09-يونيو-2024
كاراكو عاصمي تراثي.jpg

يعد الكاراكو تعبيرًا عن مكانة المرأة ولأي طبقة تنتمي

ماهو الكاراكو؟ ولأي منطقة في الجزائر ينتمي؟ 

الكاراكو هو لباس تقليدي جزائري ارتبط تحديدًا بمدينة الجزائر العاصمة، والمناطق المجاورة لها وعرف بالكاراكو العاصمي نسبة لها، كان يدعى أيضًا بالغليلة، ولهذا الثوب مكانة خاصة بالتراث الجزائري، فقد كانت ترتديه النساء في المناسبات الخاصة، بالذات نساء الطبقة الأرستقراطية، مثل الأعراس وحفلات الختان، وكان يعد تعبيرًا عن مكانة المرأة ولأي طبقة تنتمي.

ظهر في مطلع القرن الخامس عشر في الجزائر وهو عبارة عن معطف مخملي مطرز بالخيوط الذهبية أو الفضية قد يلبس مع تنورة طويلة أو بنطال باختلاف التصاميم وتطورها مع الوقت. أما كلمة كاراكو أوروبي فهي تطلق كذلك في أوروبا على قطعة من الملابس تبدو مثل السترة بأكمام طويلة وضيقة مع وجود الباسك (القميص تحت السترة) بنفس طول الكاراكو أو أقل منه طولًا.

 

مكونات الثوب.. ومن أي خامة يصنع؟

في التصاميم التقليدية لثوب الكاراكو فإنه كان يتكون من قطعتين؛ القطعة الأولى عبارة عن سترة مخملية تعرف بالجلوة من قماش القطيفة (المخمل)، وتتخلل هذه السترة بعض التطريزات التي تسمى الفتلة، وهي تطريزات غالبًا ما تتلألأ باللون الذهبي، أما القطعة الثانية فتسمى الشلقة أو المدور ، وتكون هذه القطعة إما جيبة (تنورة) أو سروال، وهو ما يسمى الشلقة.

وتكميلًا لارتداء الكاراكو تتزين النساء بقطعة قماش حريرية لامعة توضع على الرأس وتتدلى على الظهر ويتدلى من نهايتها خيوطًا تسمى محرمة الفتول وتكون إما باللون الفضي أو الذهبي وفقًا لفتلة الكاراكو (خيط التطريز)، ويرافق محرمة الفتول قطعة من الزينة الجزائرية على شكل عقد للرأس تسمى خيط الروح أو الزفزوف تكون إما باللون الفضي أو الذهبي تماشيًا مع لون التطريز في الكاراكو ومع محرمة الفتول وغالبًا تكن أكثر شبهًا بالتاج أو عقد على الجبين، تعود إلى العصر العثماني وتتميز باللون الذهبي أو الفضي، على حسب لون الكاراكو، ويتدلى منه بعض السلاسل والأحجار الكريمة.

 محرمة الفتول وخيط روح
يرافق محرمة الفتول قطعة من الزينة الجزائرية على شكل عقد للرأس تسمى خيط الروح أو الزفزوف

وكانت النساء ترتدي (خيط الروح) الزفزوف سواء مع الكاراكو العاصمي أو الشدة التلمسانية ومختلف اللباس التقليدي الجزائري، أما عن طبقة النبلاء فكانت تضيف لهذا الإكسسوار وتميزه ببعض فصوص الألماس أو الأحجار الكريمة بألوانها المتعددة. ويتميز هذا الإكسسوار بالفخامة، وأنه ذو قيمة لدى الجزائريين بشكل عام.

الرجال كانوا يرتدون الكاراكو خلال العهد العثماني، وكان يسمى هذا الزي الخاص بالرجال بالسراجة أو القرقاف. ومؤخرًا عاد الكاراكو ليكن زيًا مشتركًا

 الكاراكو من التاريخ.. حين لم يكن للنساء فقط

لعل أبرز صفة يمكن ذكرها لثوب الكاراكو أنه يجمع ما بين الحداثة والأصالة، كما يعكس المكانة المرموقة التي كانت تتمتع بها المرأة الجزائرية منذ القدم. ومما يجب الإشارة إليه أن الرجال كانوا يرتدون هذا النوع من الملابس خلال العهد العثماني، وكان يسمى هذا الزي الخاص بالرجال بالسراجة أو القرقاف. فقد كان يسمى بهذا الاسم قبل أن تستحوذ المرأة الجزائرية على هذا الإرث، وبالفترة الأخيرة عاد الكاراكو ليكن زيًا مشتركًا، فيمكن للمرأة أن ترتديه، كما يمكن للرجال ارتداء هذا النوع من الملابس بتصاميم تناسب كل منهم.

الكاراكو الرجالي في الجزائر
الكاراكو كان دارجًا للرجال في العهد العثماني وعاد اليوم

كما وضحنا أن الكاراكو في الحقيقة كان دارجًا للرجال في العهد العثماني مما يجعل إمكانية تطويره وأن يصبح ليس خاصًا بالنساء فقط أمرًا واردًا فمع التطورات أصبح هذا الثوب التقليدي مرغوب لدى الرجال أيضًا. مما ساهم هذا في تطور مجال تصميم الأزياء والخياطة في الجزائر، إلا أن ثوب الكاراكو الخاص بالرجال كان لا يحتوي على قطعة الشلقة، أو المدور، فقد تم استبدالها ببنطلون جينز، أو بنطلون كلاسيك، مع بقاء القطعة الأولى، وهي السترة المخملية المطرزة.
 

تاريخ الكاراكو

لقد كان ثوب الكاراكو ومازال يحتفظ بمكانة مرموقة لدى المرأة الجزائرية، وظهر في بداية القرن الخامس عشر ميلادي، وقد شهد هذا الثوب توافد الأندلسيين إلى الجزائر، ومن بعدهم توافد العثمانيين، لهذا جمع هذا الثوب مزيج ما بين الثقافتين الأندلسية والعثمانية، وكان يميز هذا الثوب المرأة الجزائرية و لأي طبقة تنتمي، فقد كانت الأحجار الكريمة والألماس التي كانت تزين الكاراكو ونوع خيوط التطريز فيه ومما تتكون هي المقياس.

وفي العهد العثماني في الجزائر كان الزي الرسمي للطبقة الحاكمة والنبلاء، لكن ما يلفت الانتباه أن الكاراكو كان زيًا للفقراء في بدايات ظهوره إلا أن الطبقة الحاكمة في العهد العثماني استلهمته من الفقراء، وأضافت له لاحقًا الأحجار الكريمة والتطريز بالخيوط من المكونة من الذهب الخالص، كما عدلت على أنواع القماش المصنع منه الكاراكو أو الكراكو كما يعرف عنه. فأصبحت السترة أو الجلوة تصنع من القطيفة المخملية والشلقة أي القطعة السفلية سواء كانت جيبة أو سروال تحاك من الحرير.

 

أول من ارتدى الكاراكو

تتعدد الروايات حول أصل الكاراكو العاصمي فإن كان مزيجًا بين التراث الأندلسي والعثماني في المنطقة فهناك روايات تشير إلى وجوده حتى قبل هذا، إذ يعرف أن أول من ارتدت هذا الثوب هي زوجة السلطان سليم الجوني الثعالبي الجزائري، الأميرة زفيرة، كما نسب هذا الثوب إلى العاصمة، فقد أصبح يسمى الثوب العاصمي، لأنه الزي المميز للعاصمة، أما المناطق الأخرى في الجزائر، فقد كان لكل منطقة ثوب خاص بها. 

 

أنواع ثوب الكاراكو

يتميز ثوب الكاراكو أو الكراكو بأنه يحاك من قماش المخمل وتكن القطعة السفلية فيه من الحرير أو الساتان،وتتنوع قصات الأكمام فيه وتختلف من ثوب إلى آخر فتتراوح أطوالها وفقًا لطول الجلوة (السترة) فمنها ما يكون أطول منها أو بطولها أو أقصر.بالإضافة إلى عدم تحديد لون محدد لهذا الثوب، فقد تشاهد الكاراكو بألوان مخملية مميزة، مثل اللون الكحلي المحاك بالخيوط ذات اللون الذهبي، أو خيوط الذهب الخالص، بالإضافة إلى اللون الخمري، أو الأخضر، الذي يضيف لمسة تزيد من فخامة هذا الثوب، وبعض الأحجار الكريمة، كما هو الحال بالنسبة للأكمام ففي بعض الأنواع تجد الأكمام القصيرة الضيقة، وفي البعض الأخر تختلف القصة لتصبح واسعة وطويلة. وطول الكم، ويختلف التطريز من ثوب إلى أخر، فيوجد العديد من انواع التطريز التي يتميز بها هذا الثوب؛ ومنها التطريز الإفريقي و التطريز الفضي والتطريز الذهبي اليدوي. 

كما تتعدد أنواع الكاراكو وفقًا لنسبته للمنطقة فهاك الكاراكو العاصمي وكاراكو قسنطينة والكاراكو الوهراني وغيرها وفقًا لتنوع المناطق التي ينتمي لها، واختلافات في القصة وأماكن التطريز مع الحفاظ على المواصفات الأصلية من نوع القماش والطابع العام.

 

تقليد التصديرة.. الكاراكو العاصمي لفتيات الجزائر

التصديرة من التقاليد الهامة في عادات الزواج الجزائرية وفيه تقوم العروس بارتداء أجمل ملابسها التي ستأخذها لمنزل زوجها ويكون أشبه بحفل الحناء ترتدي فيه العروس الجزائرية مجموعة من الملابس التقليدية التي خصصت لهذا اليوم بما يشبه عرض الأزياء المترافق مع الموسيقى المناسبة للزي، وتختار العروس من أربعة إلى سبعة أثواب لترتديها في هذا التقليد وعلى رأسها الثوب التقليدي الخاص بمنطقتها، وقد تكون البقية من الأثواب التقليدية للمناطق الأخرى المجاورة وغيرها من الملابس. وفي العاصمة تعمد الفتيات في طقوس الزفاف لارتداء الكاركو العاصمي تعبيرًا عن هويتهم الثقافية إضافة للأثواب التقليدية الأخرى مثل الشدة التلمسانية والقفطان الجزائري والبلوزة الوهرانية وقندورة قسنطينة.

 

الكاراكو في عروض أزياء المصممين الجزائريين

أصبحت الملابس التقليدية الجزائرية تنافس بشدة في عروض الأزياء العالمية فمن الكاراكو العاصمي والفرڤاني القسنطينية والشدة التلمسانية والملحفة الشاوية حتى الجبة الأمازيغية جميعها أصبحت تدرج في عروض الأزياء للمصممين الجزائريين أو العالميين. إلّا أن ما يميز الكاراكو هو سهولة التعديل عليه وأخذه من التراث لقلب الحداثة بإضافة لمسات عصرية تناسب الأزياء الحالية.

 

يعبر ثوب الكاراكو عن النساء في مدينة الجزائر والمدن المجاورة، كما يعد رمزًا لمدى النفوذ والسلطة التي تتمتع بها المرأة الجزائرية، وقد توارثت النساء الجزائريات هذا الإرث الثقافي من جيل إلى جيل، وحافظت عليه بالرغم من التنوع الثقافي في الجزائر، وتعاقب الحضارات التي مرت على أرضه.