15-نوفمبر-2022
والي وهران

والي وهران سعيد سعيود خلال زيارة تفقدية (فيسبوك/الترا جزائر)

جاءت امرأة إلى السلطان تشكو سرقة لصوص لأغنامها، فقال لها: "ولماذا لم تسهري على أغنامك؟" فردت عليه بالقول:" ظننتك ساهرًا علينا فنِمت"، هذه القصة نشرها أحد رواد وسائل التواصل الاجتماعي ردًا على الخرجة الأخيرة لوالي وهران غرب العاصمة الجزائرية والتي كان ضحيتها أحد باعة الأرصفة، حيث ظهر الوالي أمام القنوات التلفزيونية وهو يصرخ على المواطن وبطريقة استفزازية، قائلًا له: "هز قشك وامشي"، أي إحمل أغراضك من هنا وانصرف.

لقي بائع  الرصيف تعاطفًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما خاطبه الوالي بطريقة مهينة أمام قنوات تلفزيونية

كيف تفاعل الجزائريون مع ما أقبل عليه والي وهران؟ وهل المسؤولية الملقاة على عاتق مسؤول عاصمة الغرب الجزائري تمنحه قوة التعامل مع مواطن خرق القانون بتلك الطريقة وأمام القنوات التلفزيونية؟

عبارة "هز قشك وامشي" .. تركت استياءً أيضًا شعبيًا على مواقع التواصل؛ فالوالي أمام الكاميرا حاول تأدية مهامه ولكن بطريقة "استعراضية" أثارت غضب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما أثارت الناشط رضا بوعيشات، وقال إن العبارة لم يجد لها محلًا من الإعراب في القاموس الجزائري".

كانت ردود البعض متوازنة بين إحقاق الحقّ ورفض الظلم، إذ قال الناشط ياسين ساسي، بأن التعسف في تنفيذ واستعمال السلطة لن يحلّ المشاكل ولا يعني تحمل المسؤوليات من المواطن لأن "الردع جيد واحترام القانون واجب لكن احترام المواطن أوجب"، داعيًا إلى إيجاد حلول للأنشطة التجارية العشوائية دون إهانة مواطن أمام الملأ وعدسات الكاميرا، على حدّ تعبيره.

دافع الحاجة

تعاطف كبير من قبل الجزائريين لقيه الرّجل، خصوصًا وأن المشهد كان صادما له وأمام عدسات الكاميرًا، فحالته الاجتماعية أرغمته على العمل بأي طريقة كانت، بحسب الناشطين في الفضاء الأزرق، فلولا الفقر والحاجة لما لجأ الرجل إلى بيع البيض في الرصيف، كما قالت حنان السايسي.

في هذا السياق، علقت السايسي في تدوينة باللهجة الجزائرية: "ماشي الخير اللي جابو يخدم فالزنقة بلا وثائق"، أي أن قصر اليد من دفعته إلى إيجاد مخرج لإعالة عائلته، موضحة أنه من "واجب الوالي أن يسأل البائع عن أسباب عمله بتلك الطريقة ويبحث معه عن حل".

بين المسؤولية والنظام .. فوضى

صاحب عبارة " هزّ قشك وامشي" أشعل السوشيال ميديا، وكانت ردود المواطنين عبر الفضاء الأزرق متضامنة مع المواطن، خصوصًا وأن الوالي هو ممثل الدولة وهو شخصية عمومية غير منتخب بل معين من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما كتبه النشاط والصحفي وليد شماني، الذي طالب في تدوينته تحرك السلطات العليا في البلاد لـردّ الاعتبار للمواطـن الذي أهانـه الوالـي.

كما تحسر شماني في عبارة وجهها للجمهور العام، بأننا "لا نـزال فـي دولـة يـأكل فيـها القـوي الضعيـف،و فـي رقعـة لا خيـر فيهـا رغـم كـل المساعـي و كل التمنيـات، وهي عبارة رد عليها البعض بالقول  أن الأمر "مخجل واحتقار على المباشر".

 تتكرر تصرفات بعض المسؤولين المحليين في الجزائر تجاه المواطن الجزائري، وهو ما جعل التعسف صورة ذهنية تنتشر خصوصًا مع وسائط التواصل الاجتماعي، وخصوصًا أن الوالي شخصية غير منتخبة من قبل المواطن.

العيش الكريم هو ما يطلبه المواطنون، بل هي الصيغة العامة التي يتسابق لها المرشحون للانتخابات المحلية، وكذلك تتداول كثيرًا في خطابات الوزراء والمسؤولين المحليين، فيما يوسم اليوم بـ"الجزائر الجديدة".

وبناءً على ذلك، نشر الناشط محمد بونقاط تدوينة على حسابه الفيسبوكي قائلًا: "الظاهر أن هؤلاء الولاة نسوا أنفسهم ونسوا أسباب توليهم تلك المناصب، فلولا بائع البيض ولولا مدير المدرسة أو أبسط عامل في البلدية لما كنتَ في ذلك الكرسي أو المنصب، فمهما كان خطأ هذا البائع، ما كان عليك سيادة الوالي أن تهينه بهذه الطريقة وعلى الهواء مباشرة".

وواصل في تعليقه على الحادثة قائلًا: "لقد بلغ جنون المناصب ذروته وعلى أولياء الأمر سن قوانين جديدة تحمي المواطن البسيط من شر هؤلاء".

أما يونس مريقة، فاعتبر السلوك بغير الحضاري وعير إنساني أيضًا، لافتًا إلى أنه كان من المفروض على الوالي أن "يستعمل أسلوب لين ولا يهين كرامته بهذه الطريقة" خاصة وأن الرجل كبير في السن ورب عائلة.

 

إساءة لهبة الدولة

ما فعله والي وهران دفع كثيرين إلى استدعاء العديد من التصرفات من قِبَل مسؤولين التي تسيء عمومًا للدولة ولهيبتها، باستعمال وسائل الإعلام الثقيلة من صور ومشاهد تنقلها القنوات ويتداولها النشطاء عبر منصات التوال الاجتماعي؛ إذ كتب الإعلامي في قناة "الشروق نيوز" الهادي بن حملة، "كثرت الشطحات الاستعراضية لعدد من ولاة الجمهورية. وفيه من يحسب نفسه (متكي) أي (لديه من يحميه).. في إهانة صارخة للمنصب وللدولة وللشعب".

وأضاف بن حملة في تدوينته على حسابه الشخص في منصة فيسبوك:" كان بإمكان هذا الوالي احتواء شاب يسترزق من عرق جبينه لم ينتظر منحة البطالة ليعيل نفسه، موضحًا "ببساطة نقف على مشهد يصور (الحڤار والمحڤور) أي الظلم والمظلوم".

التضامن كبير جدًا، خصوصًا وأن المشهد مؤثر حقًا وأن الجزائريين ومنذ بدايات العام 2019، يرفضون ما يسمى بـ" الحقرة" أو الظلم، على إثر مسيرات الحراك الشعبي، جعلت من المنظومة السياسية التي كانت تمارس التعسف واستخدام النفوذ تحت الضوء وتحت المجهر أيضًا عبر شعارات رفعها المحتجون خلال أسابيع طويلة من التجمعات والمظاهرات الشعبية.

 

ولكن ماذا تغير؟ وما الذي حدث؟ فالجزائريون رفعوا شعار: "يتنحاو قاع" أي الرحيل هو حلّ مختلف الوجوه السياسية التي مارست البيروقراطية والظلم الاجتماعي والفساد، هاهم اليوم يسمعون مسؤولًا يقول لأحد المواطنين: "هز قشك وامشي"، أي ارحل من هنا.

هذا ما تداوله الناشط الإعلامي مروان الوناس بقوله في تدوينة على حسابه الفيسبوكي: "من يتتنحاو قعْ إلى هز قشك وامشي..  رومونتادا لن تدوم إلى الأبد".

وتأتي تدوينة الوناس لضرورة محاربة مثل هذه الأساليب في التسيير خصوصًا وأن العمل غير الشرعي أو غير القانوني أسبابه معروفة في الجزائر، ومن واجب المؤسّسات الرسمية للدولة أن تجد حلًا ناجعًا دون إهانة المواطن المغلوب على أمره.

من هو المسؤول؟

في خرجة غير متوقعة، وتجاوزًا للتضامن فقط توجه الناشط ومقدم البرامج الاجتماعية محمد عبيدات المعروف فنيًا وإعلاميًا بـ "ميستر آبي" إلى المواطن المغلوب على أمره، داعيًا للاتصال به من أجل مساعدته على كراء محل تجاري.

كما أشار عديد الناشطين في المنصات الاجتماعية خاصة الفيسبوك إلى أن المسؤولين في الجزائر لا يعرفون مهامهم بالتحديد، وتداخل الصلاحيات بين رئيس البلدية والوالي، وطرحوا العديد من الأسئلة تتعلق بالاستهزاء والسخرية أمام الكاميرا: هل لأنهم فئة مغلوبة على أمرها، أم أنها فئة سهل التضحية بها".