كشف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي بلغت 60 مليار دولار مع نهاية سنة 2022، مقابل 54.6 دولار سنة 2021، وطمأن الرئيس أن هذه الاحتياطات تُغطي حاجيات البلاد لاستيراد السلع والخدمات لمدة عامين ونصف، بغض النظر عن تراجع أسواق النفط العالمية أو احتمالية هبوط أسعار البترول والغاز.
يطرح متابعون أسئلة حول تجنب إعادة سيناريو الصدمة المالية ما بعد انهيار أسعار النفط
تجدر الإشارة، إلى أن احتياطي الصرف بلغ ذروته سنة 2014، حين سجلت الجزائر 294 مليار دولار، نتيجة الطفرة المالية في الأسواق النفطية، حين بلغ متوسط سعر البرميل الخام معدل 120 دولارًا، لكن ومع تراجع أسعار النفط، نفد احتياطي الصرف واستُهلك ما تبقى من مخزون الفائض المالي على مستوى صندوق ضبط الإيرادات الذي بلغ في السنة نفسها، أي 2014، حوالي 55 مليار دولار.
وأمام الصدمة المالية وحالة الإفلاس المالي، لجأت الحكومة أحمد أويحيى سنة 2017 إلى وضع برنامج التمويل غير التقليدي أو طباعة النقود، وضخ ما يعادل 55 مليار دولار في الخزينة العمومية لدفع ديون المقاولين وتسديد أجور الموظفين، وإعداد الموازنة العامة وسد العجز الداخلي، حيث قدمت الحكومة آنذاك ذريعة بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية التي ستراهن السيادة الوطنية.
وعلى ضوء ذلك، يطرح متابعون أسئلة حول تجنب إعادة سيناريو الصدمة المالية ما بعد انهيار أسعار النفط سنة 2014، وكيف يمكن المحافظة على المكتسبات المالية والمصرفية وتثمينها، دون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية والمحافظة على التوازنات المالية.
مؤشرات السنوات القادمة
في سياق متصل، تؤكد توقعات البنك الدولي تراجع أسعار الطاقة خلال العام الحالي، حيث وتوقع صندوق النقد الدولي تراجع متوسط سعر برميل النفط، والذي قد يمثل 85.5 دولارًا مقابل 97 دولارًا بلغها العام الماضي.
كما توقع البنك العالمي تراجع أسعار الغاز الطبيعي بأوروبا من 40.3 دولارات مقابل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى 32 دولارًا. هذه التوقعات مرتبطة بتراجع معدلات النمو العالمية، وتوقع حالة الركود الاقتصادي التي ستمس عديد من الدول العالم.
يُشار أن ميزانية الجزائر لعام 2023 اعتمدت على سعر السوق لبرميل النفط الخام عند 70 دولارًا، والسعر المرجعي عند 60 دولارًا، خلال الفترة الممتدة 2023-2025، وتعد ميزانية سنة 2023 من بين أضخم الموازنات أي بأكثر من 100 مليار دولار.
زيادة الانفاق العمومي
وتوضّح مؤشرات الموازنة العامة للجزائر سنة 2023، أنها قفزت إلى 98.4 مليار دولارات مقابل 70 مليار دولار سنة 2022، أي ما يعادل 24 مليار دولار، بزيادة بلغت نسبتها 118.4 في المائة
ويعود هذا الارتفاع الحكومي إلى ارتفاع النفقات الموجهة إلى الدفاع الوطني والتعليم والصحة، ودعم أسعار المواد الغذائية والكهرباء والماء والوقود، بالإضافة إلى استحداث منحة البطالة والزيادة في أجور الموظفين والمتقاعدين، زيادة على ارتفاع ميزانية التسيير التي رافقت تنصيب مؤسّسات وهيئات جديدة.
وسط تخوفات من تحمّل أعباء الانفاق العمومي، يتعين على السلطات المحافظة على الاستقرار المالي للعديد من السنوات وتجنب إعادة تكرار سيناريوهات سنتي 1986 و2014 بعد تراجع وانخفاض أسعار النفط.
في السياق ذاته، يرى مراقبون أن تعزيز الصادرات غير النفطية والحد من تبعية إيرادات النفط، من شأنه تعزيز المكتسبات المالية والاستمرار في مستويات الإنفاق العمومي؛ لكن الأمر يحتاج إلى سنوات، ومن بين الخيارات التي تُطرح على طاولة النقاش هي استثمار أموال احتياطي الصرف في مشاريع ذات قيمة مضافة، تُثمر أرباحًا مالية وفوائد مصرفية على المدى القريب والبعيد، بدل الاكتفاء بالنسب الفوائد الضئيلة في ودائع البنوك الدولية.
صناديق استثمارية
في السياق، في 2018 أتمت شركة "سوناطراك" عقد شراء مصفاة تكرير نفطية بإيطاليا "أوغستا" بمبلغ 1 مليار دولار، ورغم محاكمة المدير التنفيذي لشركة سوناطراك الأسبق عبد المؤمن ولد قدور بتهمة فساد وتبديد للمال العام، فيما بات يعرف بملف مصفاة "أوغستا".
في مقابل ذلك، أفادت مصادر إعلامية أن مصفاة تكرير "أوغستا" حققت نتائج إيجابية وقدمت قيمة مضافة وساهمت في المحافظة على الموارد المالية بالعملة الصعبة، علاوة على ذلك تقدر كلفة بناء مصفاة للتكرير واحدة حولي 3.5 مليار دولار.
هذا المؤشر يبعث عن التفكير في وضع آلية من أجل تحويل أموال احتياط الصرف إلى صناديق استثمارية أو صناديق سيادية تأسيًا بعديد من الدول التي سجلت نتائج إيجابية.
ما هي الصناديق الاستثمارية؟
ويقصد بالصناديق الاستثمارية، الأوعية الاستثمارية التي تقوم بجمع رؤوس أموال الدولة أو مجموعة من المستثمرين وتديرها وفقًا لاستراتيجية واضحة المعالم وأهداف محدودة، ويترتب على الاستثمار عوائد مالية مربحة.
أما صندوق الثروة فهو صندوق سيادي مملوك من طرف الدولة، يتكون من أصول أو أسهم أو السندات، يمول من الاحتياطات والعائدات الفائضة للدولة، ويمكن من خلاله الاستثمار في الدول المتقدمة في شكل أسهم أو سندات أو شراء مصانع استراتيجية وذات قيمة مضافة، وتعد دولة الكويت أول بلد أنشأ الصناديق السيادية واستثمر في بلدان خارجية وشركات عالمية مصرفية وبترولية، وقد ساهمت تلك الاستثمارات الخارجية في التخفيف من أثار الاجتياح العراقي للكويت وتدمير بنيته التحتية.
يكمن التحدي الأساسي في التخلص من الدولة الرعوية والاتجاه نحو الحوكمة وترشيد الموارد المالية
وعلى العموم، يكمن التحدي الأساسي في التخلص من الدولة الرعوية والاتجاه نحو الحوكمة وترشيد الموارد المالية، ووضع استراتيجية مستقبلية تعتمد على الاستثمار وتمويل المشاريع ذات القيمة المضافة،وتثمين الموارد المالية للأجيال القادمة.