يُسمّى الرّقص في القاموس الشّعبي الجزائري "الشّطيح"، ويُسمّى الرّاقص "الشّطّاح"، وتتراوح النّظرة إليه بين التّسامح والاستهجان، ما عدا في مناسبات محدودة، مثل "الأفراح واللّيالي الملاح"، حيث تنقلب الصّورة، ويستقطب الراقص الماهر العيون والتصفيق، ومنها المثل الشعبي القائل "شطحة مليحة في ليلة مليحة، خير من رفسة صحيحة"، والرّفسة هي الثّريد باللحم والسّمن البلدي.
إلى وقت قريب، كانت فرق الرقص الشعبي تتفوق حضورًا وممارسةً واهتمامًا على فرق الرقص المعاصر لكن الوضع تغير تدريجيًا
إلى وقت قريب، كانت فرق الرّقص الشّعبي تتفوّق حضورًا وممارسةً واهتمامًا، على فرق الرّقص المعاصر، بأنواعه المعروفة، لكنّ جملة الانفتاحات المختلفة، التي عرفها الفضاء الجزائري، جعلت الرّقص المعاصر يبرز إلى الواجهة، بفضل شباب آمنوا به واتخذوا منه طريقًا إلى التّعبير عن الذّات، بالموازاة مع انتشار الموسيقى المرتبطة به، مثل أغنية الرّاب، التي بات لها مغنّون ينافسون في استقطاب الشّباب نجوم أغنية الرّاي.
اقرأ/ي أيضًا: منى برنس...رقص للحياة في بلد "خربانة"
غير أنّ هذا الواقع الجديد، لم يفرز توفير الفضاءات والهيئات والمهرجانات، التي تحتضن المواهب والطاقات المتوفّرة، وتعمل على ترتيب الفرص الكافية لظهورها وتألّقها. ويُعدّ "المهرجان الدّولي للرّقص المعاصر"، الذي تمّ إطلاقه عام 2009 على يد وزيرة الثّقافة السّابقة خليدة تومي أكثر المنابر التنافسية السّامحة للشّابّ الموهوب في هذا الباب، بأن يعرض موهبته، بغضّ النّظر عمّا يعتريه من نقائص واختلالات.
ولئن استطاع الشّباب الممارسون للرّقص المعاصر أن يجدوا الفضاءات التي تسمح لهم بأن يتدرّبوا فيها، ويكوّنوا أنفسهم بأنفسهم، ويُصمّموا عروضهم، مثل دور الشّباب والثّقافة والنّوادي الفنّية الحرّة، فإنهم يفتقدون إلى المنابر التي تحتفي بهم وبعروضهم، وما يمنحه "البالي الوطني الجزائري" من فرص لهؤلاء يبقى محدودًا جدًّا، وخاضعًا لاعتبارات قد لا تخضع لروح الفنّ والموهبة.
يقول الرّاقص أسامة شرياف لـ"الترا صوت" إنّ ما يتوفّر عليه المشهد الفنّي الجزائري من راقصين محترفين وهواة، لا فضل فيه للمؤسسة الثقافية الحكومية، "فهي لا تملك سياسة في هذا الباب، ومعظم التفاتاتها إلينا تمليها حاجتها إلى من يؤثث لها المناسبات الوطنية السّنوية، فالرّقص المعاصر مثل الرقص الشّعبي في نظرها مجرّد أداة لإحياء الحفلات التي تحضرها الوجوه الرّسمية".
الاهتمام بالرقص المعاصر في الجزائر لم يفرز توفير الفضاءات والمهرجانات، التي تحتضن المواهب والطاقات وتعمل على ترتيب الفرص لظهورها
يواصل محدّثنا: "وحدهما شغف الشّباب بهذا الفنّ، وجهود نخبة محدودة من الكورغرافيين، مثل سليمان حابس وعيسى شوّاط ونوارة إدامي، ما جعله يعلن عن نفسه ويدشّن حضوره في مناسبات محدودة، بشروط الفن لا بشروط الوليمة الثقافية، التي هي وجه من أوجه السّياسة. يحتاج الرّاقص المحترف إلى قاعة محترفة وكورغرافي محترف ونأيٍ عن تعسّفات الإدارة، وهذا ما نفتقد إليه في الجزائر، بما يجعل اشتغالنا شبيهًا بالمشي على الجمر".
اقرأ/ي أيضًا: الرقص الاعتقادي في مصر.. دروب الخلاص
"لا نطالب بأن يميّزونا عن بقية الفنّانين، ولكن نطالب بحقّنا في الوجود والممارسة وتوفير المنابر الكافية لأن تستوعب مواهبنا وطاقاتنا، والتكفّل بتكاليف تنقلاتنا إلى المهرجانات العالمية لنمثّل بلادنا، فقد وصلتني ونخبة من زملائي دعوة من "المهرجان العالمي للرّقص المعاصر" في المكسيك، ولم نجد جهة حكومية واحدة تتكفّل بتذاكر الطّائرة، فكنّا ننتقل مثل اليتامى من إدارة إلى أخرى".
من جهته، يقول الشّاب طاهر إنه التحق بهذا الفن عام 2009، من خلال نادٍ في دار الشّباب بمدينة سيدي بلعبّاس، 500 كيلومتر غربًا، "ثمّ سرعان ما واجهتني مشاكل وإكراهات جعلتني أغادر النادي، وأخوض في مهن بعيدة عن اهتمامي مثل غسل السّيارات، إلى أن منحني الكورغرافي سليمان حابس بعض الفرص للتكوين والظهور، لكنّ ذلك بقd موسميًا لا يرقى إلى أن يجعلني أتفرّغ لهذا الفنّ الذي أتنفّسه". يسأل: "ما معنى وجود مديرية للثقافة في المدينة التي أقيم فيها، إذا كانت لا تتكفّل بمشاركاتي في المناسبات وفرص التكوين التي يُتاح لي أن أشارك فيها؟".
يحدّثنا الرّاقص إسماعيل فريحي عن هذا الهاجس، وقد عاد من مهرجان تونس متوّجًا بالجائزة الأولى: "أنا شابّ بطّال، وما أحصل عليه من مال نتيجة اشتغالي في مهن موسمية أصرفه على نفسي وعلى أسرتي، لذلك فإنني أجد نفسي محرومًا من المشاركة في منافسات ومهرجانات كثيرة، لأنني لا أستطيع أن أتكفّل برحلتي، من ذلك رحلتي هذه إلى تونس، فقد لجأت إلى الاستدانة من صديق". يضيف: "لقد ذكروا حين أعلنوا عن افتكاكي للمرتبة الأولى جنسيتي الجزائرية، أي أنّ الجائزة ليست لي وحدي، بل للرّقص المعاصر في الجزائر أيضًا، فلماذا لا تموّل مؤسسات وزارة الثقافة سفري، ولا تحتفي بي وبأمثالي عند التتويج؟".
اقرأ/ي أيضًا: