12-يونيو-2024
عبد الله الهامل

عبد الله الهامل، شاعر ومدير مسرح بشار الجهوي (الصورة: فيسبوك)

تتنقل الفرق المسرحيّة داخل ولايات الوطن وتقدّم عروضها داخل المسارح والقرى وأيضًا داخل السجون للترفيه عن السجناء، غير أنّ "الاستثناء" يصنعه هذه المرّة مسرح بشار الجهوي، الذي توجّه للمؤسسة العقابية بالولاية ليس ليقدم عروضًا ولكن لينتج عرضًا مسرحيًا بطلاته لسن ممثلات محترفات ولا ممثلات في مسرح "الهواة" ولكنهن سجينات.. هذا العرض بعنوان "غدوة" يحكي تفاصيله في حوار لـ"الترا جزائر" كاتب العمل الشاعر الجزائري ومدير مسرح بشار الجهوي، عبد الله الهامل.

الهامل: مسرحية "غدوة" هي ترميم لذات السجينات وتجربة فريدة نأمل مواصلتها والأهم هو العمل مع النزيلات بعد مغادرتهن أسوار المؤسسة العقابية

عن "غدوة" وفكرة هذا المشروع الاستثنائي الجديد في المسرح الجزائري، يقول كاتبه الشاعر ومدير مسرح بشار الجهوي، عبد الله الهامل، إنّ "الفكرة أصلا تدخل ضمن مشروع (حلم) الذي هو من بنات أفكار الفنان حسين مختار تحت مسمى العلاج النفسي عن طريق الفن. "

المشروع مغامرة

الهامل يضيف في لقائه مع "الترا جزائر" إنّ "فكرة تجسيد هذا المشروع جاءت كمغامرة اقترحتها الفنانة والمخرجة المسرحية تونس آيت علي". قبل أن يتابع قوله: "في البداية كانت الفكرة تبدو مثالية كثيرًا وصعبة التحقيق، لكن الإرادة والإصرار ونُبلها (الفكرة) ذلّل كل عقبات هذا المشروع."

وبخصوص مخرجة العمل تونس آيت علي التي اقترحت فكرة المسرحية، يتحدث الهامل عن التعامل معها ولماذا كان الإصرار على تحقيق هذا المشروع، فيجيب بـ"احترام كبير" لهذه المخرجة ويؤكد: "إنّ  تونس آيت علي قامة فنية معروفة ولها تجارب رائدة في التكوين والإخراج والتمثيل المسرحي."

ويشدد في معرض حديثه على أنّ "التوجه (من طرفها) إلى نزيلات السجن يحتاج إلى رؤية فنية ثاقبة وقدرة كبيرة على التأهيل النفسي وهو ما عملت عليه تونس ونجحت فيه بشكل لافت". فيوضح الهامل أنّ "المخرجة استطاعت أن تنقل عشق المسرح إلى النزيلات."

 سجينات برتبة ممثلات

لا يخفي مدير مسرح بشار وكاتب "غدوة" المأخوذة عن نصه الشعري "عزلات بلا ذاكرة" في حديثه عن بطلات المسرحية والتعامل معهن خاصة وأنّهن متابعات في قضايا مختلفة بما أنّهن مسجونات، أنّ المسرح يذهب دومًا إلى الهامش وهو الذي يحضنه ويحميه، والنزيلات كن شجاعات وصادقات واستطعن أن يتطهرن بالفن."

وأكمل هنا بالقول: "هذا هو دور المسرح؛ بحيث يجعلك تكتشف الإنسان الذي فيك"، ويعبر عن هذه النقطة أنّ "النزيلات أخطأن وتمت معاقبتهن قانونيًا لكن الفن هو المُنقذ، حتى لا يتكرّر الخطأ."

جلسة عمل
كاتب مسرحية "غدوة" برفقة مخرجتها تونس آيت علي

يواصل صاحب "عزلات بلا ذاكرة" سرد تفاصيل اللقاء والعمل مع السجينات خلال الورشة التكوينية مع المخرجة والبروفات وعن ردّة فعلهن الأولى عندما عرض عليهن المشروع لاحتوائهن فنّيا، وهل تقبلن ذلك؟ وهل من بينهن من تمتلك طاقات إبداعية في الفن أو الفن الرابع، فيوضح أنّ "العجيب أنّهم فوجئوا بسرعة تقبّل الفكرة لديهن وحماسهن المنقطع النظير لهذا العمل".

ودعا الهامل إلى عدم التنمر ولا الإنقاص من قيمتهن، بل بالعكس -بحسب تعبيره- اكتشفوا طاقات جيدة تحتاج إلى التكوين والرعاية والتي يجب تثمينها مستقبلًا.

 ما وراء "غدوة"؟

ماذا يقصد أصحاب العمل بـ"غدوة" المصطلح والعنوان؟ وهل هناك أحلام وآمال خارج السجن وربما أهداف تتحقق من وراء الفن؟، هنا يتوقف الهامل عند الأمل الذي يجب أن يرافق أي معضلة أو أي إشكالية في الحياة، فيقول إنّ "غدوة" هي الأمل، هي ترميم ذات السجينات بعد الإفراج وزرع بذرة الأمل فيهن وتعليمهن كيف يرفعن الرأس بعد الإفراج ضد النظرة الدونية للمجتمع الذكوري تجاههن.                      

وفي ردّه على سؤال بعد تقديم العرض الأول لـ"غدوة" هل سيقوم بجولة فنية في باقي المؤسسات العقابية وفي باقي مسارح البلاد، يوضح ضيف "الترا جزائر" أنّه وبمعية الإدارة المنتجة التزموا مع المسؤولين بأن يكون للعرض جولة في مختلف المؤسسات العقابية، حيث يأمل في السياق ذاته أنّ تعمّ الفكرة مؤسسات أخرى وأن لا يكون المسرح نشاطا ترفيهيا فقط، بل يريدونه أن يتحول إلى علاج نفسي للإنسان.

"غدوة" أدّتها أول فرقة مسرحية داخل السجون الجزائرية تضم 16 نزيلة وقُدّم عرضها الشرفي نهاية أيار/ماي الماضي

وفي سياق مشاريع قادمة لمسرح بشار بعد العرض المسرحي "غدوة" الذي جسدت أدواره سجينات المؤسسة العقابية ببشار، يرى الهامل أنّ "غدوة" هي تجربة فريدة من نوعها يأملون مواصلتها، والأهم هو العمل مع النزيلات بعد أن يتم الإفراج عنهن من أجل تركيب عروض أخرى تقدم للجمهور العام ولا تبقى داخل أسوار المؤسسة العقابية، كما يوضح رغبتهم في إنشاء شبه مهرجان يكون خاصا بعروض مسرحية للنزلاء.

ويؤدي أدوار المسرحية 16 نزيلة (سجينة) تكونّ أول فرقة مسرحية داخل السجون الجزائرية، حيث قدمن العرض الشرفي الأول لهذا العمل في الـ29 أيار/ماي المنصرم بمؤسسة إعادة التربية ببشار، وحضر العرض مسؤولين بقطاع الثقافة والفن والعدل وعدد من الفنانين ونزيلات المؤسسة.