31-أكتوبر-2021

مدرسة بولاية سطيف (فيسبوك/ الترا جزائر)

تناقلت مواقع التّواصل الاجتماعيّ إقدام أحد المحسنين على إنجاز مدرسة ابتدائيّة في أحد المشاتي التّابعة لدائرة حمّام السّخنة ولاية سطيف.

أيوب روباش: المواطن المتبرّع اليوم محتاج إلى من يلفت انتباهه إلى أنّه يستطيع التّبرّع لصالح إنجاز مرافق مختلفة غير المسجد

وضمّت المدرسة التّي تفوّقت في أناقتها وهندستها على المتعارف عليه من المدارس الحكوميّة، بالإضافة إلى الأقسام والمطعم ودورات المياه والجناح الإداريّ ملعبًا متعدّد الأغراض الرّياضيّة، إذ يندر تخصيص مساحات مجهّزة للّعب في المدارس الجزائريّة.

هنا، يقول النّاشط الثّقافيّ حليم بلونيس، إنّ المحسن الذّي تكفّل بإنجاز المدرسة وتسليمها للسّلطات المعنيّة مرّر، في الحقيقة، ثلاث رسائل قويّة على الحكومة والمجتمع المدنيّ معًا مراعاتها؛ "أولاها أنّ الفضاء التّربويّ ينبغي بالضّرورة أن يكون أنيقًا وجميلًا وثريًّا بالألوان والنّباتات، فذلك داخل ضمن عوامل إغراء الطّفل وتحبيبه في مدرسته، وثانيتها أنّ توفير مساحة محترفة للّعب لا يكلّف كثيرًا من النّاحية الماديّة، لكنّ عائداته النفسيّة والتّربويّة والصّحيّة كثيرة، وثالث تلك الرّسائل الرّسائل أنّ مجال الإحسان ليس مقتصرًا على بناء المساجد والمصلّيات كما هو شائع وراسخ في اعتقاد الجزائريّين؛ بل يجب أن يشمل كلّ المجالات التّي فيها مصلحة للنّاس".

سندرك هذا؛ يقول محدّث "الترا جزائر"، حين ننتبه إلى حقيقة رامزة في سورة "العلق" التّي كانت أوّل ما نزل من القرآن، هي أنّها بدأت بفعل "اقرأ"، وانتهت بفعلَي "اسجدْ واقتربْ"، لتبيان أسبقية العلم على العبادة بصفته الطريق السّليم إليها.

ويسأل حليم بلونيس: "لماذا لا يصبح التبرّع بإنجاز المدارس شائعًا بيننا بصفته وجهًا من أوجه الإحسان مثلما هو شيوع بناء المساجد؟ أو على الأقلّ ترميم المهترئ من المدارس أو إصلاح دورات المياه أو تأهيل مساحات للعب التّلاميذ؟

من هنا، كتب النّاشط الثّقافيّ أيّوب روباش تدوينةً فيسبوكيّة تفاعلًا منه مع حدث التبرّع بإنجاز المدرسة تقول: "التبرّع ببناء بيت من بيوت الله". سألناه عن المعنى الذّي يرمي إليه؛ فقال إنّه في العقد الثّالث من عمره؛ لكنّه لم يلتق بحملة لجمع التّبرّعات لبناء مدرسة أو مصحّة أو حفر بئر أو إنجاز حديقة أو منتزه؛ "كلّ التّبرّعات موّجهة لبناء المساجد، حتّى صار لنا منها فائض؛ في مقابل عوز في مرافق داخلة في صميم حاجات المجتمع. كلّ مرفق فيه منفعة عامّة هو بيت من بيوت الله؛ ومنه القاعدة الشّرعيّة التّي تقول إنّه حيث توجد المصلحة فثمّة شرع الله".

ويدعو روباش إلى توسيع مفهوم الإحسان في أوساط المواطنين، "المواطن المتبرّع اليوم محتاج إلى من يلفت انتباهه إلى أنّه يستطيع التّبرّع لصالح إنجاز مرافق مختلفة غير المسجد. ودور الأئمّة حاسم في هذا الباب؛ فليس من المنطق أن نجد عدّة مساجد متقاربة في تجمّع سكنيّ صغير؛ ولا نجد مثلًا روضةً للأطفال! أليس مضرًّا كثيرًا أن نترك صفارها عرضةً للأرصفة والشّوارع وما يترتّب عن ذلك من أمراض وانحرافات؟".

من جهته، يقرأ طالب علم الاجتماع الثّقافيّ صلاح الدين مومني ظاهرة انحسار الإحسان في إنجاز المساجد من زاوية تنافس النّظام الحاكم مع التّيارات الإسلاميّة الدّعويّة على استقطاب المواطنين من خلال استغلال ضميرهم الدّينيّ؛ فهي محكومة بدواعٍ سياسيّة؛ "فالنّظام يمرّر من خلال المسجد مقولاته المختلفة ويستعمل الدّين في إسباغ الشّرعيّة عليها، وهذا ما يُفسِّر تحكّم وزارة الشّؤون الدّينيّة في كتابة خطب الجمعة، بينما يتّخذ الإسلاميّون المساجد فضاءاتٍ لنشر أفكارهم بين المصلّين، من خلال الدّروس والحلقات والمبادرات الخيريّة".

"حين يرى الطّرفان المصلّي من زاوية كونه إنسانًا وكفى؛ فسيعملان على استغلال المسجد  بصفته فضاء تربويًّا وروحيًّا يساهم في تثقيف وتوعية مبدأ المواطنة. وحينها سيتوسّع مفهوم الإحسان بصفة عفوية".

هل سيُرافق الاستحسانَ الشّعبيَّ الذّي حظيت به مبادرة التّبرّع بإنجاز مدرسة ابتدائيّة، استحسانُ حكوميُّ يثمر تكييف القوانين بما يرفع الإكراهات والعقبات الإداريّة؟

ويضعنا ما أقدم عليه المحسن في ولاية سطيف أمام هذا السّؤال: هل سيُرافق الاستحسانَ الشّعبيَّ الذّي حظيت به مبادرة التّبرّع بإنجاز مدرسة ابتدائيّة، استحسانُ حكوميُّ يثمر تكييف القوانين بما يرفع الإكراهات والعقبات الإداريّة أمام مثل هذه المبادرات الإنسانيّة والخيريّة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:  

توزيع الكتاب المدرسي.. فشلٌ يتكرر كل سنة

المدرسة تعود إلى كتب الجيل الأوّل.. إصلاحات بن غبريط في خبر كان

 

اقرأ/ي أيضًا: