24-يوليو-2023
شباب في مواجهة شرطة مكافحة الشعب (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

شباب في مواجهة شرطة مكافحة الشعب (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

استيقظ سكان حي سوسطارة وسط العاصمة على وقع فاجعة مقتل شاب ثلاثيني (أب لطفلين)، بسبب قطرات مياه كانت تتسرب من شقة الضحية إلى أسفل الشقة، حيث أقدم أخوين من الشقة السفلى على طعن الضحية بعد مناوشات كلامية بينهم، وفي خبر آخر، مقتل 35 شخصًا في حادث مرور بولاية تمنراست جنوبي البلاد بحر الأسبوع الفارط، وتبين أن سبب الحادث هواصطدام حافلة ركاب مع سيارة رباعية الدفع كانت تحمل قارورات بنزين، (نقل البنزين يخضع إلى شروط مقيدة).

يرى خبراء أن تفشي في استعمال العنف داخل البنية المجتمعية الواحدة والوسط العائلي والمنزلي يطرح إشكالية غياب الثقة في القانون ومؤسسات الدولة،

في سياق أخبار من هذا النوع، مصالح الدرك الوطني بالدار البيضاء وسط العاصمة توقف عصابتي أحياء، تسببت في خلق فوضى واعتداء مس أشخاص وممتلكات مواطنين، ويعود  سبب الاشتباك إلى نزاع حول السيطرة على حظيرة السيارات غير قانونية، هذا، وقد استفاق سكان ولايتي وهران وبوسعادة على جريمة مروعة راح ضحيتها طفلان (توفيق وجواد)، يشار أن مرتكبي الجريمة من المسبوقين القضائيين.

تفاقم العنف

شواهد عديدة تتداولها صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات تصدرها المصالح الأمنية تؤشّر إلى تفاقم ظاهرة العنف، وتوسع السلوكليات العنيفة وتزايد الجريمة والعنف المجتمعي بشكلٍ رهيبٍ، إذ لا يكاد يمر يوم دون تدوال قضية عنف أو جريمة مرورية بسبب ارتكاب مخلفات مرورية، حيث بات العنف يأخذ مستويات خطيرة تمس البنية الاجتماعية بأكملها، ولم يعد العنف محصورة في دائرة عوالم الجرائم والعصابات.

 هنا يقول مسير "كافي شوب" واقع بضواحي بلدية القبة (وسط العاصمة)، أنه تَعرض لاعتداء جسدي بالسلاح الأبيض في محلّه التجاري،وألحق المعتدون خسائر مادية كبيرة بمتجره، مضيفًا أن هذا الاعتداء هو الثاني مرة على التوالي، على يد نفس الأشخاص، ويرجع سبب الاعتداء، إلى خلافات نشبت بين صاحب المحل ومجموعة شباب، عندما طلب منهم مسير الكافيتريا احترام الزبائن وعدم التلفظ بكلام بذيء.

أسباب تافهة

في السياق ذاته، باتت حوادث الاعتداء والعنف تمس كل المرافق التجارية والعمومية، على غرار المحلات التجارية والمطاعم والصيدليات خصوصًا،  والمؤسسات العمومية كالمستشفيات ومصالح الجباية ومراكز الدفع التابعة لشركات كسونلغاز والجزائر المياه واتصال الجزائر، ويشتكي سائقو حافلات النقل العمومي من السلوكيات العنيفة والسب والشتم من طرف بعض الركاب، كما لا يستثني العنف الجسدي واللفظي حتى  السلك التعليمي والأساتذة،  ولم يعد العنف مرتبطًا بأشخاص معينين فقط، بل أمسى يمارس من طرف أشخاص من مختلف فئات المجتمع.

وبناءً على ذلك، بلغت الظاهرة مستويات خطيرة، تطرح عديد الأسئلة حول أسباب استخدام العنف في لغة التواصل واستعمال السلاح الأبيض لأسباب تافهة ولا تستحق أيّة ردة فعل رغم عواقبها الوخيمة قانونيًا، حيث يرى مختصون أن وجود ترسانة قانونية لمحاربة العنف لم يقلّل من تفاقم العنف والجريمة، بل وصلت إلى حدّ الاعتداءات على الطواقم الطبيبة والموظفين والأساتذة.

الطواقم الطبية في خطر

إلى هنا، يقول يوسف (اسم مستعار) عون أمن بأحد مستشفيات الضاحية الشرقية للعاصمة، إن حالات الاعتداءات والشم والسب التي تمس الطواقم الطبية تضاعفت بكثرة، مستطردًا أنه "في المداومة الواحدة نتدخل بشكل مستمر لفض الشجارات، والحد من محاولات الاعتداء على الطاقم الطبي وتحطيم العتاد الطبي".

وأشار محدثنا أن مريضًا واحدًا يرافقه العشرات من أفراد عائلته أو أبناء الحي، كلهم يحملون شحنة من الكراهية والاندفاع والاستعداد للعنفـ وأوضح أن أسباب الخلافات تكون أحيانًا بسيطة، مثل رفض الانتظار رغم وجود ضغط على مصلحة الاستعجالات الطبية، أو أحد رفقاء المريض يتسبب في شجار مع طبيب ويصل إلى حالات هستيرية تطال تحطيم وتخريب الهياكل والمعدات الطبيبة.

في هذا الصدد، تُشير بيانات المصالح الأمنية إلى تزايد وتصاعد عدد حالات التوقيفات جراء الاعتداء واستخدام العنف، ففي الحصيلة السنوية في مجال الشرطة القضائية لسنة 2022 تم تسجيل عدد القضايا 350.422 قضية، وأوضح أن عدد الأشخاص المتورطين بلغ  318.804 وعدد الضحايا 210.002.

العنف ضد المرأة

من جانبه، وعند الحديث عن العنف، عادة ما تكون المرأة أول ضحية السلوكيات العنيفة، تنقل شهادات من الواقع المعيشي إلى تفشي وتعاظم ظاهرة العنف ضد المرأة، هنا، تقول سيدة (لم ترغب في كشف عن هويتها) تشتغل في القطاع البنكي، إن هناك قطاع واسع من المجتمع الذكوري يرفض فكرة عمل ونجاح المرأة.

وأضافت محدثتنا أن كثير من زميلاتها توقفن عن العمل، لأنهن كن ضحايا أحكام مسبقة، وتعرضن إلى تحرش لفظي سواءً في العمل أو الشارع، موضحّحة  في حديث إلى "الترا جزائر"، أن العنف الممارس تجاه المرأة في الوسط المهني من المسكوت عنه بسبب الابتزاز والتهديد الذي يصدر من الرجل المتعلم والمسؤول، مردفة: "العنف اللفظي والمعنوي والنفسي الممارس تجاه المرأة عادة ما تكون له دوافع الكراهية والحقد تجاه المرأة العاملة والسلوكيات التمييزية".

العنف مقابل العنف

 من جانبهم، يرى خبراء أن تفشي في استعمال العنف داخل البنية المجتمعية الواحدة والوسط العائلي والمنزلي يطرح إشكالية غياب الثقة في القانون ومؤسسات الدولة، التي تمتلك الشرعية القانونية في استخدام القوة وفق الشروط النظامية والقانونية، وبناءً على ذلك، فإن غياب الثقة في القانون يوسع من استخدام العنف المجتمعي، ويفتح الباب واسعًا أمام إيجاد تبريرات دينية أو أخلاقية في اللجوء إلى العنف وعدم الخوف من الردع.

ويشمل عدم الثقة في القانون أيضًا، عدم الخوف من القانون والردع، فرغم تشديد العقوبات في مجال العنف ضد الأطفال والمرأة والردع القانوني تجاه عصابات الأحياء والاعتداءات، غير أن الواضع والواقع يسجلان تزايد رقعة العنف والجريمة داخل المجتمع.

بات العنف المجتمعي يمسّ قطاعات أساسية كالتربية والتعليم ومجال الخدمات وقطاعات اقتصادية حيوية

أمام تصاعد العنف الذي أمسى أداة ولغة تواصل مجتمعي، باتت انعكاساته السلبية تمس قطاعات أساسية كالتربية والتعليم ومجال الخدمات وقطاعات اقتصادية حيوية، ما يتعين وضع مقاربة شاملة أمنية وسياسية واجتماعية وتربوية واقتصادية وقانونية تجعل من العنف حالة شاذة وليس ظاهرة معممة تلامس المجتمع بأكمله.