14-أكتوبر-2022

(الصورة: فيسبوك)

من أجل وضع حد للتهريب ومكافحة المضاربة،طلبت النيابة العامة لدى محكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة من نيابات الجمهورية المحلية إيفاءها القضايا المتعلقة بالمضاربة في السلع والبضائع ومعالجتها على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

هل يمكن تصنيف المضاربة والتهريب ضمن الأعمال الإرهابية؟

تعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في إطار مكافحة التهريب والمضاربة وإدراج النشاط التهريب والمضاربة ضمن أعمال الإرهابية والجريمة المنظمة، وبالتالي فالقرار يستدعي إنشاء قطب مركزي متخصص في قضايا التهريب، نتيجة الطابع التخريبي والإجرامي العابر للحدود.

هذ النشاط يستزف الموارد والقدرات الوطنية بهدف خلق الفوضى، ويترتب على هذا القرار تعزيز الجهود، وتوفير كافة الترسانة القانونية والقضائية والعملياتية من أجل تفكيك شبكات التهريب، لكن في مقابل ذلك هل يمكن تصنيف المضاربة والتهريب ضمن الأعمال الإرهابية؟

واضح أن مقاربة السلطات تَعتمد على قراءة سياسية من وراء ندرة المواد الواسعة الاستهلاك، إذ الهدف من وراء الندرة وتجويع السوق هو خلق البلبلة السياسية وإحداث اضطرابات اجتماعية من شأنها مساس بالأمن القومي.

يجدر التذكير ان الجزائر منذ عقدين تقريبًا تعرف كثافة في نشاط التهريب العابرة للحدود، تتأقلم من خلاله شبكات التهريب أمام الحواجز والموانع، كتنويع في نشاط تهريب السلع والبضائع من مازوت إلى المواد الغذائية، ومن متاجرة بالمخدرات الصلبة إلى المؤثرات العقلية، وتجارة وتهريب البشر.

في السياق ذاته، تشير حملة مداهمة المصالح الأمنية رفقة أعوان التجارة لدكاكين المضاربين، أن شبكات التهريب والمضاربة لا علاقة لها بالإرهاب أو لا تحمل هدفًا سياسيًا من وراء نشاطاتها غير القانونية، بل ممارسة نشاط غير رسمي قصد الربح السهل والسريع والفاحش، وبالتالي إضفاء الطابع النشاط الإرهابي لن يحل المشكلة بشكل جذري.

فالإرهاب؛ مصطلح غايته خلق جو من عدم الاستقرار والضغوط والإكراه والتخويف، علاوة على الدفاع عن معتقدات وأفكار  عبر العنف فإن وسائله  تتمثل في استخدام القوة غير النظامية، كالأسلحة والمتفجرات والاعتداءات، ويحمل أفرادها ثقافة التشدد والتطرف والعنصرية والكراهية، وهي عناصر غير متوفّرة لدى تجار المضاربة ومحتكري السلع والبضائع.

وعلى ضوء ذلك، فإن السبيل إلى مكافحة التهريب أو المضاربة وتبيض الأموال هي بحاجة إلى إعادة صياغة مصطلح "العصابة" الذي استخدمه قائد الأركان الأسبق الراحل قايد صالح، الذي وصف فيه رجال أعمال ومسؤولين سابقين في السلطة من حاشية عبد العزيز بوتفليقة بالعصابة، لكن لو أبصرنا من زاوية سياسية فالعبارة لا تحمل أي مدلول سياسي أو قضائي بل مفردة إنشائية، والمصطلح الأدق والأقرب إلى الواقع ما قاله الراحل محمد بوضياف عن وجود "المافيا السياسية والمالية".

ومن شأن تحديد المصطلحات وضع أدوات ووسائل المعالجة القضائية والأمنية، وبدل من المتابعة تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب، التي قد تضفي إلى ضعف القرائن والغايات، فلابد من تشريع قانون مكافحة المافيا، استندًا إلى تجربة بعض الدول على غرار إيطاليا.

فالمافيا مفهوم لها بعد سياسي، فهي تنظيم اجتماعي يمارس السيادة من خلال استخدام العنف المنهجي، وهي كيان سياسي يتنافس مع المؤسسات الشرعية، وتنظيم موازي للدولة يعتمد على تراكم وجمع رأس المال واستخدامها بطريقة مؤسسة.

في هذا الإطار، أكد وزير العدل الجزائري إلى وجود عمل منظم ومنسق يجمع عصابات التهريب تعمل بشكل مستهدف، فبناءً على ذلك لا بد من إيجاد صياغة تشريعية من أجل حماية المصالح الاقتصادية وتوفير الحماية القانونية للمصالح الأمنية والجمركية وحتى المجتمعية، من أجل معالجة الظاهرة بشكل قانوني وجذري، ووضع كافة الإمكانيات التقنية والتكنولوجية والبشرية لوضع حد لهذه الشبكات العابرة للحدود وتلك التنظيمات الموازية.

في سياق التأكيد على المطالبة بقانون مكافحة المافيا، قراءة تحليلية مضمون بيانات المصالح الأمنية بما فيها وزارة الدفاع الوطني، من حجز لإمكانيات مادية وبشرية هائلة كانت تحت تصرف عصابات التهريب، علاوة على حجز أسلحة نارية من مختلف الأصـناف تستخدمها شبكات تهريب المواد الغذائية أو المخدرات والمؤثرات العقلية، ما يؤشر إلى تحول نوعي وكمي في عصابات المجرمين، قد تهدف إلى الابتزاز أو المواجهة، وهو ما يستدعي حماية قانونية لتدخل أعوان الفرق الأمنية في مكافحة التهريب.

شبكات المضاربة والتهريب بإمكانها اختراق مؤسسات الدولة عبر تعاطي الرشوة والزبائنية

من جانبه يلفت الانتباه إلى وجود علاقة وثيقة بين نشاط إرهاب الساحل، ومهربي المواد الغذائية والمازوت، وبين مروّجي الحبوب المهلوسة والمخدرات ومادة الكوكايين وتجارة البشر في حوض الساحل الأفريقي والمتوسطي، وعلى ضوء ذلك فإن شبكات توزيع المخدرات والحبوب المهلوسة على مستوى المدن والأحياء لا بد أن يَكُف النظر على أنها تدخل ضمن الجرائم الصغرى، بل هي أنها تعمل على تغذية الشبكات الكبرى، ومن شأن تَمدد شبكات المضاربة والاحتكار والتهريب إلى اختراق مؤسسات الدولة عبر تعاطي الرشوة والزبائنية والتخويف والتهديد والابتزاز، وعلى ضوء كل ذاك لا بد من سن قانون مكافحة المافيا.