04-أكتوبر-2020

السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غوييت (الأناضول)

تسلّم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أوراق اعتماد السفير الفرنسي الجديد فرانسوا غوييت، الذي خلف سلفه كزافييه دريانكور الذي كان محلّ انزعاج بالجزائر في الأشهر الأخيرة، وكادت أن تتسبّب تحركاته في أزمة بين البلدين، فهل سيستطيع الوافد الجديد إلى البناية رقم 25 بطريق عبد القادر قدوش بحي حيدرة بالعاصمة، تحسين صورة باريس التي ازدادت سوءًا بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019.

وجود السفير الفرنسي الجديد فرانسوا غوييت بالمنطقة العربية كان خلال فترات ساخنة

وبسبب الماضي التاريخي بين البلدين، ظلّت تصرّفات وتحركات السفير الفرنسي بالجزائر محلّ مراقبة واهتمام وأهمية في صنع العلاقات الثنائية بين الطرفين، فدوره غالبًا ما كان أكثر من دور مجرّد مسؤول دبلوماسي عادي.

اقرأ/ي أيضًا: أفريكا أنتليجنس: السفير الفرنسي يقضي أيامه الأخيرة في الجزائر

سفير مختلف

بالنظر إلى سيرته الدبلوماسية، قد يكون لأوّل مرّة ترسل باريس إلى الجزائر سفيرًا من هذا النوع، كون عمله الخارجي كان في الغالب بالمنطقة العربية والإسلامية.

وحسب ما جاء في موقع وزارة الخارجية الفرنسية، ففرانسوا غوييت بدأ عمله الدبلوماسي برتبة سكرتير ثالث ثم ثان في السفارة الفرنسية بطرابلس (1981-1983)، ثم سكرتيرًا أوّل في جدة (1983-1985)، فمستشارا ثان في نيقوسيا (1985-1987)، وبعدها عاد للعمل بفرنسا بقسم الشؤون السياسية عام 1988، وفي قسم أوروبا (1988- 1990).

وبين سنتي 1990 و1993 شغل منصب مستشار أوّل بالسفارة الفرنسية في دمشق، ليعود إلى باريس عقبها ليعمل بالخارجية في قسم الصحافة والإعلام والاتصال، وشغل بعدها مهام نائب مدير الصحافة خلال الفترة الممتدة من 1993 إلى 1996، ثم وزيرًا مستشارًا في أنقرة ( 1996- 1997).

وشغل غوييت أيضًا، منصب مستشار دبلوماسي لوزير الداخلية الفرنسي السابق جون بيار شوفانمون ( 1997-2000 ) الذي كانت له عدّة زيارات إلى الجزائر، وسفيرًا مفوضًا فوق العادة في أبو ظبي (2001-2005)، كما تولّى مهام سفير مكلف بالحوار الأوروبي المتوسطي (2005-2008)، وسفير فوق العادة في طرابلس ( 2008-2011 )، وسفير مفوض فوق العادة في تونس (2012-2016)، وسفير مفوض فوق العادة في السعودية ابتداء من 2016 حتى عام 2020 التي انتهت فيها مهامه بالرياض ليحول بعدها إلى الجزائر.

ويلاحظ من خلال هذه السيرة، أن وجود غوييت بالمنطقة العربية كان خلال فترات ساخنة، فتولّى مهمة سفير في ليبيا خلال الفترة التي سبقت الانتفاضة ضدّ الرئيس معمر القذافي والإطاحة به، وكان شاهدًا بأن الأخير موّل الحملة الرئاسية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2007 لمّا استدعي للتحقيقات من قبل القضاء الفرنسي.

كما تولّى مهمّته سفيرًا في تونس خلال فترة الربيع العربي والإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، حيث تولّى مهمّة تحسين صورة باريس التي كانت تدعم نظام بن علي، بسبب الأزمة التي تسببت فيها وزيرة الخارجية السابقة ميشال أريو.

والأمر لا يختلف أيضًا عن فترة عمله بالسعودية، فحتّى لو أن العلاقات الفرنسية السعودية قد لا تكون في لافتة للإعلام مثل التعاون بين الرياض وواشنطن أو مع لندن، إلا أن عمل غوييت في السعودية سبق التحضير لحدثٍ خلط الأوضاع رأسًا على عقب، يتمثل في تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد.

وبالنظر إلى ما سبق، يحقّ للمتابعين التساؤل عن المهمة التي عين من أجلها السفير الجديد، خاصّة وأن قدومه جاء والجزائر تعيش مخاضًا سياسيًا متواصلًا منذ حراك 22 شباط/فيفري.

بلسان جزائري

ربّما لأوّل مرّة، تتنازل باريس وترسل إلى الجزائر سفيرًا يمكن أن يحدث الجزائريين بلغتهم العربية، بل بلهجتهم المحلية والمغاربية. وعلى عكس باقي المسؤولين الفرنسيين الذين لهم عقدة الحديث بلغة أخرى غير لغة موليير، فإن فرانسوا غوييت يعتبر أنه من غير المعقول ألا يجيد السفير الفرنسي المرسل إلى بلد عربي لغة الضاد.

يقول غوييت في تصريحاته الصحافية، إنه من الفرنسيين الذين يعرفون الجزائر، ليس بسبب حرمه الجزائرية الأصل، إنّما لأنه تعلم العربية وأحبّها من عطله الصيفية التي كان يقضيها بها منذ أكثر من نصف قرن.

من بين تصريحاته أنه "ليس غريبًا أن أجيد أنا اللغة العربية، إنما ما يثير الاستغراب هو أن يكون سفير بلد كفرنسا لا يجيد العربية"، وإضافة إلى حصوله، على ماجستير في القانون العام، فهو حاصل على شهادة عليا من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية بباريس (اللغة العربية)، وعلى شهادة في الترجمة (عربي-فرنسي).

يعترف غوييت بأنه شغوف بالشعر العربي خاصّة الشعر باللغة الدارجة في منطقة المغرب العربي، وجاء في أحد تصريحاته أن "الشعر الشعبي في الجزائر والمغرب كنز".

ويقول غوتي إنه مغرمٌ بـطرب الراحلة وردة الجزائرية، وسمع طربها باللغة العربية قبل أن يعلم أنها تغني بالفرنسية أيضًا.

وبالنظر إلى نشاطه في كل من تونس والسعودية، يظهر غوييت مختلفًا عن سابقيه من السفراء الفرنسيين، فهو من الدبلوماسيين الذين يركزون في عملهم على النشاط الاجتماعي والثقافي والاحتكاك بالمواطنين، والحرص على الحضور الدائم في البلد الذي يكون فيه، وكأنه يميل إلى النهج الذي يعتمده السفراء الأميركيون وبدرجة أقل البريطانيون.

وبهذه الميزة، يتّضح أن إيمانويل ماكرون يسعى لأن يمحو غوييت الاستياء الذي تركه سلفه في الجزائر على المستويين الشعبي والرسمي، والوصول إلى الاندماج الذي حققه السفير الأميركي وحرمه خلال فترة عمله بالجزائر.

وكان ظاهرًا أن فرنسا بدأت تتخلّص من عقدة الحديث بالفرنسية فقط بعد تراجع عدد الذين يتحدثون لغة فولتير في العالم، فحتى ماكرون صار ينشر أحيانًا تغريدات بلغة الضاد لما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية.

 ملفات عديدة

غير أن تحقيق فرانسوا غوييت الأهداف التي عُيّن من أجلها ليس بالأمر السهل، لكنه رغم ذلك يبدو واثقًا من  نجاحه في مهمته، فقد قال عقب استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون إنه على معرفة بالجزائر وثقافتها "منذ نصف قرن"، لأنه يقضي "كل سنة عطلته بها".

وأضاف "أسعدني التطرق مع الرئيس تبون، للآفاق الواعدة لتطوير العلاقات الثنائية وكذا المسائل ذات الاهتمام المشترك لاسيما الوضع في ليبيا ومالي والساحل عامة".

وأشار إلى أنه عبّر للرئيس تبون، عن الاهتمام الذي يوليه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكي تكون العلاقات بين البلدين "مستقرة وهادئة ومثمرة".

وإضافة إلى التزامه الحذر في ملفّات الذاكرة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية الجزائرية، سيكون غوييت مطالبًا بالحفاظ على الاستثمارات الفرنسية في الجزائر من المد الصيني والتركي، وتحسين التعاون الاقتصادي بين الطرفين، إضافة إلى معالجة ملف الهجرة وتنقل الأشخاص.

قدرته على التعامل مع ملف العلاقات بين البلدين المليئة بالتعقيد ستظهر خلال الأيّام القادمة

وإذا كانت الخطوط العريضة للمهمة التي جاء من أجلها فرانسوا غوييت للجزائر معروفة، إلا أن تفاصيلها ستكشفها الأيام القادمة التي ستظهر مدى قدرته على التعامل مع ملف العلاقات بين البلدين المليئة بالتعقيد، وكذا قدرته على الصمود أمام مواقف الجزائريين خاصّة الشعبية منها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا بسبب كورونا

تصريحات السفير الروسي.. تحالفٌ جديد أم تدخّل أجنبي؟