19-يونيو-2024
صناعة الزرابي.. حرفة جزائرية تعكس التراث الأمازيغي بالرموز وتواجه الاندثار

الزرابي حرفة جزائرية تعكس التراث الأمازيغي بالرموز وتواجه الاندثار

ما هي الزربية الجزائرية؟

نوع من السجاد الجزائري تعود جذوره التاريخية إلى آلاف السنين. ولعل أهم ما يميز الزرببة أو الزرابي الجزائرية أنها من المنسوجات التقليدية يدوية النسج؛ تستخدم في معظم البيوت الجزائرية سواء لتزيين الجدران أو وضعها على الأرض كبساط. كما يوجد إقبال كبير من السياح عليها إذ تعد من أهم الهدايا التذكارية التي يمكن شراؤها عند زيارة الجزائر بما أنها تعبر عن الثقافة الجزائرية وأنها من الحرف اليدوية التي تعتمد على الصوف والوبر أو الشعر كمادة خام؛ وتتنوع المادة الخامة وفقًا للمناطق التي تصنع فيها الزرابي في الجزائر باختلاف أنواع الزرابي. ويعد النسيج وصناعة الزرابي من الصناعات التقليدية الهامة في الجزائر عامة وفي بعض مناطقها مثل تيارت والغرداية ومدينة سيدي بلعباس على وجه الخصوص. وتعتمد هذه الصناعة التقليدية على الوبر والصوف والشعر الطبيعي المأخوذ من الحيوانات، كما تعد الزربية الجزائرية أبرز مثال على المنسوجات الوطنية ذات الجودة العالية. ويستخدم في غزل نسيج الزرابي أدوات تقليدية محددة من أهمها المشط والمغزل والنول والقرداش.

 

الزربية الجزائرية لوحات فنية ترسم بالصوف و الوبر

لا تمثل الزربية بساطًا عاديًا لدى نسوة الجزائر فهي موروث اجتماعي وجزء من جهاز العروس لزفافها الذي تحمله من منزل والدها إلى بيت زوجها، ونسجها يدويًا ينم عن التفنن في اختيار الرموز والألوان التي أصبحت تعريفية بالمنطقة والتراث التقليدي الذي تنتمي له النسوة. وقد نسجت الزرابي الجزائرية منذ مئات ومئات السنين علي يد النسوة باستخدام النول والمشط والقرداش لإخراج لوحات مميزة كلها إبداع، حملت موروثًا ثقافيًا يعبر عن الحياة الاجتماعية في أحزانها وأفراحها. فكانت الرموز والنقوش المستخدمة فيها تدل على الجو المحيط في المرأة وإلى إبداع خيالها الفني وذوقها العالي، فتتبدى الأنماط وطريقة تنسيقها وترتيبها في الزرابي باتساق مع حجمها الذي يتنوع وفقًا للحاجة فمن الممكن أن تكون الزرابي كبيرة الحجم تصل 3 أمتار مربعة أو حتى صغيرة بمساحة نصف متر مربع أو أقل، ويمكن استخدامها كأوجه للوسائد الجانبية أو كمفرش للطاولات أو حتى وضعها في أطراف أرضية الغرف أو تزيين الجدران بها.

 

وتختص كل منطقة في الجزائر بزربية ما لها ألوانها والأنماط الخاصة فيها و لها كذلك اسم خاص، مثل زربية بابار أو الزربية الأمازيغية الخنشلية التي يشتهر فيها أقصى الشرق الجزائري في ولاية خنشلة، وزربية الحنبل في مدينة سيدي بلعباس، وزربية مدينة غرداية، وزربية قصر الشلالة، وزربية القرقور في مدينة سطيف، وزربية جبل عمور في مدينة الأغواط، وزربية المعاضيد، وزربية النمامشة والحراكتة.

يعتمد نسج الزرابي في غرداية على الصوف كمادة خام

زربية غرداية.. باللون الأحمر والأسود ورموز واضحة

تعد زربية غرداية في الجزائر من أشهر الزرابي في جنوب الجزائر تحديدًا في منطقة بني مزاب، وقد حدد لها عيد وطني يحتفل بها فيه في كل عام. وذلك يعود للتفنن في نسجها ووجود سمات أكثر تحديدًا في اختيار ألوانها والرموز المحددة لأنماطها، وكذلك حرصًا وحفاظًا على الفن اليدوي والحرف الأصيلة المتوارثة عبر التاريخ ومن جيل إلى جيل ليبقى هذا اليوم تذكيرًا بهذا الإرث التقليدي العريق. زرابي الغرداية التي أضحت تنافس أجود أنواع السجاد في العالم بعد أن احتلت مكانًا مرموقًا في المهرجانات الفنية والمعارض المحلية والدولية. وبالتالي لم تعد محط اهتمام السكان المحليين فقط والذين يستحيل أن تخلو بيوتهم من زرابي غرداية بل أصبحت كذلك من القطع الفنية العريقة التي يسعى السياح لاقتنائها عند زيارة المدينة، فهي تحمل الموروث الثقافي والاجتماعي والتاريخ للمنطقة كلها معًا.

يعتمد نسج الزرابي في غرداية على الصوف، ويكاد لا يخلو أي منزل في غرداية من آلة النسيج التقليدية (النول) فهو يعد من المستلزمات المنزلية الأساسية فيها. وقد كانت الزرابي في غرداية تنسج من الصوف فقط والذي يمر تصنيع خيوطه بعدة مراحل تستخدم فيها أدوات وتقنيات تقليدية تستخرج ألوانها من مواد طبيعية بالكامل، وما يهدد استمرار هذه الحرفة اليدوية واختفاء تلك القطع الفنية الجميلة هو الزحف للنسيج الصناعي سواء باستخدام الأدوات والآلات الصناعية ودخول الخيوط الصناعية والألوان غير الطبيعية في النسيج التي تعد أقل تكلفةً ولا تستغرق الوقت أو الجهد الذي تحتاجه الزرابي اليدوية. إلّا أن قيمة الزرابي تكمن في صناعتها اليدوية واعتمادها على الصوف الطبيعي والألوان الطبيعية.

 

أشهر أنواع زرابي غرداية

تعود صناعة الزرابي اليدوية في غرداية لآلاف السنين، وتشتهر عدة مناطق في الجزائر في صناعتها كذلك، ولكل منها أنواع تتميز بنمط النسيج، والألوان، ولعل أشهر أنواع زرابي غرداية وأقدمها وأعتقها هي زربية القندورة الميزابية وزربية بني يزقن. ويركز فيها على استخدام الألوان الأخضر والأصفر والأحمر والأسود لترمز إلى الطبيعة والشمس والكثبان الرملية مع إدخال اللون الأبيض تعبيرًا عن سلامة قلوب سكان الغرداية.

 

 الزرابي الجزائرية تعكس التراث الأمازيغي ورموزه

من أشهر أنواع الزرابي الجزائرية الزربية الأمازيغية أو كما يطلق عليها من العرب سجاد البربر، تشتهر بها الدول في شمال إفريقيا الجزائر والمغرب وتونس ويعود لآلاف السنين وما يزال حتى وقتنا الحالي. يدعى بالحنبل في المغرب، وفي الجزائر يطلق عليه زربية القبايل بنسبته إلى القبائل الأمازيغية بالحنبل. ويشير الباحثين في الآثار والانثربولوجيا أن الأشكال والرموز المستخدمة في نسج الزرابي الأمازيغية متوارثة وتعود لحضارات ما قبل التاريخ، إذ تعد حرفة النسيج من أقدم الحرف اليدوية التي يعمدن النساء الأمازيغيات لتعلمها وإتقانها واحترافها. وأهم الرموز التي تميز نسيج الزرابي الأمازيغي عن غيره رسوم الحيوانات والأشكال الهندسية البسيطة مثل المثلثات  والمستطيلات والمعينات التي تتميز بألوانها الناضحة بالحياة مثل البرتقالي والأصفر والأحمر.

تصنع الزرابي الجزائرية بمهارة في اختيار نوع النسيج والألوان وتناسقها للحصول على لوحة فنية متناغمة تستخدم كبساط للأرض أو لوحات جدارية، لتعبر عن عادات وتقاليد وحياة منطقة ما أو قبيلة معينة. وتحمل إرث ثقافي وحضاري قديم إذ يوجد العديد من هذه الزرابي القديمة معروضة في متاحف عالمية المعروضة لقيمتها الفنية،  وأهميتها التاريخية. فهي وفقًا للباحثين تعبر عن وعي الإنسان الامازيغي، منذ مئات السنين.