بات من المألوف، عند مداخل كثير من المؤسسات التربوية الجزائرية، خاصّة عند الذكور في الطور الثانوي، تفتيش الحقائب، توقعًا لوجود أسلحة بيضاء وآلات حديدية حادّة، بناءً على تجاربَ سابقة، وصلت فيها الاعتداءات إلى حدّ الجرح والقتل، وبهذا فقد التلميذ الجزائري صفة "البريء" لدى المؤسستين التربوية والأمنية.
عند مداخل كثير من المعاهد الجزائرية يتم تفتيش الحقائب توقعًا لوجود أسلحة بناءً على تجارب سابقة وصلت فيها الاعتداءات إلى حد القتل
وتُرجع وداد برقادي، المتخصّصة في علم النفس التربوي، هذه النزعة إلى العنف لدى المتمدرس الجزائري، إلى جملة من المعطيات الموضوعية، ذكرت منها لـ"ألترا صوت" قلة الوعي داخل الفضاءات الأسرية، بحيث تسمح لصغارها بمشاهدة مواد تلفزية وسينمائية لا تناسب نفسياتهم ومداركهم، "كما أن السّياق الاجتماعي غير المدروس بات يسمح بالانخراط المبكر للطفل في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بما يجعله منفصلًا عن منظومته الأسرية ورقاباتها المختلفة".
اقرأ/ي أيضًا: حملة تلقيح تثير الرعب في المدارس الجزائرية
وأشارت محدّثتنا إلى الدور الرمزي الذي يلعبه انزياح صورة البطل/النموذج في الفضاء الجزائري من المعلم/المتعلم إلى الشاب مفتول العضلات الذي ينفذ اعتداءات على الأشخاص والمنازل والمؤسسات. "لم نفطن إلى أن الشاب الذي يدخل السجن مرات عديدة بسبب مخالفاته للقانون والأعراف، بات أكثر لفتًا للانتباه والإعجاب في شارعنا من الشاب الذي يفتك أكثر من شهادة جامعية".
من هنا، تواصل النفسانية الجزائرية، "انتقلت تجليات العنف في وسطنا التربوي، من المناوشات الجسدية والكلامية البسيطة التي تبرّرها روح الطفولة أصلًا، إلى الشجارات المؤدية إلى الجروح البليغة وإزهاق الأرواح، حتى بات احتمال أن يتعرض الطفل إلى الخطر في المدرسة وما جاورها، أكبر من احتمال أن يتعرض له في البيت ومحيطه". تضيف: "ما يُؤسف له أن المنظومات المعنية بالظاهرة تكتفي بالإدانة والرّفض، وهذا سلوك العاجزين".
ساهم ضعف الوعي داخل الأسر الجزائرية وتحول صورة النموذج لدى الشباب إلى الشاب مفتول العضلات إلى انتشار العنف لدى طلبة الثانويات
صبيحة التاسع من آذار/مارس الجاري، هزّت الجزائرَ العاصمةَ حادثةُ طعن مميتة نفذها تلميذ يدرس في الطور الثاني، في حق التلميذ الثانوي عبد المالك علي، 15 عامًا، لأسباب تضاربت الروايات فيها، "غير أن الأهم من البحث عن سبب الاعتداء هو البحث عن الأسباب التي جعلت التلميذ معتديًا أصلًا"، بحسب الممثل المسرحي طاهر صفي الدين. يشرح فكرته: "علينا تجاوز إدانة الإفراز إلى مرحلة استئصال الغدة التي أفرزته، لأننا سنجد أنفسنا أمام إفرازات أخرى مع بقائها، لقد دخلنا مقامًا بات فيه طفلنا يستعمل العنف حتى في مزاحه".
اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. أن تدرس أكثر من تخصّص
في تصريح محدثنا إشارة إلى الحادثة التي وقعت في مدينة شلغوم العيد، 400 كيلومترًا شرق الجزائر العاصمة، حيث أقدم أربعة تلاميذ في الطور الثانوي على ارتداء الزي الذي يُميّز عناصر تنظيم داعش مع لحًى مزيَفة، والهجوم على مطعم مكتظ بالزبائن، ورمي قنبلة وهمية بينهم، وهو ما أثار حالةً من الرّعب أدّت بالبعض إلى الخروج من النوافذ، خاصّة أن المدينة لا تبعد إلا بستين كيلومترًا،عن مدينة قسنطينة التي تعرّضت إلى اعتداء تبنّاه التنظيم قبل أيام.
في السّياق، نظّم أساتذة ثانوية طالب ساعد بمحافظة البويرة وقفةً احتجاجيةً إبان إقدام سّيدة على ضرب زميلة لهم، لأنها منعت ابنتها من الغش. يتساءل حسين منديلي عضور نقابة التعليم الثانوي: "كثيرًا ما نغفل عن إدراج الدفاع الدائم لبعض الأولياء عن أولادهم، ووضعهم في مقام الضحية الدائمة، ضمن الأسباب التي أفرزت ميل التلميذ الجزائري إلى العنف". يختم: "لقد كلفت وزيرة التربية هذه الأيام مفتشين بمتابعة حالات ضرب المعلمين للتلاميذ، وهو إجراء محمود، فلماذا لا تكلف مفتشين يقومون بالدور معكوسًا، فيما يتعلق بضرب التلاميذ لمعلميهم؟".
اقرأ/ي أيضًا: