15-يوليو-2024
الهجرة السرية

(الصورة:أ.ف.ب)

تشكّل الهجرة غير النظامية أحد التحديات الأمنية والإنسانية التي تواجهها الجزائر، وذلك نظرًا إلى تكلفة معالجتها بالموازاة مع التزاماتها الإقليمية والدولية، إذ تفيد الإحصاءات الرسمية المسجلة توقيف أكثر من 13 ألف مهاجر بطرق سرية، في الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية.

الباحث نبيل كحلوش لـ "الترا جزائر": لابد من انتهاج مقاربة تعمل على الإسراع قدر الإمكان في التنمية المحلية بالمناطق الحدودية

ورغم عدم حصول الجزائر على أي تمويلات أممية أو إقليمية لمواجهة الظاهرة باعتبارها قضية متعددة الأبعاد، إلاّ أنّها لم تستثن من انتقادات بعض الأطراف التي تقول الحكومة إنها تجهل مقاربتها لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة.

ارتفاع

خلال السداسي الأول من السنة الجارية، أعلنت وزارة الدفاع الوطني، أنها أوقفت أكثر من 13573 مهاجرًا سريًا، عبر التراب الوطني، وبذلك يظهر جليًا أنّ هذه الظاهرة وبهذا الحجم مستمرة خلال هذا الصيف بالرغم من درجات الحرارة التي تشهدها الجزائر بولاياتها الجنوبية، فقد أظهرت الحصيلة الأسبوعية لوزارة الدفاع خلال الفترة الممتدة خلال الفترة الممتدة من الفاتح إلى التاسع يوليو  المسجلة خلال السداسي الأول، تقارب العدد الإجمالي للمهاجرين الذين تم توقيفهم خلال عام 2023، وبلغ عددهم 14814 مهاجرًا، وفقًا للحصيلة السنوية التي أحصتها وزارة الدفاع الجزائرية.

وقال الباحث في الدراسات الإستراتيجية نبيل كحلوش لـ"الترا جزائر" إن وتيرة هذه الظاهرة العابرة لحدود الجزائر ارتفعت بشكلٍ كبيرٍ بعد سلسلة الإخفاقات الأمنية بدول الساحل، وهذا ما تعكسه المعطيات الرسمية في الجزائر.

يشار أن دول الساحل مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو، شهدت توترات أمنية كبيرة تمثلت في حروب داخلية وتدخل قوى خارجية، وساهم ذلك في هجرة السكان من الساحل الصحراوي نحو الشمال بحثًا عن مناطق آمنة، حتى وإن كانت هذه الهجرة تتم في غالب الأحيان "برعاية" شبكات الاتجار بالبشر.

 وعند التدقيق في مختلف التقارير الصادرة عن مختلف الجهات الأمنية الجزائرية، يظهر أن الجزائر لم تعد وجهة فقط للهجرة التقليدية القادمة من الدول المجاورة، وبالخصوص مالي والنيجر، بل إن الأمر أصبح يشمل في السنوات الأخيرة أيضًا مهاجرين من نيجيريا والصومال والسودان والمغرب، وحتى من اليمن وسوريا.

ويعود ذلك بالأساس إلى تحوّل الجزائر إلى بلد استقبال للمهاجرين بطرق سرية في السنوات الأخيرة، رغم أنها ما تزال في الوقت ذاته منطقة عبور للمهاجرين الحالمين باجتياز خطر البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى القارة العجوز.

عبء أمني

بالنسبة للخبير كحلوش، فإن ظاهرة الهجرة السرية تطرح تحدياتٍ أمنية بالنسبة للدول، لأنه عند تحليل الوقائع يتضح أن ظاهرة الهجرة غير النظامية ارتبطت كذلك بشبكات للتجارة الدولية العابرة للحدود".

وأضاف كحلوش قائلًا "وهذا ما يزيد العبء الأمني على الأجهزة الجزائرية بسبب التداعيات الناجمة عن ذلك مثل الاتجار بالمخدرات والسلاح وغيرها، فهذا يمثل حينها تحديا أمنيا للجزائر".

وبسبب التحديات الأمنية الكبيرة على الحدود، حاولت الجزائر أن تعالج هذه المخاطر بإنشاء  لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تضم أيضًا موريتانيا ومالي والنيجر، وذلك بالنظر إلى أمن التهديدات الإرهابية الموجودة بمنطقة الساحل تساهم في تزايد الهجرة السريّة إلى الجزائر وإلى مختلف دول المنطقة.

وأصبح هذا التهديد الأمني يتطلب أيضًا ميزانية كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة المتعددة الأبعاد، الأمر الذي يجعل الحكومة مضطرة لزيادة الإنفاق الدفاعي لحماية الحدود، وهو ما رفع ميزانية البلاد المخصصة لقطاع الدفاع الوطني في 2023 تصل إلى 21.6 مليار دولار.

وتختلف الميزانية التي ترصدها الحكومة لمعالجة الظاهرة من عام إلى آخر، ولا تتوفر إحصاءات جديدة بشأن هذا الجانب، فآخرها تعود إلى 2018، حينما أعلن المدير السابق المكلف بالهجرة بوزارة الداخلية حسان قاسمي أنها وصلت إلى 20 مليون دولار، وهو رقم يرجح أن يعرف ارتفاعًا بالنظر إلى الوقائع الميدانية، بسبب تزايد عدد المهاجرين من القارة الأفريقية على وجه الخصوص إلى الجزائر التي بدأت تتحول من بلد عبور إلى بلد استقبال.

وفي 2022، أفاد تقرير للحكومة قدمه للأمم المتحدة ممثلها الدائم آنذاك لدى نذير العرباوي الذي يترأس اليوم الحكومة، بتفكيك 400 شبكة لتهريب المهاجرين، بطرق سرية خلال سنتي 2020 و2021.

وقال الوزير الأول نذير العرباوي في تصريحات صحفية إن "السلطات الجزائرية تعمل جاهدة على تأمين حدودها البحرية والبرية بهدف مواجهة تهريب المهاجرين، ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر، بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي".

وفي السنة نفسها أيضًا، اتهمت منظمة "أطباء بلا حدود" الجزائر بمعاملة المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول غرب أفريقيا "معاملة لا إنسانية"، وشجبت في بيانها إبعادهم من قبل السلطات الجزائرية إلى دولة النيجر المجاورة.

وجاء في التقرير، أنه "في الفترة من كانون الثاني/جانفي إلى أيار/ماي 2022، سجلت منظمة أطباء بلا حدود 14196 مهاجرًا طرِدوا من الجزائر".

وذكر المصدر نفسه، أن بين المرحلين 139 امرأة و 30 قاصرًا، مشيرًا أن متوسط ترحيل المهاجرين السريين من الجزائر وليبيا كل شهر هو ألفي مهاجر.

شاملة

بالرغم من أبعادها وارتباطاتها المختلفة، تظل الظاهرة قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وهو ما قد يفسر تساهل الحكومة الجزائرية مع المقيمين بترابها من دول الجوار من دون وثائق.

 وفي هذا الإطار، قال كحلوش إنه "لابد من انتهاج مقاربة تعمل على الإسراع قدر الإمكان في التنمية المحلية بالمناطق الحدودية، والإسراع مع الشركاء الدوليين في حل الأزمات بالساحل بحلول جذرية ومستدامة".

وواصل أنه "على الرغم من خطورة هذه الظاهرة يظلّ لها جانب إنساني يجب المحافظة عليه، وذلك عبر استقبال وحشد المهاجرين السرّيين في أماكن الإغاثة الإنسانية حماية لهم".

غير أن ما تواجهه الحكومة هو رفض كثير من المهاجرين سواءً الأفارقة أو السوريين البقاء في مراكز الإغاثة، وهو ما أكده سابقًا العديد من عناصر من الهلال الأحمر الجزائري لـ"الترا جزائر"، إذ يرفض كثيرون الإيواء بالقرية الأفريقية بمنطقة زرالدة، غرب العاصمة.

وقبل أسبوع، قال المدير العام للشؤون القنصلية والجالية الوطنية بالخارج بوزارة الخارجية، رشيد مداح، إنّ المقاربة الجزائرية في هذا المجال تستند إلى عدد من "المبادئ الأساسية"، بينها "الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل بلد أصلي".

وأوضح أنّ الهجرة هي ظاهرة إنسانية "معقدة" و"متعددة الأبعاد"، وتؤثر في الأساس على الفئات الهشة (الأطفال والنساء وكبار السن) الذين يتعرضون لأشكال عديدة من الاستغلال، مشيرًا إلى أن" الجزائر صادقت على معظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وملتزمة بروح التضامن والتعاون في هذا الإطار".

ومن وجهة نظره، يشدد مداح على ضرورة وضع مقاربة شاملة لمعالجة هذه الظاهرة، مبيّنًا أن هذه الخطوة تمخض عنها مخطط عمل من شأنه تسهيل عودة المهاجرين نحو بلدانهم الأصلية في أحسن الظروف الممكنة، إذ رأى أنّ الجزائر بفضل مكانتها الإستراتيجية والتطور الاقتصادي الذي عرفته مؤخرًا واستقرارها انتقلت من بلد عبور إلى بلد مستقبل للمهاجرين.

ولفت مداح إلى أنّ الجزائر "تسعى لمحاربة هذه الظاهرة بإمكاناتها الخاصة، ولم تستفد من أية مساعدة خارجية".

 بما أوضح بأنّ الجزائر في مقاربتها تمتنع عن استخدام ظاهرة الهجرة "كورقة ضغط" و"ابتزاز" في سياستها، مضيفًا أنّها تستند بالأحرى على "موقف إنساني ركيزته المساعدة والتعاون".

وتابع "العمل الجاد الذي تقوده منظمة الهجرة الدولية سمح بوضع برنامج للعودة الطوعية لعشرة آلاف مهاجر سري إلى بلدانهم الأصلية"، مضيفاً "تمكّنا من عقد لجنة ثلاثية تضم منظمة الهجرة الدولية والاتحاد الأوروبي والحكومة الجزائرية في سبيل إيجاد صيغ تفاعلية و تكميلية لتمويل هذه العملية والسماح للمهاجرين غير الشرعيين بالعودة إلى بلدانهم ومرافقتهم".

وفي أيار/ ماي الماضي، شاركت الجزائر في أعمال الاجتماع التنسيقي رفيع المستوى حول قضايا الهجرة غير النظامية بروما، الذي جمع في روما وزراء داخلية الجزائر، وإيطاليا، وتونس وليبيا.

رشيد مداح: الهجرة هي ظاهرة إنسانية معقدة ومتعددة الأبعاد، وتؤثر في الأساس على الفئات الهشة مثل النساء والأطفال 

ورغم هذه الجهود المبذولة من الحكومة، إلا أنّها تظل تواجه انتقادات من بعض المنظمات غير الحكومية، وبالخصوص جراء استمرار حوادث وفاة لمهاجرين ضحايا شبكات الاتجار بالبشر مثلما حدث منذ أيام بوفاة 12 سوريًا وبعد هلاك 16 مهاجرًا أفريقيًا، الأمر الذي يتطلّب تدخلًا أكبر لمواجهة هذه الشبكات المتكونة من جنسيات متعددة، والتي تستغل الحالة الإنسانية لهؤلاء المهاجرين وتسيء إلى البلاد في الوقت ذاته، بالنظر لارتكبها لهذه الجرائم على ترابها.