09-أغسطس-2024
عرقاب

محمد عرقاب رفقة نظيره النيجري (الصورة: فيسبوك)

حلّ وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، بالنيجر، يومي  6 و7 آب/أوت الجاري، في زيارة عمل هدفت إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة والوقوف على استثمارات سوناطراك في البلد الجار. وهي الزيارة التي تعد الأولى من نوعها لمسؤول جزائري بهذا الحجم بعد الخلاف الذي وقع بين البلدين في الأشهر الماضية بسبب ملف المهاجرين السريين النيجريين، ما يجعلها زيارة اقتصادية تتجاوز حدود التعاون في مجال الطاقة، وفق ملاحظين.

أستاذ العلاقات الدولية محمد عمرون لـ"الترا جزائر": المشاريع الجزائرية في دول الساحل تزداد أهميتها بسبب حالة عدم الاستقرار وتعدّد الفواعل الخارجية، ما يجعل الجزائر تلعب دوًا أكبر من أجل استقرار المنطقة

ورغم المواقف الارتجالية التي يقوم بها الحُكام العسكريون الجُدد في دول الساحل، إلّا أن الجزائر تحرص بكل الوسائل على عدم قطع خيط التواصل مع جوارها الجنوبي، وذلك بالتصرف وفق المتغيرات التي تحدث على أرض الواق. مؤكدة في الوقت ذاته في مختلف المنابر الدولية على أن الحل الأساس لحالة عدم الاستقرار بالساحل هو دعم التنمية بدول المنطقة، وبالخصوص في المناطق الحدودية.

عودة سوناطراك

شكل ملف استئناف عملاق النفط الجزائري مجمع سوناطراك العمل في النيجر أهم المحاور التي تضمنتها أجندة عرقاب، حيث كان مرفوقا في زيارته بالرئيس المدير العام لسوناطراك رشيد حشيشي، والمديرة العامة لسوناطراك الدولية للاستكشاف وإنتاج النفط (SIPEX)، واللذين شاركا في المباحثات التي جرت  بنيامي مع وزير البترول النيجري مامان مصطفى باركي باكو.

وحسب بيان لوزارة الطافة، فإن هذا اللقاء "شكّل فرصة للوقوف على مستجدات نشاطات سوناطراك بالنيجر على مستوى في الحقل النفطي برقعة كفرا، بعد الإمضاء، في فيفري 2022، على عقد تحيين وتجديد للعقد المبرم سنة 2015، والذي يهدف إلى ضمان تقييم أفضل للاحتياطات المتوفرة من المحروقات على مستوى رقعة كفرا، وذلك تبعا للحقول المكتشفة أثناء عمليات التنقيب".

وقال عرقاب إن بلاده على استعداد لنقل خبراتها ودرايتها إلى الجانب النيجري ومرافقته في تطوير الصناعة البترولية، لاسيما من خلال تعزيز سوناطراك لتواجدها بالنيجر، وتنفيذ التزاماتها التعاقدية واستئناف أنشطتها المتمثلة في استغلال وتقاسم الإنتاج للحقل النفطي برقعة كفرا.

وبدوره أكد وزير البترول النيجري استعداد بلاده على العمل لتوفير كل الظروف الملائمة لاستئناف سوناطراك أنشطتها بالنيجر ولاسيما على مستوى الحقل النفطي برقعة كفرا، مقترحا تشكيل فريق عمل مشترك بين الخبراء من الجانبين لتكثيف التبادلات والتشاورات ومتابعة جميع المشاريع الجارية والمستقبلية على غرار مرافقة سوناطراك للشركة النيجيرية "سونيداب" SONIDEP، للاستثمار فيما يزخر به النيجر من ثروات طبيعية طاقوية وكذا تعزيز التعاون في مجالات أخرى كإنتاج ونقل الكهرباء والطاقات المتجددة واستغلال الثروات المنجمية.

وحسب بيان لسوناطراك، فإنه قد تم الاتفاق خلال الزيارة التي دامت يومين على "إجراء متابعة شهرية لتقييم مدى التقدم المحرز في مشروع كفرا، من خلال لجنة مشتركة للمتابعة، وذلك من أجل ضمان التنفيذ الفعلي للأشغال".

وبدأ التعاون بين الجزائر والنيجر بشأن رقعة كفرا الحدودية بين البلدين في 2005، لما حصلت سوناطراك على ترخيص بالتنقيب في المنطقة ، والذي أصبح عقدا لتقاسم الإنتاج في 2015، لتتوج عملية الحفر التي أجريت بواسطة الشركة النفطية الجزائرية بين ديسمبر 2017 وفبراير 2018 بتأكيد وجود حوض نفطي جديد على الحدود بين البلدين تبلغ طاقته الإنتاجية 90 ألف برميل يوميا، بعد التأكد من وجود احتياطات محتملة تقدر بـ 168 مليون برميل، إضافة لكميات من النفط الثقيل.

وأظهرت عملية حفر بئر ثانية نفذتها سوناطراك في 2019، وجود احتياطات من النفط تقدر بـ 400 مليون برميل بمنطقة كفرا، وهو ما جعل البلدين يوقعان في شباط فيفري 2022 عقد لتقاسم إنتاج  هذا الحقل النفطي  الواقع شمالي النيجر.

 وتنتج النيجر حوالي 20 ألف برميل يوميا من النفط الخام يوجه للاستهلاك المحلي، لكنها تسعى إلى ان تصبح من المصدرين للنفط عبر خط الأنبوب الرابط ببنين الذي يتوقع أن يرفع انتاج البلاد إلى 110 ألف برميل يوميا، وهو ما سيرفع نسبة نمو اقتصاد البلاد بـ11 بالمئة سنويا، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، لذلك فإن تسريع  تنفيذ المشاريع بحقل كفرا ضروري للسلطة الحاكمة لمواجهة التحديات التي توجهها، خاصة بعد التضييق الاقتصادي الذي تواجهه عقب انسحابها من منظمة ايكواس.

مواصلة

أفاد بيان لوزارة الطاقة أن زيارة عرقاب  شكلت "فرصة للتأكيد مجددا على مواصلة الاجتماعات التنسيقية لدراسة جوانب مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء TSGP ، والإطلاع على وضعية تنفيذ القرارات المتخذه خلال اللقاءات التي جمعت الوزراء الثلاثة المسؤولين عن المحروقات لكل من الجزائر والنيجر ونيجيريا، والذي كان آخرها المنعقد في تموز/جويلية 2022 بالجزائر العاصمة،  والمُكلل بالإمضاء على مذكرة تفاهم بين الجزائر، النيجر ونيجيريا للتأكيد مجددا على التزام الدول الثلاث لمواصلة واستكمال أعمال فرق الخبراء لتجسيد هذا المشروع الاستراتيجي، والتأكيد بقوة على رغبة الأطراف المشاركة في المضي قدمًا في تحقيقه.

وقال عرقاب إن "الجزائر ونيجيريا والنيجر، مقتنعة بأهمية مشروع خط أنبوب نقل الغاز العابر للصحراء من حيث تأثيره الإيجابي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الثلاثة وكذا على مناطق العبور، في سياق جيوسياسي وطاقوي خاص ، يتميز بطلب قوي على المحروقات ولاسيما الغاز الطبيعي".

وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد عمرون في حديثه مع " الترا جزائر" إن إعطاء الجزائر أهمية للمشاريع الحدودية والتنموية في أفريقيا ليس بالأمر الجديد.

وقال عمرون إن "حرص الجزائر على إقامة هذه المشاريع التنموية والاقتصادية مع دول الساحل ينطلق من مبدأ التضامن والتعاون والتكامل الذي تؤمن به، بالنظر إلى أن المسائل التنموية لطالما احتلت مركزا مهما في السياسة الخارجية الجزائرية تجاه القارة الإفريقية ودول الجوار".

وبيّن عمرون أن "هذه المشاريع تزداد أهميتها بسبب حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل وتعدّد الفواعل الخارجية في المنطقة والتحولات السياسية الحاصلة في الساحل، وهي عوامل تجعل الجزائر تلعب دوًا أكبر من أجل استقرار المنطقة، إضافة إلى أن هذه المشاريع هي تكملة لأخرى سابقة كطريق الوحدة الأفريقية وإقامة مناطق حرة مع النيجر ومالي  وتونس وليبيا مثلما حدث مع موريتانيا".

أبعاد أخرى

في الرابع من نيسان/أفريل الماضي، استدعت الخارجية الجزائرية سفير النيجر لديها أمينو مالام مانزو إلى مقرها لتذكيره بـ"التعاون بين البلدين في مجال ترحيل مواطني النيجر المقيمين بشكل غير قانوني بالجزائر"، وذلك ردا على استدعاء نيامي للسفير الجزائري لديها بسبب وجود "ظروف غير مناسبة لعمليات ترحيل للرعايا النيجريين المقيمين بطريقة غير نظامية من الجزائر"، وهو ما تنفيه الجزائر.

وتعد زيارة وزير الطاقة الأولى من نوعها لمسؤول بهذا المستوى إلى نيامي عقب الخلاف الذي حدث بين البلدين جراء هذه الأزمة، ما يجعلها ذات أهمية سياسية بالغة في مستقبل العلاقات بين البلدين.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية محمد عمرون لـ"الترا جزائر" أن "الخلافات في العلاقات الدولية واردة بين الدول، سواء كانت مرتبطة بسوء فهم أو تقدير إدراك لمواضيع معينة، لكن بوجود إرادة سياسية صادقة يمكن تجاوز هذه الخلافات.وإذا طبقنا هذا على العلاقات بين الجزائر والنيجر اعتقد أن البلدين لطالما تقاسما علاقات تعاون سياسي هادئة بينهما، يطبعها الاحترام والتعاون والتضامن خصوصا الجزائري نحو النيجر".

وتابع عمرون "زيارة وزير الطاقة الجزائري إلى النيجر تؤكد استمرارية هذه العلاقات  الجيدة، وأن الخلاف حول مسالة المهاجرين غير الشرعيين من المواضيع التي يجب أن يجلس لها على طاولة النقاش للحديث عنها ومعالجتها، ولا يمكن لموضوع كهذا أن يؤثر على متانة العلاقات ورؤية الطرفين لبعضهما البعض بالنسبة لإستراتيجية هذه العلاقات لدولتين تتقاسمين الحدود نفسها، وتربطهما علاقات الاجتماعية قوية وعقود من التعاون والتضامن، لذلك يمكن تجاوز أي خلاف سياسي مهما كان".

ويرى عمرون أن "زيارة وزير الطاقة إلى نيامي تعني أن البلدين تمكنا من تجاوز هذه الخلافات، وحتى وان بقيت بعض المواضيع عالقة ولم تعالج لا يعني تجميد كل المواضيع الأخرى التي يمكن التوافق عليها والتعاون فيها".

عمرون: محاولة تحييد الدور الجزائري عن منطقة الساحل صعبٌ جدًا، فقد حاولوا سابقًا وفشِلوا، لأن الجزائر دولة قوية في المنطقة لا يمكن تحييدها أو تجاوز دورها

ويصنف عمرون أن "مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء وعودة سوناطراك إلى حقل كفرا كلها مشاريع مهيكلة قادرة على تحقيق تكامل اقتصادي وترفع من درجة التعاون بين هذه الدول المحتاجة لتنسيق وتعاون أكثر، لذلك فإن زيارة عرقاب تعبر عن الثقة المتزايدة بين قيادتي البلدين والإرادة الجزائرية لتميتين التعاون بين البلدين في كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية".

وحسب الدكتور محمد عمرون، فإن أدوات التأثير في العلاقات الدولية أصبحت اليوم متعددة ومتنوعة، حيث لا تعتمد على الجانب السياسي والدبلوماسي فقط، إنما على جوانب أخرى كالاقتصادي والأمني والعسكري والتنسيق البيني.

وتعرف النيجر ومنطقة الساحل عامة في السنتين الأخيرتين تحولات متسارعة، جعلت البعض يسعى لتقليص دور الجزائر بحزامها الأمني الجنوبي، وذلم بالاستعانة بجهات خارجية تضع مبررات غيرمقنعة للعبث بالاستقرار في الساحل الأفريقي.

لكن الدكتور محمد عمرون يؤكد في تصريحه لـ"الترا جزائر" أن "محاولة تحييد الدور الجزائري عن منطقة الساحل صعبٌ جدًا، فقد حاولوا سابقًا وفشِلوا، لأن الجزائر دولة قوية في المنطقة لا يمكن تحييدها أو تجاوز دورها". داعيا في الوقت ذاته إلى "ضرورة تفعيل كل الأدوات الممكنة من أجل تعزيز تواجد الدور الجزائري في منطقة الساحل، وليكون صوتها الصوت المرتفع المسموع بين كل الفواعل الموجودة".

ولفت الأستاذ ذاته إلى أن "مجموعة الفواعل الخارجية في الساحل أصبحت كثيرة، وباستراتيجيات مختلفة، لذلك على الجزائر أن تتكيف مع الوضع الجديد بوضع إستراتيجية متناسقة تستند على مبادئها وتتكئ على قدراتها سواء الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وألا تكون هذه الإستراتيجية مرتبطة بإستراتيجية الآخر، إنما مستقلة ومبنية على قيمنا ومبادئنا حتى لا ننجر للتنافس مع استراتيجيات أخرى قد تهلكنا وتنهكنا مستقبلا".