17-يوليو-2024
حفل زفاف في الجزائر

حفل زفاف في الجزائر (الصورة: يوتيوب)

شكل نحر العجول والكباش على مر عقود مضت أحد ركائز حفلات الزفاف والختان في الجزائر، إلا أن هذه العادة المستمدة من المكون الثقافي والديني لم تعدّ مقدسة عند كثيرين في الأعوام الأخيرة، كما كانت في السابق، وبالخصوص في المدن مع انتقال الأعراس من بيت العائلة إلى قاعات الحفلات، فهل يعود ذلك إلى أسباب اقتصادية أم إلى عدم إيلاء الجيل الجديد أهمية كبيرة للعادات والتقاليد؟.

الباحث توفيق عبيدي لـ "الترا جزائر": الجانب الاقتصادي لعب دورًا كبيرًا في التخلي عن العديد من العادات والتقاليد التي اشتهرت بها الأعراس الجزائرية

رغم الأهمية التي تعطيها العائلة الجزائرية للزفاف، باعتباره حدثًا غير عادي يتطلب الاقتياد بما فعله الأجداد والسير على التقاليد المتوارثة من جيل إلى آخر، إلا أن عادات ذبح شاة على الأقل في الولائم أصبح عند كثير من العرسان من الماضي، من خلال تفضيلهم الاكتفاء باللحم الجاهز من عند الجزار.

جانب مادي

إلى هنا، قرر الثلاثيني عبد القادر الذي سيقيم حفل زفافه نهاية هذا الأسبوع عدم شراء كبش أو عجل  لنحره في الوليمة التي سيقيمها، مثلما يقول لـ"الترا جزائر"، مضيفًا أنه قرر اقتناء اللحم الطازج المستورد من إسبانيا مقطعًا من عند إحدى القصابات التي تسوق هذا النوع من اللحوم الحمراء.

وأشار عبد القادر إلى أنه يدرك أن ذبح كبش على الأقل في حفل الزفاف من العادات التي تفضلها عائلته، وسار عليها أشقاؤه الكبار، إلا أن التجربة أثبتت أن اقتناء لحم الوليمة جاهزًا مقطعًا أقل تكلفة من نحر المواشي، حيث أن أخاه الأكبر منه فضل هذه الطريقة التي أثمرت اقتصادًا كبيرًا في النفقات.

وقال المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك فادي تميم لـ"الترا جزائر" إن التخلي عن نحر المواشي في الأعراس الجزائرية يرجع بالأساس إلى ارتفاع أسعارها، فبالرغم من الانخفاض المسجل في أثمانها  مقارنة بتلك المسجلة قبل عيد الأضحى، إلا أنها تظلّ باهظة ولا تتلاءم مع القدرة الشرائية للعرسان المقبلين على الزواج.

وأضاف أن "السبب الرئيس هو الغلاء الفاحش للحوم المحلية، ووجود بديل أقل سعرًا المتمثل في اللحوم الطازجة المستوردة بالعظم أو المفرغة، فالفارق في الأسعار شاسع، حيث أن سعرالكيلوغرام الواحد من اللحم المستورد 1200دج للمفرغ و1350دج بالعظم، بينما سعر  لحم الخروف المحلي يتجاوز 2500دج "

ولا ينكر الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي أن "الجانب الاقتصادي لعب دورًا كبيرًا في التخلي عن العديد من العادات والتقاليد التي اشتهرت بها الأعراس الجزائرية، فغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية حال دون إحياء العديد من العادات ومنها تلك المرتبطة بالأعراس".

ولاحظ عبيدي أن "المقبلين على الزواج يواجهون هاجس المغالاة والزيادة في التكاليف بعدما تحوّل الزواج إلى مناسبة اقتصادية استهلاكية، لذلك أصبح الجانب المادي يؤخذ بعين الاعتبار من البداية لتخفيض التكاليف قدر المستطاع ولو على حساب طقوس كانت ثابتة في الأعراس والمناسبات، ومنها أن يولم المتزوج ولو بشاة"

تغير كبير

ويرى الباحث في علم الاجتماع أن التغير الذي شهدته عادات الجزائريين في احتفالات الزواج لا تتعلق بالتخلي عن نحر الكباش والعجول فقط، إنما في نظرتهم للزفاف في حد ذاته، حيث قال لـ"الترا جزائر" إن "أشكال الاحتفال بالمناسبات وخاصة الأعراس تغيرت بشكل كبير في الجزائر، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث بدأت العادات المتوارثة من الآباء والأجداد تتلاشى، وغلبت المظاهر والشكليات على تنظيم مناسبات الزواج التي كانت إلى وقت قريب تتميز بالبساطة وتكلل بالاستمرارية والنجاح، عكس ما هي عليه اليوم حيث طغت الماديات والمظاهر بسبب العولمة والتطور المجتمعي".

وما قد يؤكد هذه النظرة أن التخلي عن طقوس إهداء العروس كبشًا ونحر العريس كباشًا أو عجولًا في زفافه لا يقتصر على محدودي الدخل فقط، إنما يشمل حتى العائلات التي توجد في وضع مالي ممتاز سواء كانت تقيم بالمدن أو حتى بالأرياف والمناطق الداخلية.

ويعتقد توفيق عبيدي أن هذا التغير مرتبط بنظرة الجيل الجديد للاحتفال بمناسبات الزفاف، لأن "مفهوم الزواج تغيّر اليوم لدى هذا الجيل، ولم تعد فكرة الزواج عموما تدور حول إيجاد شريك حياة مناسب والاستقرار وبناء أسرة، بل تغيّرت بشكل جذري بفعل الثقافات الوافدة التي ضربت قيمة ومكانة الزواج في مجتمعنا في الصميم، هذه التغيرات الثقافية تجاوزت العادات والتقاليد الموروثة وتغيرت المعايير والمقاصد".

 وأضاف عبيدي قائلًا "أصبحت مناسبات الأعراس تقام وفق الطريقة الغربية وتغلب عليها الشكليات ومظاهر الأعراس العصرية، مما أفقدها بساطتها وجماليتها، بعدما كانت تجمع العائلات والأقارب لأيام، أصبحت الأعراس اليوم تتم في يوم واحد وتجد كل شيء جاهز مختفية بذلك مظاهر العرس التقليدي".

بلا روح؟

في سنوات السابقة، كانت العائلات تتحدث عن أعراس زواج لـ"سبعة أيام وسبع ليالٍ" احتفاء بالابن الذي سيؤسّس أسرة جديدة وسط العائلة الكبيرة، إلا أن هذه المقولة سقطت في الماء اليوم عند معظم الأسر والمناطق، لأن الجميع تخلى عن الطقوس المتعلقة بها من استضافة للأقارب الضيوف خلال تلك المدة، ونحر الكباش وتقديم مختلف الأطباق التقليدية، الأمر الذي أصبح يصفها بـ "أعراس بلا روح" لنكرانها  للتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين.

لكن الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي يؤكد في حديثه مع "الترا جزائر" أنه "لا يمكن الجزم بأن الأعراس الجزائرية قد فقدت روحها الاجتماعية المحلية بالكامل، ولكن يمكن القول إنها تغيرت إلى حد كبير وغلبت عليها النزعة المادية".

وبالنسبة للمقدم على الزواج عبد القادر، فإنه لا يمكن وصف زفافه بـ" العرس الذي بلا روح"، لأن هذه الروح تزرعها العائلات الحاضرة والود الموجود بين العريسين، إضافة إلى أن كل ما قام به هو التخلي عن نحر عجل في عرسه مثلما فعل أشقاءه الكبار، وهو تفصيل صغير بنظره لأن كل العادات والتقاليد الأخرى حاضرة حتى ولو أقام  زفافه في ساعات معدودات بقاعة حفلات بدل بيت العائلة مثلما فعل أشقاؤه.

فادي تميم لـ"الترا جزائر": التخلي عن نحر المواشي في الأعراس الجزائرية يرجع بالأساس إلى ارتفاع أسعارها،

لكن ما يزعج الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي هو أن " ملاحظة عادات وطقوس دخيلة على مجتمعنا وعلى ثقافتنا حوّلت فكرة الزواج إلى مشروع معقد وصعب التحقيق لدى الجنسين، وهي من تفقد الأعراس روحها الاجتماعية تدريجيًا، لذلك فلا غرابة أن تتلاشى كليًا بعد سنوات في ظل التغيرات الثقافية والاقتصادية".