26-مايو-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك)

يوجد غالبًا في زاوية من زوايا مكتب الاستقبال مباشرة عند مدخل أيّة مؤسّسة عمومية وحت الخاصة، الكثيرون لا يلقون له بالاً، في حين يعدّ ضالة البعض يعودون إليه قبل الخروج من تلك المؤسّسة، بهدف كتابة ما لم يستطيعون قوله في العَلن؛ البعض يسجل ملاحظاته ولكن باسم مستعار، فيما يدون آخرون شكواهم لعلها تصل إلى المسؤول الأوّل، في حين يعتبره قطاع من الناس الملجأ والمهرب بعدما لم يجدوا آذانا صاغية.

أستاذة الاتصال كريمة مومني لـ"الترا جزائر" سجل الشكاوي مساحة للبَوْحْ غير خاضعة للرقابة القانونية ولكنها تخضع لرقابة أخلاقية

دفتر الشكاوي أو سجّل الملاحظات والاقتراحات، ذلك السجّل المهمل دائمًا في زاوية ما من شباك الإدارات، ثد لا يهتم كثير من الزبائن لأمره، وقد يستعمله كثيرون للتعبير عن غضب عابر في لحظة انفعال مردّه سوء الخدمات، وفي كثير من الأحيان يستدرجك موظف الشركة لكتابة شيء جميل عنه فربما قد يؤخذ بعين الاعتبار لدى مسؤوليه في الترقية أو التكريم، إن تعددت غايات استعماله، فالأسئلة التي تحوم حوله هي، هل هو قطعة من القطع الثابتة، ضمن ديكورات وأثاث المكاتب في الإدارات والمؤسسات الجزائرية؟ وهل فعلاً ينتبه له المواطن ويثق في أن ما يكتبه في أحد وريقاته سيجد طريقه للقراءة والاهتمام من قِبَل المسؤولين؟

حرية تعبير 

يضم هذا الكراس أكثر من مائة صفحة فارغة، وأحيانًا تكون أقل، إلا أنه يظلّ "ديكورًا"، يوضع إلى جانب الهاتف الثابت الخاص بعون الاستقبال، في حين نادرًا ما ينتبه إليه الزوار من المواطنين، لكنه وسيلة لـ" تفريغ جعبته من الملاحظات والالتماسات والشكوى والمقترحات أيضًا".

في إحدى بلديات العاصمة، سجّلت سيدة وقعت اسمها بـ" نادية المواطنة"، أنها تعرّضت للإهانة من قبل أحد الموظفين، لافتة في ملاحظتها التي تحمل الكثير من الشكوى واللوم من أزيد من 25 سطرًا، ضمنتها تعرضها لكلمات غير مفهومة من أحد الموظفين بعد أن قضت أزيد من ستة أشهر من الذهاب والإياب نحو تلك المصلحة إلا أنه لا حياة لمن تنادي.

في السجل نفسه، كتب أحدهم كلمات شكر وتقدير لعمال النّظافة، لافتًا في اسمه الموقع بكلمات من حروف عربية ولغة فرنسية، إذ كتب أدناه: "ياسين الباتيسيي" أي ياسين صانع الحلويات، بأن أجمل في هذه المصلحة أولئك العمال المُبتسمون على طول الوقت، في مقابل العسر في تلبية طلبات المواطنين، وفقًا لتقنين عمليات السحب الخاصّة بالوثائق الإلكترونية".

هذا السجل يحمل بين دفاته العشرات من الملاحظات، بل المئات، المثير فيها طريقة الكتابة ونوعية الخط، واستعمال الحروف العربية بلغة فرنسية، أو اللهجة العامية الجزائرية، ولكن من الصعب الاطلاع عليها جميعًا، بعضها يدعو للابتسامة، بل والسخرية أيضًا، والبعض الآخر يستدعي الحزن والتشاؤم في حين هناك ما يدعوا للفرح والتفاؤل.

من خلال بعض الملاحظات، سجل المدعو رفيق، شكواه في أحد المؤسسات العمومية، بقوله أنه الطابور الطويل من أجل تحقيق خدمة عمومية من شأنه أن يعيدنا إلى عهد " التعامل مع الورق" فما فائدة التسجيل الإلكتروني لطلب الحصول على خدمة ما، والانتظار لأيام وأسابيع لتحقيقها، ثم " ترك العمل صباحًا من أجل تأدية الخدمة والتي تستغرق بدورها ثلاث أو أربع ساعات".

" الطابور أنهكني نفسيا أيضًا، سمعت خلال ساعات الانتظار مشاكل الدولة الجزائرية جميعها"، بهذه العبارة ختم ملاحظته.

في مقابل ذلك، قدمت إحدى المواطنات في ملاحظتها في سجّل مؤسسة طبية عمومية، نصيحة تحت عنوان: "نحتاج للون الأخضر، لا نريد الأزرق والأبيض فقط"، داعية المسؤولين في القطاع إلى تخصيص مساحات لزراعة الأشجار والورود، فالمكان في أصله يجلب الحزن والضيق لأنه مكان للمرضى، في حين " كلنا من الكادر الطبي والصحي والمواطن محتاجين لفضاء يبعث على الانتعاش على حدّ سواء". 

تأْريخ الخِدمة العمومية

السؤال الذي يطرح بخصوص هذه الخدمة العمومية: هل تخصص الإدارة المركزية وقتًا للاطلاع على هذا السجّل؟ وهل تأخذ بعين الاعتبار مختلف الملاحظات المسجلة من شكاوى المواطنين وجملة اقتراحاتهم؟  

في تصريح لـ “الترا جزائر" كشفت الموظفة في مديرية الضمان الاجتماعي بمنطقة الجزائر الوسطى، "فريدة. ن" أنها غالبًا ما تطلع على ذلك السجل، وكثيرًا ما ينظر إليه من ناحية " أخلقة التعامل اليومي مع المواطنين، لافتة إلى أن " الإدارة والمواطن" وجهان لعملة واحدة، إذ تعتقد أن الاطلاع على السجّل في حدّ ذاته خِدمة عمومية يمكن أن تؤدّى بشكلٍ يرضي المواطن ولكن بنسب متفاوتة".

وأشارت إلى أنه لم يبق لها الكثير من السنوات على مرحلة التقاعد، بعد أكثر من 29 سنة من العمل في عديد الإدارات العمومية، إلا أن سجل الشكاوي الذي يتضمّن أيضًا مقترحات المواطنين ومطالبهم وأحيانًا تشجيعاتهم، يعتبر أحد أهم الوسائل التي يجب أن تتكفل بها الإدارة في أي مؤسسة كانت، ودراسته دوريًا وقد يكون ضمن مخطط عمل الإدارة المعنية.

وشرحت بالقول إنّه وجب الاطلاع على السجل بتكليف شخص يطلع عليه كل أسبوع، وتسجيل الانشغالات والنقاط المشتركة فيما بينها، ونقل مضامينها بأمانة للمسؤول الأول على تلك المؤسّسة المعنية بالسجل، وتحويل فحواها إلى أحد أهداف الخدمة العمومية التي يؤديها الموظفون.  

مساحة حرة

في واقع الأمر، تم تفعيل دور سجل الشكاوي وإقتراحات المواطنين بحسب تصريح وسيط الجمهورية، مجيد عمور، للإذاعة الجزائرية، بناء على توجيهات من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إذ أصبح بذلك "آلية لتقييم مدى التكفل بإنشغالات المواطنين والمجتمع المدني".

كما شدّد مسؤول هذه الهيئة الدستورية، على أن دور هذا الدفتر الورقي، يتجاوز مختلف الوسائل التي كرستها الحكومة لإيصال تطلعات وآمال المواطن للجهات المعنية، ما يضمن حسب المسؤول "تحسين أداء المرفق العمومي".

كما يُنظَر إلى سجل الشكاوي على أنه "الآلية الوحيدة التي من شأنها إيصال انشغالات وتطلعات المواطن إلى السلطات المعنية، وخاصة بالمناطق المعزولة كالقرى والمناطق النائية.

وانطلاقًا مما سبق ذكره، يؤدي هذا الدفتر وظيفة أداة من أدوات التواصل الفعال، مثلما تشري أستاذة الاتصال كريمة مومني لـ"الترا جزائر" بل اعتبرته "مساحة للبَوْحْ غير خاضعة للرقابة القانونية، ولكنها تخضع لرقابة أخلاقية، خاصة أن الغالبية القصوى من الأشخاص الذين يخطون بأيديهم بعض العبارات والطلبات والشكاوي، يدونونها بأسماء مستعارة، وأحيانا بهويات الحرفة التي يمارسونها.

كما أكّدت على أهميته فتكمن في جعل المواطن في قلب اهتمام الأجهزة العمومية والدفع إلى لاتخاذ إجراءات وتدارك النقائص.

السجل في حدّ ذاته، يمكن أن يعيد الثقة إلى المواطنين الجزائريين ومواجهة الممارسات البيروقراطية في بعض المؤسّسات

في سياق آخر، لا يقل أهمية عن هذه الأدوار والملاحظات، فإن السجل في حدّ ذاته، يمكن أن يعيد الثقة إلى المواطنين الجزائريين ومواجهة الممارسات البيروقراطية في بعض المؤسّسات، إذا استغل في إطار أخلاقي وباستغلاله لمراقبة وتقيييم ومكأفأة جميع الموظيفين بعيدًا عن التعسف الإداري.