تضع حكومة الوزير الأوّل أيمن بن عبد الرحمان القضاء على السوق الموازية واسترجاع الأموال المتداولة بها ضمن أولويات عملها، في مهمّة ليست سهلة بالنظر لفشل عديد الحكومات المتعاقبة على مبنى شارع الدكتور سعدان، فما هي الإجراءات التي يجب عليها اتخاذها لجعل خطابها المتعلّق بهذا الملف حقيقة ميدانية؟
فشلت مختلف التدابير التي اتخذت في السنوات الماضية في استرجاع الأموال المتداولة بالسوق الموازية رغم التسهيلات التي مُنحت لرجال الأعما
فشلت مختلف التدابير التي اتخذت في السنوات الماضية في استرجاع الأموال المتداولة بالسوق الموازية، رغم التسهيلات التي مُنحت لرجال الأعمال لإدخال كتلتهم النقدية إلى المعاملات القانونية بطريقة ودّية، حيث بقيت الخدمات البنكية المعتمدة في الجزائر ترواح مكانها، ولا تقدّم تحفيزات هامّة في عالم الاقتصاد والتداول.
ويرى تبون، أن نجاح هذه المهمة يكون بفتح حوار مع أصحاب هذه الأموال بالنظر "لتجذر هذه الظاهرة، والتي تعود إلى مرحلة فتح المجال للخواص للاستيراد مع بداية التسعينات، وهي الخطوة التي لم ترافقها آنذاك الرقابة اللازمة".
وأضاف أن "هذا الاقتصاد نشأ برخصة من الدولة وتقوّى في العشرية السوداء ثم تطوّر ليصل الآن إلى 10 آلاف مليار دج (90 مليار دولار)".
وحسب تبون، فإن استرجاع الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية يشكل"الشغل الشاغل" للحكومة التي ستعتمد في ذلك على وسائل عدة تشمل إمكانية الاستثمار في سندات بدون التعريف بهوية صاحبها وبدون فرض ضرائب، نافيًا أن يكون ذلك عفوًا؛ وإنما "جزءًا من قواعد اللعبة".
وتفادى الرئيس تبون الحديث في تفاصيل كثيرة حول خطته لاسترجاع 90 مليار دولار إلى السوق الرسمية، مرجعًا ذلك إلى "سرية الملف"، غير أّنه استبعد تغيير العملة الوطنية كحلّ لاستقطاب الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية.
تركة ثقيلة
لا تبدو مهمّة الرئيس تبون وحكومته سهلة في استرجاع 90 مليار دولار متداولة في السوق الموازية، وإدراجها في التعاملات الرسمية، بالنظر إلى فشل المتوالي للحكومات المتعاقبة في هذه المهمة، وكذا بسبب وجود قوانين لا تشجع على ذلك.
في هذا السياق، يشير أستاذ العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية والمالية بجامعة بشار مختار علالي في حديثه مع "الترا جزائر" أن سبب هذا فشل الحكومة في هذه المهمة سابقا يعود بالأساس إلى " عدم توفّر الإرادة السياسية والقانونية، لذلك كانت عصابات المال غير الرسمي تسيطر على أصحاب القرار".
وحسب مختار علالي، فإن رفع قيمة الأموال المتداولة في السوق السوداء في السنوات الماضية سببه صفقات المشاريع الوهمية بعدة وزارات، عبر جلب شركات أجنبية وفرض شركات جزائرية بأسماء وهمية، وأخذ الأموال بأسماء غير موجودة.
أما أستاذ الاقتصاد بجامعة الجلفة سمير دهيليس، فيُرجع فشل جهود جميع الحكومات السابقة في استرجاع الكتلة النقدية للسوق الموازية إلى "غياب إستراتيجية فعالة للقضاء على الأسواق الموازية".
وقال دهيليس لـ "الترا جزائر" إنه "لكي يتم القضاء على الأسواق الموازية يجب إتباع إستراتيجية واضحة تبدأ بتوفير بديل لتجار هذه الأسواق، من خلال إنشاء أسواق جوارية قريبة من التجمّعات السكانية، وبعد ترحيل هؤلاء التجار للأسواق الجديدة تأتي مرحلة الردع لمن يحاول إنشاء أسواق موازية جديدة"
تأجيل متواصل
يشدّد خبراء الاقتصاد على ضرورة إجبارية استعمال الدفع الإلكتروني في المعاملات التجارية، لتمكين الحكومة من مراقبة الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء، ومعرفة حركتها ووجهتها، إلا أنّ التأجيل المتواصل لتطبيق هذه الخدمة يضع كل خطط الحكومة في استرجاع الأموال المتداولة بالسوق الموازية على المحك ومحل شك.
وبعد أن كان مقررًا اعتماده بداية العام المقبل، عادت الحكومة لتأجيل الدفع الالكتروني مرة أخرى في قانون المالية 2022 حتى شهر جوان المقبل.
ونصت المادة 170 من قانون المالية لسنة 2022 على تأجيل إجبارية استعمال وسائل الدفع الإلكتروني حتى 60 حزيران/جوان المقبل، بالنظر إلى أن حوالي 1.5 مليون تاجر معنيون بالدفع الإلكتروني، وهو ما يتطلب عملية ضخمة من ناحية التكلفة واللوجيستيك، لذلك سيسمح التأجيل لمحطات الدفع الإلكتروني المنتجة محلياً بتلبية احتياجات السوق المحليّة، وبالتالي تجنب استيراد كميات كبيرة من هذه المعدات.
من جهته، يتوقع الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، أن يتم المضي في العمل بالدفع الإلكتروني بعد تعديل إجراءاتها، عوض تأجيلها في كل مرة.
خطوات اقتصادية
ينصح متابعون للشأن الاقتصادي الجزائري أن يكون استقطاب الكتلة النقدية للسوق الموازية ميسرًا، وبإجراءات مشجعة، وفق خطوات تدريجية.
هنا، يقترح أستاذ العلوم الاقتصادية مختار علالي، أن تعمل الحكومة على فتح المشاريع الكبرى للاستثمار، وتقليص التضخم عبر فتح الاستثمار على مصراعيه من أجل استغلال هاته الكتلة النقدية، والعمل على استقطابها بعدم مساءلة مودعيها عن مصدرها، لتيسير تحويلها إلى السوق الرسمي، وعدم السماح بإعادة استخراجها إلا عبر المعاملات الإلكترونية.
ويدعم علالي مقترح تغيير الأوراق النقدية وفق النموذج التركي، لتقليص السيولة الموجودة في الأسواق الموازية، وهو المقترح الذي لا يميل إليه الرئيس تبون مثلما عبر عن ذلك في مقابلته التلفزيونية الأخيرة.
يبقى الجهاز التنفيذي مطالبًا للنجاح في هذه المهمة بتسريع عملية الرقمنة والفوترة للمعاملات التجارية
وإلى أن تظهر نتائج "خطة" الحكومة في استقطاب 90 مليار دولار متداولة بالسوق الموازية، يبقى الجهاز التنفيذي مطالبًا للنجاح في هذه المهمة بتسريع عملية الرقمنة والفوترة للمعاملات التجارية، ومحاربة السوق السوداء سواء للعملة الصعبة والذهب أو باقي السلع والخدمات الأخرى، إضافة إلى القيام بإصلاح بنكي وجبائي حقيقي يراعي مصلحة الدولة والمواطن والتاجر على حد سواء.