وسط هطول أخبار الموت بسبب وباء كورونا، تناقل روّاد مواقع التّواصل الاجتماعي، خبر رحيل الكاتب الشّاب عبد العزيز همّاك (1997 _ 2020)، بعد صراع مع مرض نادر يقوم بتخريب الصّفائح الدمويّة؛ مخلّفًا موجةً من الحزن والأسف، بين أصدقائه من الكتّاب والقرّاء الشّباب.
لم يخلُ كتابه الذّي لم يلمسه بيديه من خواطرَ ونصوصٍ مفتوحةٍ على الأحلام والأوجاع معًا
وما ضاعف الحزن عليه، كونُ كتابه الأوّل الذّي صدر عن دار "أنا موجود"، وحمل عنوان "عودة بلا توقّف"، صدر بعد وفاته التّي كانت أثناء توجّهه إلى جامعة محمّد بوضياف ليستلم شهادة اللّيسانس في العلوم والتّكنولوجيا، فلم يتمكّن من الامتلاء بحمل الكتاب والدّيبلوم.
اقرأ/ي أيضًا: أدونيس: الثّورة الجزائريّة خلقت مدًّا تحرّريًا شاملًا
ولد وعاش عبد العزيز في قرية أولاد مرزوق التّابعة لولاية المسيلة. وكان هاجسه الأكبر أن يُثبت ذاته من جهة، وأن يتمكّن من تحسين الوضع المادّي لأسرته من جهة أخرى، فكان التّركيز على الدّراسة والكتابة خيارَه الذّي لم يتخلَّ عنه إلى آخر نفس من أنفاسه.
ورد في تدوينة فيسبوكيّة له، أيّامًا قبل رحيله متحدّثًا عن مكابداته الذّاتيّة: "تعيش في قرية نائية لا يكاد يصلها الماء ولا الكهرباء، بين الوحوش البشريّة التّي لا ترحمك أعينهم ولا ألسنتهم. أبوك فقد عمله إثر إصابته بحادث في رجله. وأخوك رحل بعيدًا محاولًا تغيير قدره. وأنت في مرحلة البكالوريا واقع في موقف صعب، بين الدّراسة لنيل شهادة البكالوريا أو التّوقّف للعمل من أجل ألّا ينقص أمَّك وإخوتَك الصّغارَ شيء".
ولم يخلُ كتابه الذّي لم يلمسه بيديه، من خواطرَ ونصوصٍ مفتوحةٍ على الأحلام والأوجاع معًا، فهو متأرجح بين أملٍ ويأس وراحةٍ وتعب وبياضٍ وسواد وتفاؤلٍ وتشاؤم وإقبال وإدبار وفرح وحزن؛ فكأنّه عجينة الأقدار المتناقضة، بما يجعل نصَّه مرآةً لما كان يُعانيه جيله المولود في نهايات مرحلة العنف وبدايات مرحلة بوتفليقة، من تفكّك في الأفكار والعواطف والقاموس.
يقول صديق الفقيد الكاتب والجامعيّ عبيدة علاء الدّين لـ "الترا جزائر"، إنّ الجيل الذّي وُلد في هذا المفصل الزّمنيّ الجزائريّ ظلّ غير مرصود نفسيًّا وفكريًّا، "فقد طلع في ظروف صعبة ومعقّدة سياسيًّا وأمنيًّا، وكلّ ما لاقاه من المحيط العامّ هو إغراقه بأوصاف التّتفيه والتّسفيه، ممّا جعله يشعر بأنّه بلا سند ولا مرافقة ولا حماية ولا قَبول، فتوجّه قطاع منه إلى تبنّي خيار الهجرة غير الشّرعيّة، وتبنّى قطاع آخر خيار الاستقالة المعنويّة في تعامله مع القضايا العامّة، فيما توجّهت فئة قليلة إلى الدّراسة والفنّ، وقد كان عبد العزيز همّاك منها.
وكتبت القاصّة عزّة بوقاعدة: "أنا لا أعرف الشّاب. ولكن أحسبه من العائلة الكبيرة الملعونة بالحرف، فشعرت بالحزن لأنّه شابّ صغير، وكذلك لأنّ المجتمع الثّقافيّ لا يولي اهتمامًا إلّا بكلّ ما هو كبير في العمر أو المستوى أو العلاقات"، في إشارة منها إلى ندرة تناول المنابر المختلفة لخبر رحيل صاحب كتاب "عودة بلا توقّف".
وتضيف: "هذا الشّابّ لم نمنحه فرصةً للحديث سوى في كتابه هذا. كما لم يمنحه الموت فرصة الوداع أو الصّراخ في وجه المجتمع والوزارة والسّاحة الأدبيّة التّي استحوذت عليها الحيتان والتّماسيح وأسماك القرش."
عبد العزيز هماك: كنتُ من ضحايا أمواج الحياة. أتقدّم وأسير بجهد، حتّى تعبت في محطّةٍ ما واستسلمت
يُشار إلى أنّه من آخر تدوينات الفقيد: "يُشرّفني أنا عبد العزيز همّاك، أن أعلن عن مسابقة للمشاركة في كتاب جامع يتناول أحداث زمن كورونا سلبيةً كانت أم إيجابيّة". ونقرأ في غلاف كتابه: "كنتُ من ضحايا أمواج الحياة. أتقدّم وأسير بجهد، حتّى تعبت في محطّةٍ ما واستسلمت".
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | رباح بدعوش: الشعر هو الشاهد على الإنسانية
حوار | محمد بن جبّار: الحراك الجزائري تجاوز المثقف والنخبة