08-يونيو-2024
منظمة السيف الأسود

رسالة لمنظمة السيف الأسود (الصورة: الترا جزائر)

يكشف كتاب، صدر منذ قرابة أسبوعين، بعنوان " الحركة الوطنية في باتنة قبل وأثناء ثورة التحرير"، لمؤلفيه الباحث سليم سوهالي وعبد الحميد مراردة، نجل الرائد المرحوم مصطفى مراردة، قائد الولاية التاريخية الأولى، حقائق مثيرة ويعرض وثائق نادرة، عن تنظيم السيف الأسود الذي ولد في رحم الثورة، وتركز في الأساس على إحداث القطيعة النفسية بين الجزائريين والاستعمار، عبر كسر حلقة العملاء والمتعاونين مع سلطات الاحتلال.

محفظة أسرار

تردد اسم فرقة السيف الأسود، أول مرة عام 2019، حين دوّن الكاتب إبراهيم العسكري مذكرات الرائد عمارة العسكري المكنى بوقلاز، المتعلقة بإنشاء القاعدة الشرقية، حيث يورد على لسان الأخير: " وقد تم استدعائي من طرف عمار بن عودة وأمرني بتكوين فرقة السيف الأسود، بمهمةهي الإعداد للتفجيرات والتحضير لعمليات اغتيال ضد الخونة، وقد تم الاجتماع في جبل أيدوغ في عنابة، أين حضرت قنابل في بيت راشدي وخبئت في براميل مطمورة في أرض محروثة".

تردد اسم فرقة السيف الأسود، أول مرة عام 2019، حين دوّن الكاتب إبراهيم العسكري مذكرات الرائد عمارة العسكري المكنى بوقلاز، المتعلقة بإنشاء القاعدة الشرقية

وخلافا لمذكرات عمارة العسكري، حمل المؤلف الجديد وثائق سرية صادرة عن جهازي المخابرات والشرطة الفرنسية، ما أتاح للكاتبين توفير معلومات مستفيضة.

واللافت كما يقول عبد الحميد مراردة، نجل الرائد مصطفى مراردة، لـ "الترا جزائر": " شكلت الوثائق الخاصة للقيادي،شيحاني بشير، والتي قدم لنا محفظتها، الدكتور يوسف مناصرية، المتخصص في تاريخ الثورة، الدعامة الأساسية للإشارة لهذا التنظيم الذي يجهله أغلب الجزائريين".

تنظيم عنقودي

وإشباعا للموضوع،يدلي مقدم الكتاب، الدكتور يوسف مناصرية بدلوه لـ "الترا جزائر" قائلا: " في عام 2013 استرجعتُ أرشيفا جزائريا من إيكس أون بروفونس في فرنسا، يتعلق الأمر بمحفظة شيحاني بشير التي غنمها الجيش الفرنسي بعد معركة الجرف الشهيرة، وتلك الوثائق تؤكد أن شيحاني بشير هو مؤسس هذه الفرقة ذات التنظيم العنقودي الدقيق".

يشرح سليم سوهالي ذلك معقبا:" يعني التنظيم العنقودي أن يجند رئيس الخلية شخصا ثانيا، ويكلف الثاني بتجنيد ثالث، وهكذا دواليك. يتراوح عدد الأفراد من ثلاثة كحد أدنى حتى سبعة مجندين كحد أقصى، وبالمحصلة النهائية لا يعرف الفدائيون في فرقة السيف الأسود، الرأس الأعلى ولا بقية التشكيل، وطبعا هذا ما يصعب على السلطات السرية الفرنسية تفكيك المجموعات في حال توقيف عنصر أو أكثر، لأنهم لا يعرفون بعضهم البعض".

وبحسب الدكتور مناصرية فإن الدافع الذي كان وراء مسارعة شيحاني بشير إلى تأسيس هذا الهيكل الثوري هو " الرد على مخطط الجنرال بارلنج لعزل الثورة الموسوم خطة تيمقاد، الذي شدد على توجيه ضربات ضد الثوار في الجبال وتوابعهم في المدن، بخطة مضادة عبر هذه الفرقة السرية الشبيهة بالمنظمة الخاصة، لإجهاض المشروع الفرنسي من جهة. ومن جهة أخرى وإحداث توازن الرعب بنقله للطرف الآخر، العين بالعين والسن بالسن".  

رسالة الفراشة

تشير وثائق صادرة عن المصالح الاستخباراتية التابعة للقيادة العامة للجيش الفرنسي، مؤرخة في 17 ماي 1956، بأن منظمة السيف الأسود منظمة عسكرية تضم كوموندوسا ثوريين، وتخضع لتوجيه سياسي مركزي على مستوى كل منطقة، وقد بدأت عملياتها في منطقة واد الزناتي في ولاية قالمة وامتدت على محور عين البيضاء ولاية أم البواقي، ثم منطقة تبردقة بولاية خنشلة لتتوسع لاحقا إلى مناطق جغرافية واسعة على نطاق القطر الجزائري حتى بلغت الونزة في ولاية تبسة.

1

قام عناصرها المتسمون بالتطرف والتعصب للقضية الجزائرية بعديد عمليات الحرق والتخريب والإعدامات ووجهوا رسائل تهديد.

كلفت هذه المنظمة السرية العسكرية بتنفيذ عمليات ضد العساكر الفرنسيين والمتعاونين معها من الجزائريين، وهي ذات هدف بسيكولوجي بحت فرسائل تهديدها انطوت على وعد وعيد من خلال عبارات شديدة التأثير، من قبيل "إن السيف سيصل رقبتك أينما كنت".

ثم إن هذا التنظيم لجأ إلى استعمال رمز الفراشة كشعار مشفر يرسل به رسائل وعيد لبقية المتعاونين، حيث نفذت فرقة، شهر أفريل 1955، عملية اغتيال لحارس في الإدارة الفرنسية بناحية أومال(سور الغزلان)قرب العاصمة، متعمدين ترك فراشة فوق جثته كنوع من أنواع الترهيب.

4

وفيما شبهت أدبيات طريقة أداء هذه المجموعات بطرق عمل منظمات الياكوزا اليابانية وحتى الكوزانوسترا الإيطالية التي كان تنذر المهددين بالموت برأس الخنزير، وإن اختلف المضمون، فقد شبهت المصالح الفرنسية هذه الفرق بفرقة "الأس. أس" الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

خلية التونسيين

نشط عناصر المنظمة في القرى والحواضر الكبرى، ففي مدينة عنابة شرق الجزائر، بلغ عدد فرق الموت ستة أفواج كاملة، وبفضل ما تميز به العمل في هذه المدينة، أنشأ التنظيم مصلحة خاصة مهمتها جمع المعلومات حول نشاط العساكر والبوليس الفرنسيين والمتعاونين مع الاستعمار من الجزائريين، وتحقق ذلك عبر تجنيد محامين جزائريين وموظفين عاملين في سلك القضاء والتوثيق بينهم المحامي كادير عبد السلام، والسبب قدرة هؤلاء على الوصول إلى معلومات سرية وقطعية تخص نشاط البوليس الفرنسي والمتعاونين معهم من السكان المحليين.

تمتعت هذه المجموعات بتسيير مالي حيث يتقاضى أفرادها مبلغ 3000 فرنك أسبوعيا، تدفع لهم من التبرعات والاشتراكات التي تجمعها الثورة.

توسعت ضربات السيف الأسود، إلى مناطق الونزة في تبسة وبلدية الأوراس، ففي باتنة تأسست أول مجموعة متكونة من أربعة أشخاص، حسبما يؤكده سليم سوهالي.

عبرت نشاطات السيف الأسود الحدود الشرقية، بالقيام بعمليات في مدينتي قفصة والرديف التونسيتين، ما دفع السلطات الاستخباراتية الفرنسية، إلى استنتاج وجود عناصر تونسية في التنظيم.

ويثبت نشاط التونسيين علاقات ثورية سابقة بين الأوراس والشمال الغربي والجنوبي التونسيين، لارتباطات أنثروبولوجية وتاريخية، حيث سبق للسلطات الفرنسية وأن كشفتعن توجه عاجل عجول وقرين بلقاسم على رأس مجموعة مسلحين من الأوراس لمساندة ثورة الفلاّقة التونسيين بداية الخمسينيات، سنوات قليلة قبل اندلاع الثورة الجزائرية.

4

وعلاوة على ذلك، وجهت المنظمة رسائل تهديد للممرضة الفرنسية اليهودية، بولات زمور، قريبة اليميني الفرنسي المعروف، إيريك زمور، والتي كان تشتغل في مستشفى باتنة، للاشتباه في نشاطها المعادي للثورة، وأخرى لمفتش الاستعلامات العامة فرنسوا إيمي، للتدليل على قدرتها الدقيقة في تحديد وكشف النشاطات السرية المعادية للثورة الجزائرية.

لعبت رسائل التهديد دورا في دفع الكثيرين من الجزائريين إلى التخلي عن فكرة التعاون مع الاستعمار، أو القيام بعمليات عقابية ضد الجزائريين بالنسبة للأوروبيين، أما في حالة عدم الاستجابة للتحذير الأول، والعَوَدْ، فغالبا ما يسبق السيف العذل، وفقا للعبارات الواردة في تلك الرسائل الممهورة برسمة النصل القاطع: " خنت القضية الوطنية، فحكمت عليك محكمة الشعب بالموت. دقت ساعة العدالة. سيصلك السيف الأسود ويضربك ضربة الموت أينما تكون".