للجزائريين علاقة خاصّة ببعض أنواع السيارات، وليس شرطًا أن تكون السيارة ذات جودة عالية، لتشتهر بين الجزائريين الذي يعشقون أنواعًا معينة دون غيرها، رغم تواضعها. فماهي مقاييس نجاح السيارة في الجزائر؟ وماهي الأنواع الأكثر شعبية بين الجزائريين؟
لأسباب تاريخية وجغرافية تُعتبر الجزائر سوقًا للسيارات الفرنسية بامتياز
"وعلى مسعودة.. لافاك مهودة.. عندها إيبيزا وأنا À Pied" (مسعودة، ذاهبة إلى الكلية وهي تقود سيارة من نوع إيبيزا، في الوقت الذي أقطع فيه أنا المسافة راجلًا)، هي أغنية من بين الأغاني التي يردّدها كثير من الشباب في الجزائر، تعبيرًا عن تزايد الفوارق الاجتماعية، مثلما تعبّر عن نوع من علامات السيارات، التي أصبحت تلقى شهرة واسعة وهي "إيبيزا".
تحظى سيارة "إيبيزا" بسمعة جيّدة في الجزائر، رغم تواضعها في السوق الدولي، ويرتبط اسمها بجزيرة إسبانية شهيرة، لا تبعد عن الجزائر العاصمة إلا بـ 270 كليومترًا إلى الشمال. ورغم أن الشركة المُنتجة لها "سيات" معروفة، إلا أنها لم تكتسح السوق المحليّة في الجزائر، إلا عندما استولت عليها شركة "فولسفاغن" وأعطتها لمسة ألمانية واضحة.
وتمنح "سيات"، أسماء مدن إسبانية معروفة لعلامات سياراتها، على غرار "ليون" و"توليدو" ( طليطلة) وغيرها كثير، وربما هذا ما ساهم في شهرة تلك السيارات في الأوساط الشعبية الجزائرية، عندما تذكّرهم بـ "الفردوس الأندلسي المفقود".
ولأسباب تاريخية وجغرافية، تُعتبر الجزائر سوقًا للسيارات الفرنسية بامتياز، وترتبط كثير من أنواع السيارات الفرنسية بالذاكرة الجزائرية، ولعل أشهر علامة في هذا الشأن "بيجو 404"، التي بقيت إلى وقت قريب الأكثر استعمالًا كسيارة أجرة (طاكسي)، رغم أن الشركة الأصلية توقّفت عن تصنيعها في نهاية سبعينيات القرن الماضي. وفي التعبير الشعبي، ينطق الرقم بالفرنسية، ولا يُشار إلى اسم العلامة، فيقال: "كات سون كات".
ورغم أن "بيجو" وغيرها من علامات السيّارات، كانت تُقدّم في كل مرّة أنواعًا جديدة، إلا أن الـ "404" حافظت على عرشها إلى غاية تسعينيات القرن العشرين، عندما بدأت تترك مكانها لـشقيقتها "بيجو 505"، التي ما تزال حدّ الآن السيارة الأكثر استعمالًا كسيارة للأجرة، وبالخصوص في المسافات الطويلة.
من جهة أخرى، ظلّت شركة "رونو" الفرنسية أيضًا، المنافس رقم واحد لـ "بيجو" في السوق الجزائرية، لكنّ سيّاراتها بقيت "نخبوية" على العموم، إلّا في حالات قليلة، ولئن كانت "بيجو" تعتمد أرقامًا مركّبة فإنّ "رونو" كانت تعتمد أرقامًا بسيطة.
تميزت سيارة "رونو 8" بخفّة وزنها، وتواجد محرّكها في الجهة الخلفية، وكثيرًا ما تحدّث الناس عن حوادث مرور غريبة، تعرض لها سائقو هذا النوع من السيارات، من قبيل أن الريح قد تعصف بها في أي اتجاه، وهذا ما أثّر على شعبيتها وجعل سعرها متدنيًا، ولا يكسبها إلا الفقير الذي لا حيلة له.
وعلى العكس من ذلك، بقيت "رونو 4" واحدة من أكثر السيارات شعبية في الجزائر، على مرّ الزمن، وما زال كثيرون إلى اليوم يعتزّون بركوبها رغم طرازها القديم، حيث صنعت لأوّل مرّة في ستينيات القرن الماضي، وبعضها ما زال يقطع المسافات بعد مرور أكثر من خمسين سنة على صناعتها، فهي في الثقافة الشعبية، رمزٌ للقوّة والصلابة وتمتاز بسهولة صيانتها الميكانيكية.
كثير من الجزائريين يطلقون اسم "كات رال" أو "آر كات"، على سيارة "رونو 4"، لأن النماذج الأولى من تلك السيارة، كان مكتوبًا عليها اختصارًا بالفرنسية عبارة "4RL".
وبعد سنين طويلة من توقيف تصنيعها سنة 1994، يستبشر كثير من الجزائريين خيرًا، بعودة هذا النوع بشكلٍ جديد، مثلما تناقلته الأخبار في المدّة الأخيرة.
مع تسعينيات القرن العشرين، اعتمدت شركة "رونو" تسميّات جديدة لعلاماتها عوضًا عن الأرقام البسيطة، حيث ما تزال علامة "كليو" الأشهر في هذا المجال. ولأن الشركة أطلقت هذا الاسم على أنواع مختلفة، فقد تمت "جزأرة" اسمها، أيّ أن الدارجة الجزائرية دخلت في ثقافة اللغة المستعملة في سوق السيّأرات، فهناك مثلًا "كليو فراشة"، و"كليو دبزة (قبضة اليد)، و"كيلو كلاسيك" و"كليو ذبانة" ويقصد بها الذبابة وغيرها.
في هذا السياق، أخذت سيارة "رونو ميغان" شهرة واسعة بين الجزائريين، إلى درجة أصبحت موضوعًا لأغنية انتشرت كثيرًا بين الناس في بدايات هذا القرن، يقول فيها صاحبها: "اداها مول السوناكوم.. وخلّا مول الميغان يعوم" (لقد ركبت تلك الحسناء مع صاحب شاحنة سوناكوم الجزائرية الصنع، وترك صاحب سيارة الميغان حائرًا هائمًا).
ومع السيطرة شبه الكلية للسيارات الفرنسية على السوق الجزائرية، حاولت شركة "فيات" الإيطالية، كسر الحاجز، لكنها فشلت عمومًا، قبل أن تراهن على إقامة مصنع ضخم بولاية تيارات لتُصنّع نوعًا محليًا، اختير له اسم "فاتيا"، ورغم الغلاف المالي الكبير الذي استهلكه المشروع، إلا أنه ألغي بعد ذلك، وقيل إن السبب يعود إلى "اللوبي الاقتصادي الفرنسي".
بقيت بعض سيارات "فيات"، التي تمكّنت من اقتحام السوق الجزائرية، تستعمل في مدارس تعليم السياقة، بالنظر إلى ثمنها الزهيد وسهولة قيادتها، ولم تكن تنافسها في هذا الشأن إلا سيارة "سازستافا"، التي كانت تُستورد من يوغوسلافيا السابقة أيام المرحلة الاشتراكية.
وفي المرحلة نفسها، كانت الجزائر قد استوردت سيارات "لادا" و"نيفا" الروسيتين، أيّام الاتحاد السوفييتي، لكن التجربة لم تنجح بالنظر إلى رداءة النموذجين، في مرحلة بداية انهيار المعسكر الشيوعي.
ولم يمنع التوجّه الاشتراكي للجزائر، من استيراد أنواع من السيارات على غرار "فلوسفاكن" الألمانية، التي تحظى بمكانة متميّزة في السوق الجزائرية، وسيارات "هوندا" اليابانية التي استُوردت في بداية ثمانينيات القرن العشرين، وبعضها ما يزال مستعملًا لحدّ الآن.
أصبح الجزائري يركب أنواعًا مختلفة من السيارات الصينية، لا يستطيع تهجئة علاماتها
كان ذلك، قبل الغزو الصيني للجزائر، الذي غيّر الخارطة الاستهلاكية مثلما غيّر خارطة سوق السيارات، حيث أصبح الجزائري يركب أنواعًا مختلفة منها، لا يستطيع تهجئة علاماتها، بالنظر إلى كثرة تلك العلامات وصعوبة نطق بعضها.