03-مايو-2024
(فيسبوك/الترا جزائر) الرئيس عبد المجيد تبون

(فيسبوك/الترا جزائر) الرئيس عبد المجيد تبون

اشترط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تغيير أدوات وآلية التشاور بين الحكومة والنقابات العمّالية، ألا تتكرّر أدوات اجتماعات "الثلاثية" في السنوات السابقة ومخرجاتها، ودعا في خطابه بمناسبة العيد العالمي للعمال إلى "إرساء قواعد للحوار والتشاور مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكافة الوطنيين الأحرار من أجل الوصول إلى قرارات صائبة وغير ظرفية".

النقابي سعيد زياني لـ "الترا جزائر": إلى غاية فترة الحراك الشعبي تخلى اتحاد العمال عن دوره في الدفاع عن حقوق العمال،

وبدت رسالة الرئيس "موافقة" ضمنية لعودة انعقاد الثلاثية التي تضم كل من "الحكومة وأرباب العمل والاتحاد العام للعمال الجزائريين"، التي اقترحها رئيس المركزية النقابية، أعمر تاقجوت، "بشرط أن تنتهي إلى قرارات صائبة-كما شدد تبون – وألا تبقى "حبراً على ورق".

بعد توقفها منذ أكثر من أربع سنوات، وانسداد الحوار بين النقابة الأم الممثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين والحكومة، دعا تبون إلى ضرورة إيجاد آلية جديدة لمباشرة "مشاورات عقد الثلاثية"، التي من شأنها أن تغلق العديد من الملفات التي راوحت مكانها، وظلت محل شدّ وجذب بين النقابات والحكومة، و"دفع ثمنها العمال"، على حد" تعبيره.

الواضح من خلال تصريحات الرئيس تبون، "رفضه" للمعايير التي كانت تستخدمها الحكومة في التفاوض مع النقابات والطرق المنتهجة في خدمة العمال والإبقاء على السياسة الاجتماعية للدولة، إذ ظل الاتحاد العام للعمال الجزائريين (النقابة المركزية)، لعقود طويلة، النقابة الرسمية الوحيدة كشريك للحكومة.

وفي هذا السياق، تعهد الرئيس تبون شخصيًا بالسهر على تسوية ملف الأساتذة وحلحلة ملف القانون الخاص بالأستاذ والمعلم، باعتبارها نقطة خلافية بين النقابات المنضوية تحت هذا القطاع والوزارة، وظلت كذلك منذ العام 2021.

وتلقت النقابات بمختلف مشاربها، بـ"أريحية" هذه التصريحات، خصوصًا وأن الرئيس تبون، لمّح إلى ضرورة الإسراع في حلّ الملف الخاص بالأساتذة، على أن تستعيد الحكومة لقاءاتها مع النقابات وأرباب العمل، في إطار ما كان يُعرف قبل 2019 بـ" الثلاثية" أي (الحكومة والنقابات وأرباب العمل).

تعزيز الحركة النقابية

إن مسار الآلية النقابية في الحوار بين أطراف العمل الثلاث، تحتاج إلى عملية تغيير عميقة، حيث تركت تصريحات الرئيس تبون خلال الاحتفالية العمالية، الكثير من التساؤلات الجوهرية حيال فئة العمال في الجزائر، في علاقة بالحقوق لقطاع واسع من المستخدمين والموظفين في قطاعات واسعة.

من وجهة نظر الحقوقيين والنقابيين، فإن مسار الفعل النقابي تراجع كثيرًا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يفسر حسب البعض في تصريحاتهم لـ"الترا جزائر"، تأكيد الرئيس تبون على عملية "تنظيف" للمحيط النقابي في البلاد، إذ تربع الاتحاد (المركزية النقابية) على عرش المطالب والحقوق والتفاوض مع الحكومة كشريك أساسي ووحيد خلال العقدين الأخيرين.

إلى هنا، يقول النقابي في قطاع الصحة (نقابة ممارسي الصحة العمومية)، الدكتور سعيد زياني، بأنه إلى غاية فترة الحراك الشعبي، تخلى الاتحاد عن دوره في الدفاع عن حقوق العمال، وانحاز إلى صف السلطة الحاكمة، في مقابل تقييد الفعل النقابي في وجود النقابات المستقلة.

وأضاف في تصريح لـ" الترا جزائر" بأن آلية المشاورات وجب أن تتسع للجميع دون إقصاء، سواءً الاتحاد العام للعمال الجزائريين والنقابات المستقلة، وهو ما أطلق عليهم الرئيس صفة " الوطنيين الأحرار".

وندّد الدكتور زياني بمنهج الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي ظل إلى آخر أيامه قبل الحراك "يدافع عن توجهات الحكومة في إطار منظومة سياسية عرفت بالفساد".

دون إقصاء

على سبيل مثال فئات القطاعات الشغيلة في الجزائر، يتضح جليًا، ضرورة إنضاج الحوار الاجتماعي مع ممثلي شريحة واسعة من المنتسبين لقطاع التعليم، وذلك بسبب رفض الحكومة المستمر طلب نقابات التربية المستقلة الاطلاع على مشروع القانون الأساسي الخاص بالأستاذ، ورفضها أيضا إشراك النقابات في التعديلات المتعلقة بالتصنيفات الخاصة بهذا القطاع ومهام الأساتذة.

ووجب الإشارة هنا، إلى أنه قبل يومين من احتفال الجزائر على غرار دول العالم بعيد العمال المصادف للفاتح ماي/أيار من كل سنة، نظمت عدة نقابات مستقلة تنضوي تحت قطاع التربية احتجاجات في المؤسسات التربوية، لأجل تحقيق المطالب الرئيسية للنقابات، والتي ظلت تراوح مكانها منذ نهاية 2021.

مبادرة الرئيس تبون طي هذا الملف، بحسب النقابي والمحامي، سيد علي أولبصير، سيفتح الباب لتحقيق آمال واسعة لآلاف العمال في قطاعات أخرى، للمشاركة في الحوار (الآلية الجديدة) التي ألح عليها الرئيس، كفضاء للحوار المباشر في القضايا العمالية، وعدم الإبقاء عليها في الأدراج أو " حبراً على ورق" كما ذكر الرئيس.

وتوقع النقابي أولبصير في تصريح لـ" الترا جزائر" أن تتوجّه السلطة إلى التخلي عن الثلاثية في شكلها السابق، والتوجه إلى "خيار الحوارات القطاعية بين النقابات والوزارات المعنية بقطاعها دون إقصاء لجميع الأطراف ومباشرة التنفيذ لتحسين المستوى المهني والاجتماعي.  

الحوار الاجتماعي

التوجه نحو " آلية ثنائية" تقودها الحكومة (وزارة -نقابات) من شأنه أن يُغلق هاجس النقابات المستقلة التي ظلت تتحرك في إطار ضيق من خلال الاحتجاجات، دون أن يستأنس برأيها في مناقشة التوجهات والأفكار ثم اتخاذ قرارات ترهن مصير الآلاف من العمال.

وفي هذا الإطار، يرى رئيس الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، الصادق دزيري، بأن الآلية المثلى هي فتح الباب أمام النقابات المستقلة وإشراكها في الحوار والاجتماعات والإدلاء برأيها بخصوص القوانين، وهو ما يتشكل– حسبه- " الحوار المسؤول الذي لا يفرق بين النقابات المستقلة والنقابات المنضوية تحت إطار الاتحاد".

ودعا دزيري إلى ترقية الحوار في إطار الحكومة، ويدفع بالاقتصاد الوطني للرقي أيضًا، خصوصًا فيما تعلق بمكانة المعلم والمربي بحسب تعهدات رئيس الجمهورية، من تحسين مكانة المعلم وتحسين ظروفه الاقتصادية من خلال القوانين الأساسية والنظام التعويضي أيضًا".

وفي انتظار، مخرجات هذه التعهدات من السلطة السياسية في البلاد، من المتوقع فسح المجال إلى تمتع العمال بـ"الحق النقابي" سواءً حرّية الانضمام إلى أيّة تمثيلية نقابية، ورفع احتكار الممارسة النقابية والوصاية أيضًا على القواعد من قبل الاتحاد.

شراكة حقيقية

في هذا السياق، يمكن الحديث أيضًا عن التغييرات التي شهدتها البيئة القانونية لتنظيم عمل النقابات المستقلة عرفت هي الأخرى تغييرات بعد إقرار الدستور الجديد 2020، وصياغة قوانين لتنظيم العمل النقابي والسياسي.

ويدافع مناضلون تحت لواء النقابات المستقلة عن مشاريع القوانين التي تنسجم أولًا مع روح الدستور، ومع الخطاب السياسي ثانيًا، وذلك من مبدأ شراكة حقيقية بين الحكومة والنقابات بمختلف مكوناتها، ومناقشة القوانين وسنّ القرارات وافتكاك الحقوق المهنية.

وباعتبارها تمثل الفئات الوسطى وتدافع عن تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعمال الأجراء والموظفين، تستمد هذه النقابات المستقلة شرعيتها، من التعددية السياسية، ولكن من منظور البعض فإن حال الفعل النقابي في الميدان ظلّ صعبًا، بالرغم من افتكاك النقابات لبعض الحقوق طوال 34 سنة، إذ كان الاعتراف بالنقابات المستقلة من قِبل السلطة كشريك اجتماعي، في سياق التسويق السياسي لمخططاتها وقراراتها، بينما تصر على تهميشها من الحوار الاجتماعي.

عامل استقرار

ينتظر فاعلون نقابيون في البلاد، تطور العمل النّقابي في الجزائر من خلال آليات تكون مبنية على مشاورات ثنائية حقيقية بين النقابات والوصاية التابعة لها، وعرج البعض إلى الإبقاء على التصور السابق للقاءات بين الشركاء الاجتماعيين، سيؤدي إلى الإبقاء على تحكم الاتحاد العام للعمال الجزائريين في تسيير مطالب الطبقة الشغيلة في البلاد، وهو ما يؤجج العمال ويحرك الشارع نحو إضرابات وعدم الاستقرار.

السلطة السياسية الحالية باشرت في إعلان قرارات لفائدة الآلاف من العمال عبر مراجعة الأجور وسنّ زيادات في معاشات المتقاعدين

وعلى النقيض من ذلك، فإن السلطة السياسية الحالية، باشرت في تنفيذ وعود أطلقها الرئيس تبون، من خلال إعلان قرارات لفائدة الآلاف من العمال، عبر مراجعة الأجور وسنّ زيادات في معاشات المتقاعدين، تدخل في نطاق تخفيف الحمل على العمال في مواجهة غلاء المعيشة.