اعتمدت الجزائر، لأوّل مرة سنة 2023، تحضير قانون المالية وفق القانون العضوي رقم 15/18، بعد 5 سنوات من المصادقة عليه بالبرلمان بغرفتيه وصدوره في الجريدة الرسمية.
عضو لجنة المالية والميزانية في البرلمان السابق: تغيرات أسعار الطاقة عالميًا يجبر الجزائر على اللجوء إلى القانون التكميلي أو التصحيحي لمعالجة الاختلالات
ويقرّ هذا الأخير إجراءات مشدّدة لمراقبة صرف الأموال وتحري كل دينار يخرج من الخزينة والبحث عن أوجه صرفه ومراقبة المنفذين للعمليات ومحاسبة مسؤولي كل قطاع عمّا لم يتحقق.
وخلافًا للطريقة السابقة لإعداد قوانين المالية، والتي تشهد منتصف العام الإفراج عن قانون مالية تكميلي لمواكبة التغيرات والطوارئ التي قد تشهدها المؤشرات المالية، كسعر النفط وقيمة صرف الدينار مقابل الأورو والدولار، وحتى لإدراج قرارات جديدة قد يتخذها الرئيس في مجالس الوزراء، تكتفي الحكومة هذه المرة بإعداد قانون المالية التصحيحي.
ويُحيّن هذا الأخير الأرقام والمؤشرات المُعلن عنها في القانون السنوي، حتى دون الحاجة لنسخ صفحات كبرى من المواد القانونية.
ورغم أن خبراء المالية والاقتصاد يجمِعون على أن إعداد هذا القانون أسهل من الناحية التقنية مقارنة بالتكميلي لأنه يتضمن فقط تصحيحات للأرقام والمعطيات وفق المستجدات التي تشهدها السنة المالية، إلّا أنه يتطلب ضبطًا أكبر وتحديدًا أدق للأهداف وليس فقط البرامج، وهو ما يجعله مُصنفًا ضمن خانة "السهل الممتنع"، أي يتطلب خبرة ودقة في الإعداد، لاسيما وأن تسويته ستكون بمجرد استكمال السنة المالية، أي عند استنفاذ تطبيقه، وهو ما ينص عليه القانون العضوي رقم 15/18.
ما هو القانون التصحيحي؟
تحضّر الحكومة في الجزائر إلى اعتماد قانون المالية التصحيحي لأوّل مرة منذ الاستقلال، وأقرت السلطات هذا النمط الميزانياتي الجديد لينوب عن القانون التكميلي، حيث يمكن أن تصدر الحكومة في أي وقت من السنة قانون مالية تصحيحي، وهي غير ملزمة بأن يكون قانونًا واحدًا في العام.
كما يمكن للسلطة التنفيذية إصدار بين شهري كانون الثاني/جانفي وكانون الأول/ديسمبر من كل عام عدّة قوانين تصحيحية كلما تطلب الوضع ذلك، واقتضت الضرورة، وتغيرت المعطيات والمؤشرات المالية.
وينص القانون العضوي رقم 15/18 عبر المادة 6 على أن "القانون التصحيحي يكمّل القانون السنوي، الذي هو عبارة عن مجموع موارد الدولة وأعبائها الموجهة لإنجاز برامج الدولة طبقًا للأهداف المحددة والنتائج المنتظرة التي تكون موضوع تقييم.
ويهدف، طبق نفس المصدر، وحسب المادة 7، قانون المالية التصحيحي إلى تعديل أو تتميم أحكام قانون المالية للسنة، خلال السنة الجارية، في حين يكون القانون المتضمن تسوية الميزانية حسب المادة 8 الوثيقة التي يثبت بمقتضاها تنفيذ قانون المالية للسنة وقوانين المالية التصحيحية المتعلقة بنفس السنة.
وفي الشق المتعلق بكيفية إيداع قانون المالية التصحيحي، ينص القانون على أنه يتم إيداع مشاريع قوانين المالية التصحيحية ومحتواها وفق المادة 74 خلال السنة ويمكن أن تتضمن نفس أجزاء قانون المالية للسنة، كما يرفق مشروع قانون المالية التصحيحي حسب المادة 76 بالتقرير التفسيري للتعديلات المدرجة في قانون المالية للسنة، أو أي وثيقة من شأنها تقديم معلومات ضرورية.
مزايا..
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عية في تصريح لـ"الترا جزائر" إنه كما كان متوقعًا، وجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع لمجلس الوزراء قبل أيام، تعليمات تقضي بتصحيح بعض الاختلالات من خلال مشروع قانون المالية التصحيحي لسنة 2023 تماشيًا وتجاوبًا مع القرارات المتخذة لزيادة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتقوية الجبهة الداخلية.
ووفقه فإنّ "القانون التصحيحي الذي يتم سنه لأوّل مرة أكثر مرونة واختصارًا للوقت والجهد"، موضحًا: "كما أنه يضمن الشفافية ويشرح بشكل أكبر كيفية صرف أموال الخزينة والغايات التي توجه إليها."
وشدّد الخبير عية أنّ "هذا النموذج معتمد بعدد من دول العالم لاسيما أوروبا على غرار فرنسا، ويضمن شفافية أكبر ومنع لنهب الأموال، كما أنه غير إلزامي حيث يمكن الاكتفاء بالقانون السنوي، ويتم فرضه فقط في حال اقتضت الظروف ذلك. وبشكل مقتضب".
ويؤكد هنا أنّ "قانون المالية التكميلي في السنوات الماضية تحوّل إلى بدعة تلجأ إليها الحكومة كل سنة ودون حتى الحاجة إليه، لفرض إجراءات جديدة لا علاقة لها بالميزانية، سواءً متعلقة بالاستثمار أو قطاعات أخرى."
وفي تعليقه على ذلك، اعتبر أنّ "الأصل في هندسة مالية البلاد لكل عام هو القانون السنوي الذي يُشرّع كيفية صرف الأموال والميزانية، في حين يستزف اللجوء إلى قانون مالية تكميلي بأجزاء وفصول متعددة الوقت والجهد دون جدوى في بعض الأحيان."
وثمّن المتحدث الإصلاحات التي لجأت إليها الحكومة لمعالجة هذه الاختلالات، خاصة الشروع في تطبيق القانون العضوي لقوانين المالية رقم 15/18، واصفًا ذلك بـ "الخطوة الهامة التي ستبرز آثارها في القريب العاجل."
استثناءات
من جهته يرى الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان السابق، الهواري تيغريسي، بأنّ "التغيرات التي تشهدها أسعار النفط والغاز، ومواد أخرى في السوق العالمية، قد تجعل الجزائر غير مستقرة على أرقام ثابتة من حيث حسابات المداخيل."
وفي تصريح لـ"الترا جزائر" يعتقد تيغرسي بأن ّ"ذلك تحتاج في كل مرة إلى فرض قانون تكميلي سابقًا أو قانون تصحيحي حاليًا، لمعالجة هذه الاختلالات."
كما قد تصطدم السلطات أحيانًا، حسبه، بـ "نقص في الأرصدة المالية لاستكمال مشاريع معينة، فتضطر لإقرار قانون تصحيحي لضمان عدم تضرر البرامج، إذ يمكن وفق القانون العضوي أن تلجأ لإقرار هذا القانون عدة مرات في السنة، في حال تم اتخاذ قرارات جديدة بعد شهر كانون الثاني/جانفي ولم تكن مدرجة في البرنامج السنوي، وأيضًا في حال الموافقة على مشروع جديد ذو حجم معتبر ويتطلب أموال كبرى، أو إقرار إجراءات تتعلق بالقدرة الشرائية، وهي جميعها حالات تفرض اللجوء إلى القانون التصحيحي".
ويضيف تيغرسي موضحا: "هناك عدّة مواقف وقرارات ومشاريع تفرض اللجوء إلى القانون التصحيحي، ويضاف هذا الأخير لقانون تسوية الميزانية، حيث أن القانون العضوي رقم 15/18 يركز على الأهداف والرقمنة والنتائج، عند إعداد الميزانية التي تبرمج لعدة سنوات، ويتم ذلك من خلال رسم الخطوط العريضة لسياسة الدولة المالية لـ3 سنوات مثلما حدث عبر قانون المالية لسنة 2023 الممتد في توقعاته إلى سنة 2025".
ويمكن بالمقابل، يكمل المتحدث، "تصحيح المعطيات والمؤشرات في حال أي طارئ خلال أي وقت من السنة عبر سن قانون تصحيحي جديد."
ويدعو تيغرسي إلى مواصلة تكوين إطارات المالية وتلقينهم أساسيات القانون العضوي لقوانين المالية رقم 15/18 وكذا الإطارات المحلية ومسؤولي الداخلية والآمرين بالصرف، مع فرض هذا التخصص في الجامعات والمعاهد، والمدارس المسؤولة عن تكوين إطارات الدولة على غرار المدرسة الوطنية للإدارة.