28-يوليو-2022
ثلاثة أطفال جزائريين لفتوا اهتمام الجزائريين على مواقع التواصل (فيسبوك/الترا جزائر)

ثلاثة أطفال جزائريين لفتوا اهتمام الجزائريين على مواقع التواصل (فيسبوك/الترا جزائر)

صنع ثلاثة أطفال جزائريين في الأسابيع الأخيرة الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ظهورهم العفوي في فيدوهات تداولت على نطاق واسع، بعضهم باعة متجولون تحملوا مشاق المسؤولية منذ صغرهم لإعالة عائلهتهم، وبعضهم يعبر عن صور الحرمان في الشارع الجزائري، ويبدون فرحهم لأشياء بسيطة مثل زيارة شاطئ البحر.

أستاذ جامعي: بعض السلوكات الطبيعية والعادية والفطرية في مجتمعاتنا أصبحت إنجازات خارقة للعادة على مواقع التواصل 

 بسبب سلوكاتهم العفوية المستمدة من تقاليد وعادات الأسرة الجزائرية، كالأخوة وبر الوالدين وتحمل المسؤولية، أثار التفاعل معها تباينًا في الآراء، بين  من يراه إيجابيًا وصحيًا، بينما يرى آخرون أنه يحمل جوانب سلبية بالنظر إلى أنه جعل العادي استثناءً والراسخ دخيلًا.

ورغم المخاطر التي قد تحملها وسائل الاتصال الاجتماعي في ترسيخ سلوكات معينة أو التنفير منها وإعطاء رسائل خاطئة عن مجتمع ما، إلا أنه تظل الأسرة الجزائرية والمجتمع ككل لا يعطي اهتمامًا لهذا الجانب في نظرته وتفاعله مع القضايا أو الأحداث التي ترقى رواجًا على الشبكة العنكبوتية، بحسب مختصين بالمجال.

 

#فيديو_اليوم ❤️ طفل من ولاية المسيلة يعبر عن فرحته و #يشكر_والده بعد منحه 1000 دج للاستجمام بالبحر 💚

Posted by ‎صفحة ولاية المسيلة M'sila28‎ on Friday, July 22, 2022

ثلاثة مواقف

نهاية  شهر حزيران/جوان الماضي، عجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة الطفل حذيفة  صاولي وشقيقه الصغير القاطنين بولاية ورقلة الجنوبية، بعدما نشر المصور الهاوي يعقوب بزالة صورة لحذيفة ينزع قميصه ليظلّ أخاه الأصغر ويحميه من أشعة الشمس، وهو سلوك نبيل يتكرر في الشارع الجزائري، لكن حذيفة الذي كان في اللحظة المناسبة أمام عدسة المصوّر.

وجعلت هذه الصورة رجل الأعمال السعودي حسين محمد حجازي الذي يملك شركة في العمرة والفندقة يغرد على تويتر قائلًا" نبادر نحن مجموعة حسين محمد بهدية عمرة مجانية لوالدي الطفل النبيل الذي عرى ظهره للشمس ليقي أخاه الصغير لهيبها، شاملة جميع التكاليف نسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال نتمنى منهم أن يتواصلوا معنا في أي وقت مناسب لهم لتحقيق هذه المبادرة".

 وفي 20 تموز/جويلية الجاري، خرج للجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي طفل بطل في تحمل المسؤولية من ولاية جيجل بعدما نشرت قناة "ناس جيجل" على اليوتيوب تصريحًا لعبد الرحمان الطفل اليتيم ذي الـ15 سنة يتحدث عن عمله في بيع الكعك منذ خمس سنوات ليساعد عائلته التي فقدت الوالد منذ 10 سنوات، خاصة وأن الطفل يمتلك طلاقة في الحديث ووجه عدة نصائح لأقرانه من الأطفال للاعتماد عن النفس والابتعاد عن السلوكات السيئة.

وبعد أن حقق فيديو عبد الرحمان انتشارًا واسعًا، قامت شركة حضنة للألبان بتلبية أمنيته في إرسال أمه لأداء العمرة التي ستتكفل بكامل تكاليفها.

أما الطفل الثالث فينحدر من ولاية المسيلة، ولقي فيديو يشكر فيه أباه الذي أرسله للاستجمام بالبحر ومنحه مبلغ ألف دينار هو الآخر تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي تنوعت بين التعاطف مع فرحة الطفل بذهابه إلى البحر، وبين بره بأبيه وشكره على منحه هذا المبلغ للاستمتاع بالعطلة الصيفية.

 وحسبما نقلت وسائل الإعلام، فإن الطفل لقي هو الآخر تجاوبًا من بعض الجزائريين، حيث قررت إحدى الوكالات السياحية إرساله في رحلة إلى إسبانيا.

ولقيت هذه الفيديوهات الثلاثة تفاعلا واسعا من قبل الجزائريين ثمنوا فيها القيم والسلوكات التي التزم بها الأطفال، وصنف دكتور علم الاجتماع الاتصال بجامعة عمار ثليجي الأغواط أن ردود أفعال الجزائريين كانت في أغلبها عفوية وغير منظمة لأنها تتعلق بجانب إنساني.

تفاعل عاطفي

غير أن دكتور علوم الإعلام والاتصال بدر الدين زواقة لا يبدي رضىً كبيرًا على طريقة تفاعل الجزائريين مع فيديوهات الأطفال الثلاثة، ووصفها بالعاطفية والشعبوية أحيانًا.

وقال الدكتور عبد الرزاق زواق لـ" الترا جزائر" إن ردود فعل الجزائريين مع هذه الحالات أظهرت أنها "محاولة إشباع لفرد يفتقد لهذه القيم والسلوكات النبيلة ولا يريد الالتزام بها".

وعلق الدكتور زواقة على هذه التفاعلات بالقول على حسابه في فيسبوك "مفارقات في عالم الأشياء، من كثرة فقدان الإنسانية والرحمة ومحاولات البحث عليهما في حياتنا التي امتازت بالتسليع  والتشييء..، أصبحت بعض الصور والسلوكيات الطبيعية والعادية والفطرية والبسيطة إنجازات خارقة للعادة، ومواد إعلانية تفسر المفارقة بين الفكر والسلوك و بين الواقع و المثال".

تسليع القيم

وأبدى الدكتور زواقة انزعاجه من مجازاة السلوكيات النبيلة التي قام بها الأطفال بمقابل مادي، بالنظر إلى أن ذلك يساهم في إفراغ  الأخلاق من قيمتها التربوية والمعنوية ويرسخ لنظرة رأسمالية مبنية على تسليع القيم.

وبدوره، أوضح باحث في علم الاجتماع بمركز ابن خلدون للأبحاث والدراسات رفض الإعلان عن هويته أن التفاعل مع فيديوهات الأطفال الثلاثة أخذت أكثر من حقها، بالنظر إلى أن هذه السلوكات تحدث في أغلب الأسر والأحياء الجزائرية بشكل متكرر.

وأضاف محدث "الترا جزائر" أن هذا التفاعل الرهيب جعل هذه القيم التي مارسها الأطفال الأبطال بعفوية  تبدو وكأنها استثنائية في مجتمعنا الجزائري الذي تعد هذه الأخلاق من ممارساته اليومية، رغم الانحرافات والخروج عن قيمه التي تحدث في العصر الحالي، وهو الأمر الذي قد يجعل الملاحظ الخارجي يتصور أن هذه الأخلاق والقيم دخيلة علينا ويفتقدها المجتمع الجزائري.

أما الأستاذ موسى خويلد، فنبه من استغلال هؤلاء الأطفال لأغراض تجارية بعد الشهرة التي عرفوها، بالنظر إلى أن ذلك قد يؤثر سلبًا عليهم، ويحول المفهوم الحقيقي للمسؤولية والأخوة والبر بالوالدين إلى سياق رأسمالي تجاري.

وتفتح هذه الأحداث الثلاثة التي يرفض الأستاذ موسى خويلد تسميتها بالظاهرة الاجتماعي بالنظر إلى عفويتها وعدم تجانسها ملف الكيفية السليمة التي تنتهجها الأسرة في تعامل أطفالها مع مواقع التواصل الاجتماعي.

 وأشار موسى خويلد في حديثه مع " الترا جزائر"، إلى وجود ثلاثة أراء في هذا الشأن، الأول يتمثل في إعطاء الطفل كل الحرية للولوج إلى هذا العالم باعتبار مواقع التواصل الاجتماعي صارت أمرًا واقعًا في حياتنا اليومية، والممارسة المتكررة ستمكن الطفل من التمييز بين الحسن والسيئ عبر التعلم من أخطائه، والرأي الثاني مبني على ترك الطفل يستكشف هذا العالم، لكن مع توجيهه لاحقًا. أما الرأي الثالث فيرفض ترك الحرية للطفل في هذا العالم الإلكتروني، ويرى ضرورة غلق كل المنافذ إلى أن يصبح هذا الطفل راشدًا، فيكون قادرًا على التمييز بين الضار والنافع.

ويعتقد الدكتور بدر الدين زواقة أن مواقع التواصل الاجتماعي "متاهة أحلام" وجب على الأسرة والمجتمع حماية الأطفال من سلبياتها.

وبدوره علق الصحفي العربي محمودي على هذه الأحداث بمنشور في حسابه بفيسبوك قائلًا " طفل جيجل يعمل.. تنهال عليه التكريمات والهدايا.. ألم يتساءل أحدهم عن قانونية عمل الأطفال..عن مصير أموال الصندوق الوطني للزكاة..عن فرض الزكاة وهل يؤديه أغنياء البلاد وما أكثرهم؟".

وأضاف "طفل المسيلة يشكر والده في نشوة فرحة الوصول إلى شاطئ البحر.. تنهال عليه الهدايا.. ألم يتساءل أحدكم عن عدد المحرومين من الوصول إلى شاطئ البحر.. عن غياب المسابح في أغلب مناطق الوطن.. عن عدم قدرة الموظف والعامل على توفير "100 ألف سنتيم" لولده حتى يكون مثل طفل المسيلة".

 

طفل من جيجل يعـمل ليل نهار بحثا عن لقمة عيش عائلته .. شاهدوا 🥺 عبر اليوتيوب : https://youtu.be/oRRa2lfMc9w #جيجل_2022

Posted by ‎Nass Jijel - ناس جيجل‎ on Wednesday, July 20, 2022

وتابع محمودي قائلًا "هنيئًا لطفل جيجل تربيته وبره بوالدته وهنيئًا له ما ناله من تكريم ..هنيئًا لطفل المسيلة بره وشكره لوالده وهنيئا له ما ناله لكن ألم يحن الوقت لنقف مع أنفسنا لنطرح الأسئلة الفعلية..الأسئلة التي تسير بنا في طريق الإنتاج وتبعدنا عن نهج الاستهلاك، إلى متى نبقى نتغنى ونشيد وحتى نستغرب في بعض الأحيان.. إلى متى نبقى نصر على الاهتمام بصغائر الأمور وقشورها دون لب المواضيع؟".

يحذر كثيرون من استغلال الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة عدد المتابعين دون مراعاة الأثر النفسي عليهم بسبب انتشار هذه الفيديوهات

من المؤكد أن ما قام به الأطفال الثلاثة يستحق التثمين، وجعلهم قدوة للخارجين من أقرانهم عن عادات وأخلاق المجتمع الجزائر، لكن التفاعل مع ما يحدث بمواقع التواصل الاجتماعي بعاطفية وشعبوية ودون تفكير سلوك لا بد من تغييره حسب متتبعين، محذرين في الوقت نفسه من استغلال الأطفال والتشهير بهم خدمة لأغراض أخرى.