتساقطة أغلقت الممرات وردمت بعض منازله.
فضلًا عن ذلك لم يراع كثير من السكان قيمته التاريخية والتراثية وأدخلوا تغييرات على مستوى البناء والهندسة باستعمال مواد بناء حديثة كالآجر والإسمنت والطلاء، ما أفقده بريقه وشكله التقليدي. إلى جانب ذلك جزءٌ كبير من أسقف منازل قصر "أزلواز" لا أثر لها، وجدران بيوته مهدمة وممراته يحاصرها الركام والصخور..وهذا رغم عمليات الترميم التي تم القيام بها ولكن لم تصمد مع مرور الوقت.
أجاهيل: قصر عتيق مبني بالطين والخشب (جريد النخيل)، يروي تاريخ وأساطير جانت، يتميز إلى جانب هندسته الفريدة بمدخله الرئيسي الجميل الشكل والتصميم ووجود منبع مائي وواحة خلاّبة وفقّارة (نظام سقي قديم) عتيقة وبعض المنتجات الحرفية التقليدية، لا يزال يقاوم عوامل الطبيعة وبطش الإنسان، فبعض أجزائه تدهورت، في حين بقيت أخرى تحافظ على شكلها وصامدة أمام مختلف العوامل، وخاصة التعديلات التي أضافها السكان الوافدون إليه دون مراعاة لهندسته التقليدية الأصلية، ومغيّرين في مواده الأصلية باستعمال الاسمنت والجبس، ما شوّه شكله وأفقده بريقه التاريخي والتراثي. ناهيك عن ذلك تحاصره الأوساخ والنفايات من كل جهة، رغم وجود سكان به وأغلبهم من الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
"الميهان": أقدم وأروع القصور ويعرف بقصر "تغورفيت"، نسبة إلى اسم إحدى قبائل (عروش) المنطقة وعمره أكثر من تسعة قرون، بحسب خبراء، وهذا القصر تقل أضراره عن القصرين السابقين، بفعل الترميم الذي شهده والعمل الكبير الذي تقوم به الجمعية الثقافية "تغورفيت" في المحافظة عليه وجعله قبلة للسواح وفضاء لاحتضان مختلف النشاطات الثقافية والفنية.. في ثناياه تاريخ مدفون يبهر الزائرين.
القصور في أرقام:
-أجاهيل: مساحته الإجمالية 9.214 متر مربع، نسبة استيعاب السكان 42 بالمائة، والوحدات المشغولة عددها ضئيل جدا.
-أزلوزا: قصر يتربع على مساحة 36.897 متر مربع، نسبة الكثافة السكانية التي يمكنه استيعابها 88 بالمائة، لكن الوحدات المسكونة تقدر بـ21 وحدة فقط.
يعتبر قصر الميزان أقل القصور التي تعرضت إلى أضرار بفعل الزمن أو من خلال التعديلات التي أدخلت على هذه المعالم الأثرية بالمنطقة
-قصر الميزان: أقلّ القصور ضررًا، مساحته 14.946 متر مربع، الكثافة السكانية التي يمكن استيعابها 70 بالمائة، عدد الوحدات المسكونة نحو 56 وحدة.