27-ديسمبر-2021

صدور كتابين حول موريس أودان وفطينة بدار في مهرجان "فيبدا -2021" (الصورة: وكالة الأنباء)

تواصلت خلال الأيام الماضية فعاليات الطبعة الثالثة عشر من المهرجان العالمي للقصة المصورة بالجزائر العاصمة (فيبدا(، حيث امتد من الـ 22 إلى 26 من كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، من خلال نسخة جاءت لتستدرك غيابا دام أكثر من سنة إثر الشلل الثقافي والاجتماعي الذي حل بفعاليات عديدة جراء وباء كورونا.

يعد مهرجان "فيبدا" فرصة هامّة لمؤلفي القصة المصورة التي تعرف نُدرة واضحة من ناحية التأليف والنشر في الجزائر

يعد هذا المهرجان في الواقع فرصة كبيرة لمؤلفي القصة المصورة التي تعرف نُدرة واضحة من ناحية التأليف والنشر في الجزائر، إذ تقتصر الإصدارات القليلة الموجودة في السوق على أسماء معينة تحاول منذ سنوات طويلة أن تحافظ على حضور "الفن التاسع" ذو الجمهور النوعي الشغوف والمتعطش للمزيد من الإصدارات التي ترضي تطلعاته، ومع ذلك، يبقى الجيل الحالي غير مُلِمٍّ بعالم الشريط المرسوم والمجلات المصورة بالشكل الكافي الذي يليق بتاريخها ورصيدها النوعي في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: جرائم 17 أكتوبر 1961.. صحفٌ فرنسية تشهر سيف المُحاسبة

 في هذا السياق، تم الكشف عن مؤلّفَين جديدين باللغة الفرنسية خلال فعاليات "فيبدا"، وقد أبان صاحبا هذين العملين عن قدرة الشريط المرسوم على المشاركة في التوثيق التاريخي وتبسيطه للمتلقين الشباب والأطفال، حيث تناولا شخصيتين تاريخيتين بغية التعريف بهما للأجيال الناشئة وإطلاعهم على أحداث هامة أثثت مشوارًا حافلًا بالنضالات.

موريس أودان

وقَّع الشاب محمد بوجلة مؤلَّفَه الذي حمل عنوان "موريس أودان: الشريط المرسوم"، وقد تم هذا التوقيع خلال  جلسة تخللت فعاليات "الفيبدا"، وتناول صاحب هذا المؤلّف العديد من المراحل التي عاشها المناضل الشيوعي موريس أودان، جزائري المنشأ والروح، والمناصر الشاب الشرس للثورة الجزائرية وحرية الشعب والأرض.

قال محمد بوجلة خلال هذه الجلسة التي أقيمت في رياض الفتح، أنه يهدف من خلال هذا الإصدار بالأساس إلى التعريف بشخصية المناضل أودان بالشكل الذي يليق بها، حتى يعرف الجيل الحالي أن هذا الشاب قد قتل تحت التعذيب لتمسكه بمواقفه خلال الثورة الجزائرية ونصرةً لها، فقد اغتيل سنة 1957 وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.

أكد بوجلة أنه فضّل اختيار هذه الشخصية لتكون بطلة شريطه المرسوم، لأن هذا النوع من المؤلّفات هو أكثر ما يجذب اهتمام الشباب حاليًا، حيث أنهم يفضلون تلقي المعلومة التاريخية بشكل بسيط وترفيهي إن صح القول.

من جهة أخرى، قال محمد بوجلة إنه اعتمد في كتابة هذه القصة المصورة التاريخية المكونة من ثمانٍ وأربعين صفحة، والتي صدرت عن "منشورات زاد لينك"، على تدوين سيناريو أولي ضم مادة تاريخية أرشيفية ومصادر وشهادات عديدة بخصوص موريس أودان، ثم انتقل إلى مرحلة التصميم ورسم الشخصيات والمشاهد التي اعتمدت بالأساس على اللونين الأبيض والأسود، اللذين يمثلان حسبه أصالة العمل وواقعيته، ومحاكاة للمرحلة التي تدور خلالها أحداث العمل وفاءً منه لجو الحقيقة التاريخية.

أكد المتحدث في هذه الجلسة، أنه حرص على التواصل مع نجل الشخصية بيير أودان بعد الانتهاء من إعادة أول نسخة، وناقش معه العديد من الملاحظات، كما زوده بالكثير من الصور والأحداث العائلية والشخصية لموريس أودان إضافة إلى الصور والأرشيف، كما أنهما تحدثا أيضا حسبه، حول التعديلات التي مست سيناريو المؤَلَّف حتى تليق بما حدث في الواقع لوالدَيْ "بيير" من الناحية النضالية، بدايةً من شخصية زوجة موريس جوزيت، التي اختارها صاحب العمل لتكون صوت الراوي الذي يقص حكاية نضالهما معا بداية من الحزب الشيوعي إلى غاية اعتراف فرنسا سنة 2018 بالضلوع في اغتيال موريس أودان.

في سياق متصل، صرح بوجلة أن هذا العمل حاول الجمع بين الخيال والحقيقة التاريخية حتى يخرج في النهاية بعمل يوازن بين التأريخ والقصة، وأضاف المتحدث أنه من غير الممكن أن يتم جمع شتات كل التفاصيل في عمل واحد من هذا النوع، دون اللجوء إلى بعض الخيال الذي وجب ألا يُخِلّ بالقصة الأصلية، لكنه ضروري لملأ الفراغات التي تخللت بالأصل هذه الحقيقة التاريخية.

يوكّد بوجلة أن البطولة النضالية في الواقع كانت مشتركة بين موريس وجوزيت، لأن هذه الزوجة الوفية لم تكلَّ أبدًا من البحث عن حقيقة الجريمة والاغتيال إلى غاية وفاتها سنة 2019، كما كانت شريكة حياة ونضال حقيقي له.

يعكف صاحب هذا العمل على تحضير نسخة أخرى باللغة العربية، مشدّدًا على "أهمية تناول الشخصيات الفرنسية والأجنبية (غير الجزائرية) والتي ساهمت كثيرًا في نجاح الثورة الجزائرية ليسهل ترسيخها لدى الشباب، ويتم توثيقها في الذاكرة عبر الشريط المرسوم".

فطيمة بنت النهر

من جهته، قدم بن يوسف عباس كبير في طبعة هذا العام من مهرجان الشريط المرسوم مؤلفه الجديد الذي سلط فيه الضوء على مأساة تاريخية مرت خلال الثورة التحريرية، وهو العمل الذي حمل عنوان "فطيمة بنت النهر".

بن يوسف عباس كبير الذي يعد من بين أبرز المؤلفين الجزائريين للشريط المرسوم، والذي اعتاد على تقديم العديد من الحكايا التي تتناول هذا النوع من التأريخ البصري، آثر أن يستحضر أحداث 17 تشرين الأوّل/أأكتوبر 1961 بباريس (فرنسا)، والتي شهدت مجازر لا تنسى في حق المغتربين الجزائريين الذين خرجوا للمطالبة بالاستقلال.

 صدر كتاب "فاطمة بنت النهر" خلال سنة 2021 عن منشورات "داليمان"، وتحكي قصته ما حدث للفقيدة فطيمة بدار التي تُعدّ أصغر شهيدة راحت ضحية القمع الذي حدث خلال مظاهرات السابع عشر من تشرين الأوّل/أكتوبر، حيث تم العثور على جثتها مرمية في نهر السين، وهي إحدى الجرائم الشنيعة التي ما تزال تلاحق سلك الشرطة القمعي وفرنسا الاستعمارية إلى غاية اليوم.

تقص علينا المشاهد الأولى من هذا الشريط المصور المكون من واحد وثلاثين صفحة، قصة "فطيمة" التي تذهب إلى باريس رفقة أهلها، حيث يستقرون في الضواحي الباريسية، وتبدأ هذه الطفلة في ارتياد المدرسة كأقرانها بغية تلقي العلم والمعرفة، لتتعرف بعدها على صديقتها الفرنسية "آني" وتبني معها صداقة قوية رغم اختلاف الأصل والمنشأ ورغم الفجوة الموجودة بين ثقافتيهما.

يتناول هذا العمل إذن قصة فتاة آثرت المشاركة في مظاهراتٍ كان والدها من بين منظميها لانتمائه إلى جبهة التحرير الوطني، كما يحكي كيفية خروجها رفقة الكثير من الجزائريين الذين لاقوا حتفهم جراء القمع البوليسي بقيادة موريس بوبان.

اعتمد بن يوسف عباس كبير من جهته أيضًا على توظيف الخيال الذي تخلل قصة فاطمة الواقعية والمذكورة في كتب التاريخ، حتى يتمكن من بسط بعض اللمسات التشويقية والإثارة على أحداث هذا العمل، بغية إعطائه الطابع الذي يجعل منه شريطا فنيا أكثر من وثيقة تأريخية، كما عمد بدوره على البقاء في اللونين الأبيض والأسود الذين يمثلان فترة الاستعمار بظلمتها ومآسيها، ونور النضال فيها.

يصور هذا العمل العديد من المشاهد الأليمة التي تحاكي فداحة تلك الجرائم التي ما تزال وصمة عار في تاريخ فرنسا الاستعماري، حيث تم توثيق غرق فاطمة وكذلك استحضار العبارة الشهيرة "هنا يُغرَقُ الجزائريون"  والتي اشتهر بها جدار جسر نهر السين، حيث دونها متضامنون فرنسية مع المتظاهرين، كما فضل صاحب هذا المؤلَّف أيضا أن يوثق أفراح الاستقلال في عمله هذا كإشارة أمل وسط كل مآسي تلك المجازر.

أكد بن يوسف عباس كبير أن هذا العمل يأتي كجزء ثانٍ، بعد كتابه "17 أكتوبر 1961، 17 فقاعة" والذي تم إصداره خلال سنة 2011 بمناسبة الذكرى الخمسين لهذه المأساة، وأكد المتحدث أن عمله هذا "يعطي صورة حقيقية عن امتداد الثورة الجزائرية في العالم وفي عقر دار المستعمر أيضا".

جاء إذن هذا العمل الذي حرص صاحبه على جودته، ليسهم في تخليد شخصية منسية رفقة المئات الذين راحوا ضحايا القمع، كما حرص على توثيق قائمة بأكثر من 300 إسم من أسماء ضحايا المظاهرات في قلب هذا العمل.

يوسف عباس: الهدف من هذا الإصدار كان وما يزال مرتبطًا بتعريف الشباب بتلك الأحداث والجرائم وبحقيقة مساهمة الجيل الشاب آنذاك في الثورة الجزائرية 

في الأخير، أكد بن يوسف عباس كبير أن الهدف من هذا الإصدار كان وما يزال مرتبطًا بتعريف الشباب بتلك الأحداث والجرائم وبحقيقة مساهمة الجيل الشاب آنذاك في الثورة، مذكرًا في سياق حديثه بكتابه الآخر عمر الصغير، الثورة في المحفظة" والذي أصدره سابقًا خلال عام 2018، حيث حرص فيه على توثيق قصة نضال الطفل عمر ياسف ضد الاستعمار الفرنسي، وحكاياته التي دارت في حي القصبة في العاصمة الجزائرية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماكرون: مجازر 17 أكتوبر لا تُغتفر

ماكرون: النظام الجزائري أنهكه الحراك الشعبي