01-مارس-2021

مسيرات الحراك الشعبي عادت للشارع رغم إجراءات الحجر الصحي (تصوير: مصعب رويبي/الأناضول)

تحمِل عودة الحراك الشعبي في الجزائرفي الذكرى الأولى المصادفة للـ 22 من شهر شباط/فيفري الماضي، إضافة إلى حراك الطلبة ومظاهرات الجمعة، مجموعة من الرّسائل الشعبية والمضامين السياسية، متعدّدة الاتجاهات، أبرزها استمرار الأزمة السياسية ورفض الكتلة الشعبية للمسار الذي تفرِضه السلطة منذ انتخابات الرئاسة في كانون الأوّل/ديسمبر 2019.

شعارات الحراك تنم عن عدم اقتناعه بالخطوات التي قامت بها السلطة على الصعيد السياسي

أعاد الحراك الشعبي الإعلان عن نفسه بعد 11 شهرًا من تعليق المظاهرات بسبب انتشار فيروس كورونا، وهي عودة رافقها زخم في الحضور الشعبي في المظاهرات واهتمام سياسي وإعلامي كبير كان مسلّط ًاعلى هذه العودة، لكن أهم مؤشرات عودة المظاهرات ترتبط بالمتاعب السياسية التي تمثّلها هذه المظاهرات بالنسبة لمسار الاصلاحات التي ينوي الرئيس تبون تنفيذها في المستقبل، سواء بإعادة تجديد المؤسسات التمثيلية كالبرلمان والمجالس البلدية، أو بإنشاء عدد من المؤسّسات الدستورية والاستشارية، كالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: في ذكراه الثانية.. عفو رئاسي عن معتقلي الحراك الشعبي

مطالب عالقة

أولى الرسائل السياسية لعودة الحراك، تتعلّق بتجدّد موقف كتلة شعبية هامة من مسار وخيارات السلطة، ورفضها لهذا المسار، ما سيفرض على هذه الأخيرة إعادة قراءة المشهد بشكل آخر. 

والواضح من خلال الشعارات المرفوعة في الشارع الجمعة رقم 106 من عمر الاحتجاجات، عدم اقتناع مكوّنات الحراك بالخطوات التي قامت بها السلطة على الصعيد السياسي، ووجود اعتراضات شعبية على ذلك، لكونها كانت أقل من سقف ومستوى التطلعات والمطالب الشعبية التي رفعها الحراك. 

تؤدّي عودة المظاهرات، بحسب متابعين، ضغطًا متجدّدًا على السلطة السياسية والأمنية في البلاد، بعد الهدنة التي دامت سنة تقريبًا، إذ قال الناشط الحقوقي عبد النور بهلول من ولاية باتنة لـ "الترا جزائر"، إن الشارع لا يصنع القرارات ولكنّه يشكّل وسيلة ضغط جوهرية على المؤسّسات الحاكمة، موضحًا أن العودة تحمِل دلالة واضحة بعدم ثقة الحراك في عملية الحوار السياسي التي باشرتها السّلطة مؤخّرًا مع قادة أحزاب سياسية.

وفي هذا الإطار أضاف بهلول، أنه حتى وإن كانت هذه الأحزاب من كتلة معارضة مؤيدة للحراك وملتزمة بتحقيق المطالب الديمقراطية، إلا أن نوايا السلطة مازالت غير كافية، وتحتاج إلى اختبارات جدية حقيقية في الفترة المقبلة، بشأن مدى احترام السلطة لحق التظاهر وفتح الفضاء السياسي والإعلامي، حسب تعبيره.

دوافع ورهان الثّقة

من ناحية أخرى، تتداخل مع عودة المسيرات، المعطيات السياسية بالدوافع الاجتماعية وعوامل الوضع الاقتصادي بشكلٍ كبير، وهي في حدّ ذاتها ذات الصلة بحسب عدد من المراقبين بأنه إخفاق السلطة والحكومة في حلحلة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتي زادتها أزمة كورونا تعقيدًا، وكذا عجز الحكومة عن ايجاد آليات تسيير جديدة تنهي المعطلات البيروقراطية، وهو ما ظهر بوضوح في جملة من الشعارات والاحتجاجات التي شهدتها عدة ولايات.

وفي هذا الشّأن، ذكر أستاذ العلوم السياسية عبد المجيد بلونة، أن مظاهرات الحراك قد أعادت مقاربات السلطة إلى نقطة البداية، موضّحا لـ "الترا جزائر"، أنّ هذه الأخيرة مطالبة بتلقي رسائل عودة الحراك بشكل صحيح، لتلافي أية معالجات خاطئة، قد تزيد في تعقيد الأوضاع وتأزيم المشهد.

تطرح عودة الحراك في سياقات الرسائل السياسية، وجود واستمرار مأزق ثقة كبير بين السلطة والشارع، حسب ما شرح الأستاذ بلونة، وأردف أن ذلك كان واضحًا إجرائيًا بداية في نتائج الاستفتاء على الدستور في الفاتح من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو ما يفرض على السلطة الإسراع إلى طرح عوامل وخطوات أكثر جرأة لبناء الثقة تدريجيًا، وفتح باب الحوار باتجاه مرحلة تتحمل فيها كل الاطراف قسطًا من المسؤولية من جهة، ويفرض على الأحزاب والمكونات لعب دور في هذه المرحلة خصوصًا". 

بين القرار والفِعل 

تضع عودة الحراك مشروع الانتخابات التشريعية في خطر المقاطعة والعزوف، بالقدر نفسه من المشكلات التي واجهها استفتاء تعديل الدستور قبل أربعة أشهر، وهو أمر يمثل مأزقًا حقيقيًا في حال تكّرر لكون الأمر يتعلق بانتخاب مؤسّسة تشريعية، حيث يعتقد مراقبون أن الفترة الفاصلة عن إجراء الانتخابات والتي قد تؤجّل عن موعدها الأول الذي يحدده الدستور بثلاثة أشهر إلى ثلاثة أشهر أخرى، يمنح الرئيس تبون فرصة ثمينة لاستدراك الأخطاء السياسية السابقة وتغيير طريقة التعامل مع الازمة والحراك.

من منظور الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ ناصر جابي، فإن "التغيير السياسي في الجزائر لن يكون سهلًا ولا ميّسرًا بل يأخذ وقتًا"، وأرجع الباحث في تقدير الموقف الأكاديمي، ذلك إلى خصوصية النظام قائلًا: "ما يميّز النظام السياسي الجزائري، أنه يتوجّس من التغيير السياسي، بسبب الفساد الكبير المستشري داخل نظام ريعي احتلته نخب فقيرة، مقطوعة الصّلة بشعبها، رغم أنها قادمة من العمق الجزائري، على حدّ قوله.

ومن سمات النظام الجزائري حسب الباحث أنه "متعدّد صناعة القرارات"؛ واصفًا الجزائر بأنها تشهد واجهتين لصناعة القرارات، تغلّبت إحداهما على الأخرى وهي"واجهة مدنية، توحي بأنها هي من تقرّر وتنفّذ وواجهة أخرى أمنية يتضح أنها صاحبة القرار الفعلي، لما تملكه من عمق ونفوذ وتغلغل في دواليب الحكم".

الظاهر أن رأب الصدع بين السّلطة والشارع يحتاج إلى خطوات سياسية أخرى

العودة إلى النقطة صفر؟ 

الظاهر أن رأب الصدع بين السّلطة والشارع يحتاج إلى خطوات سياسية أخرى، لترميم الفجوة التي صنعتها الظروف الحالية والتي تعدّ في عين متابعين، إرثًا ثقيلًا ورثه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ سنته الأولى في الحكم، ويطالب البعض أن يقف الرئيس موقفًا حازمًا لا لعب دور التقدّم نحو الأمام بإصلاحات سياسية، ورسائل "تحقيق مطالب الحراك المبارك والأصيل"، بحسب ما تتداوله السلطة ووسائل الإعلام، بينما في حقيقة الأمر نراه يبتعِد شيئًا فشيئًا، بدلالة المسيرة الشعبية الثانية للحراك الشعبي بعد الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات، ومطالب رفعها المتظاهرون في الجمعة الـ 106، تعيد للوطن روح النّفس الثّوري من جديد. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرة حاشدة بخراطة في ذكرى الحراك الشعبي

الحرك الشعبي.. هل انتهت الهدنة؟​